من العوائق التي تعيق السير في الطريق إلى الله تعالى، ولا يكاد يسلم منها أحد، «إضاعة الوقت والفشل في إدارته»، والوقت نعمة من نِعَم الله تعالى الكثيرة التي لا تحصى، إلا أن البعض يفرط في هذا الوقت فيقع فيما حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ» (متفق عليه).
التعريف
إضاعة الوقت: تُعرَّف عند علماء التربية بأنها استخدام الزمن المتاح بشكل غير منتج أو غير فعّال؛ ما يؤدي إلى عدم تحقيق أهداف أو استفادة تُذكر من هذا الوقت، وتشمل إضاعة الوقت الانشغال بأنشطة غير ضرورية، والتسويف، والانغماس في أمور ثانوية على حساب الأولويات، وتُعد إضاعة الوقت من التحديات التي تؤثر سلبًا على حياة المسلم الإنتاجية، والشخصية، والمهنية، والدعوية.
مظاهر إضاعة الوقت وموقف الإسلام منها
– التسويف والمماطلة: ويُراد به تأجيل المهام الضرورية دون سبب وجيه؛ ما يؤدي إلى تراكمها والعجز عن إنجازها.
– الانشغال بالثانويات: قضاء وقت طويل في أمور غير مفيدة، مثل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة التلفاز دون هدف.
– التحدث الزائد دون هدف: قضاء وقت طويل في محادثات غير هادفة، أو تكرار النقاشات دون التوصل إلى قرارات تفيد المسلم في دينه ودنياه.
– الاهتمام الزائد بالتفاصيل الصغيرة: التركيز على الكماليات والتفاصيل التي لا تضيف قيمة كبيرة على حساب الأمور الجوهرية التي ينبني عليها العمل.
أما عن موقف الإسلام من إضاعة الوقت والفشل في إدارته فذلك حرام، كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية، بتحسر أقوام على أعمارهم التي ضيعوها بغير عمل يفيد، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً {64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {65} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب)، وأن هؤلاء يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من تقصير، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان).
عواقب إضاعة الوقت والفشل في إدارته
لإضاعة الوقت آثار مهلكة، وعواقب خطيرة، على مستوى الفرد وعلى مستوى العمل الإسلامي، فمن عواقبه على مستوى الفرد:
– ضياع العمر بدون فائدة: وذلك لأنه تمر عليه أوقات كثيرة بغير عمل، أو بعمل هامشي لا يكاد يُذكر، وتكون المحصلة النهائية ضياع العمر كله بغير فائدة، أو بفائدة قليلة، وهذا هو الغبن الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ»، وهذا الذي قصد إليه أحد السلف الصالح حين قال: «من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه»(1).
– إهمال تزكية النفس والوقوع في القلق والاضطراب النفسي: وذلك أن الفاشل في إدارة وقته ينسى نفسه من التزكية، أو يزكيها بما لا يشبعها، بل ربما وقع فيما يُقسي القلب، وتكون النتيجة مرض القلب وموته.
– الحسرة والندامة في الدنيا والآخرة: في الدنيا حيث يرى أن غيره الذي أفلح في إدارة وقته قد تقدم وحقق أهدافه، وفي الآخرة حيث يجد نفسه بين يدي الله تعالى وقد فرَّط في كثير من الواجبات والسنن، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم، قال تعالى: (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر: 56).
أما على مستوى العمل الإسلامي، فتسبب إضاعة الوقت في:
– الفرقة والتمزق: وذلك أن إضاعة الوقت ينتج عنها عدم مراعاة الآداب الاجتماعية، وتكون العاقبة النفور والقطيعة، الأمر الذي يؤدي إلى الفرقة والتمزق، ثم تمكين العدو من رقابنا واستغلاله لخيرنا، وثرواتنا.
– طول الطريق، وكثرة التكاليف: وذلك نظراً لتربص الباطل بالعمل الإسلامي، وعدم انتفاع هذا العمل بوقت العاملين به في إبطال هذا التربص، وتفادي شرره وأخطاره.
وقد أشار الإمام المودودي وهو يخاطب الدعاة إلى هذا بقوله: «اسمحوا لي أن أقول لكم: إنكم إذا خطوتم على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد من تلك العاطفة القلبية التي تجدونها في قلوبكم نحو أزواجكم وأبنائكم، فإنكم لا بد أن تبوؤوا بالفشل الذريع، بفشل لا تتجرأ بعده أجيالنا القادمة على أن تفكر في القيام بحركة مثل هذه إلى مدة غير وجيزة من الزمان، عليكم أن تستعرضوا قوتكم القلبية والأخلاقية، قبل أن تهتموا بالخطوات الكبيرة»(2).
أسباب إضاعة الوقت والفشل في إدارته
– البيئة والأسرة التي لا تعرف قيمة الوقت، والصحبة السيئة: فقد ينشأ المرء في بيئة أو أسرة لا تحترم قيمة الوقت، ولا ترعى حرمته، وقد يصاحب المرء صحبة سيئة تعودت على ضياع الوقت، أو ملئه بالتافه الضار، ويكون هو غير مكتمل الحصانة وحينئذ يتأثر بهم، ومن ثَم يتعود على هذا الداء الخطير فيهمل نفسه ويضيع وقته ويفشل في إدارته.
– الجهل بقيمة الوقت: قد يجهل الإنسان قيمة الوقت، ولا يعرف أنه رأسماله في هذه الدنيا، وأنه حينما يضيع وقته إنما يضيع حياته، وقد صدق من قال: «الوقت هو الحياة».
– التفرد بالرأي: قد يعمل المرء حسبما تتيح له الفرصة، معتمداً على رأيه دون الرجوع إلى ذوي الخبرة، والتجربة، ومشاورتهم فيما يفعل، فيقع في إضاعة الوقت، والاشتغال بثانويات الأمور، وإضاعة الأصول.
– عدم المتابعة والمحاسبة: قد يحرم الإنسان ممن يتابعه، ويحاسبه على عمله، وعلى خطواته أولاً بأول، وتكون النتيجة فوضى الوقت حيث يضيع الوقت في غير عمل بالمرة، أو في عمل هامشي لا يسمن ولا يغني من جوع.
– الغفلة عن واقع الأعداء: قد ينسى المرء واقع الأعداء، وكيف أنهم يعملون بالليل والنهار، للكيد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولجماعة المسلمين، فيهمل الانتفاع بوقته.
– الغفلة عن عواقب إضاعة الوقت: قد تغيب عواقب إضاعة الوقت الدنيوية والأخروية عن تفكير المسلم، فإذا به يضيع وقته، ولا ينتفع به، أو ينتفع به فيما لا جدوى من ورائه.
علاج إضاعة الوقت والفشل في إدارته
1- أن يوقن بأن الوقت هو رأسماله في هذه الدنيا، وأن التفريط فيه، أو عدم شغله بالنافع المفيد يعني خسارة الدنيا والآخرة، أو خسارة الآخرة على الأقل، وتلك هي الخسارة التي لا خسارة بعدها.
2- أن يوقن بضخامة المسؤولية غدًا بين يدي الله تعالى، إذ إن الوقت من بين ما يُسأل عنه يوم القيامة كما جاء في الحديث: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أفناه، وعن عمره فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه» (أخرجه الطبراني في الكبير).
3- أن يديم النظر في سيرة السلف، وكيف كان حرصهم على الوقت واستغلاله استغلالاً صحيحاً حقيقياً، ولا سيما العلماء والدعاة، فقد كان هؤلاء يستغلون أوقاتهم استغلالاً يدور بين القراءة، والسماع، والإسماع، وتلاوة القرآن، والذكر، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، والصلوات، وسائر أعمال البر والخيرات.
4- أن يتخلى عن الصحبة السيئة مع الحرص على الصحبة الطيبة، فإن هذا من شأنه أن يحفظ على المسلم أوقاته، وأن تُنفق في النافع المفيد، وفي الخبر: «من يرد الله به خيراً يهده خليلاً صالحاً، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه»، وقيل: «اصحب من يدلك على الله حاله، ومن يعرفك بالله مقاله»(3).
5- أن يحرص على ألا يُقدم على أمر دون أخذ الرأي والمشورة، فإن ذلك من شأنه أن يدل المسلم على النافع المفيد، بل وعلى الأولويات والمهمات، فلا تضيع منه لحظة بغير عمل نافع.
6- أن يكون بصيراً بواقع الأعداء، وأنهم لا يضيعون لحظة بغير عمل، وأن إهدار وقته أو عدم استغلاله الاستغلال الأمثل يعني تمكن هؤلاء الأعداء من رقاب الأمة، فضلاً عن غضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة(4).
__________________
(1) فيض القدير للمناوي (6/ 288).
(2) تذكرة دعاة الإسلام للمودودي (1/ 57).
(3) تذكرة الدعاة للبهي الخولي (1/ 174).
(4) آفات على الطريق، أ.د. السيد محمد نوح (3/ 66)، بتصرف.