في اليوم التالي لإعلان نجاح جهود الوساطة المشتركة في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى؛ نقلت وكالات أنباء، الخميس 16 يناير 2025م، عن الناطق باسم بلدية غزة معتصم النبيه، تصريحه بأن أضرار بلديات قطاع غزة، نتيجة الحرب الصهيونية، تزيد على 5 مليارات دولار، وأن أولويات البلدية مع بدء سريان وقف إطلاق النار زيادة كميات المياه وإزالة النفايات.
وفي تقرير نشرته وكالة «معا» الفلسطينية، أشارت الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار منازل غزة المدمرة قد تستمر حتى عام 2040م، وستتجاوز تكلفتها 80 مليار دولار، فيما تعتبر إزالة الأنقاض من أكبر العقبات أمام هذه العملية؛ فقد تعرض نحو 70% من مساكن غزة لأضرار تتراوح بين التدمير الكلي والجزئي.
وفي أكتوبر الماضي، ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن تكلفة إزالة أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض قد تتجاوز مليار دولار، وأكد التقرير أن العملية معقدة وقد تستغرق سنوات بسبب وجود قنابل وألغام غير منفجرة، فضلاً عن المواد الملوثة والجثث التي لا تزال مدفونة تحت الركام.
وتوقع التقرير أن إعادة بناء المنازل المدمرة قد تستغرق حتى عام 2040م على الأقل، مع إمكانية أن تمتد العملية لعدة عقود إذا استمرت وتيرة إعادة الإعمار بنفس البطء الذي شهدته الحروب السابقة في القطاع.
كما ألقى العدوان بظلاله الثقيلة على القطاع الزراعي الذي يمثل مصدر الغذاء الأساسي لسكان غزة؛ وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الأمم المتحدة أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية الحيوية للإنتاج الغذائي قد تدهورت بفعل الحرب.
إعادة إعمار أم إنشاء؟!
ولا شك أننا ومن خلال مطالعة أرقام المبالغ المطلوبة للإعمار، أو حجم الركام والخسائر التي أصابت مختلف أوجه الحياة بقطاع غزة، نجد أنفسنا أمام حقيقة مؤكدة، وهي أننا بصدد إعادة إنشاء للقطاع، وليس مجرد إعادة إعمار!
فالتدمير لم يترك قطاعاً من قطاعات الحياة إلا أصابها بالشلل والدمار والخراب؛ سواء القطاع الصحي من مراكز ومستشفيات، أو القطاع التعليمي من مدارس وجامعات، أو المدني بكل مؤسساته وتدمير البنية التحتية، فضلاً عن القطاع الزراعي، خاصة مع حجم المتفجرات والمواد الكيماوية التي تضر بالإنسان والبيئة.
فالقول بإعادة الإعمار يوحي وكأنّ حجم الإصابات والخراب هذه المرة، هو كالمعتاد ويدخل في نطاق المعقول، كما حدث في جولات حروب سابقة، بينما الحقيقة أن المطلوب الآن هو إعادة إنشاء، في مقابل ما حصل من تدمير منهجي وشامل أصاب أوجه الحياة كافة بقطاع غزة!
الدور المجتمعي وتدارك التقصير:
ولا يخفى على المراقب أن الدور الشعبي عربياً وإسلامياً، خلال العدوان، لم يكن بالحجم المطلوب، ولا بالقدر الذي أثَّر في مجريات الحرب ووقف العدوان.
نعم، ثمة أسباب كثيرة لذلك لا مجال للتفصيل فيها هنا، لكن المراد قوله: إن الوقت قد حان لدور مجتمعي؛ عربياً وإسلامياً، يمكنه أن يتدارك بعض ما فاته من أوجه الدعم والمساندة؛ وذلك من خلال المشاركة بدور كبير في مرحلة إعادة الإنشاء أو البناء، بعد توقف العدوان.
الشعوب العربية والإسلامية قلبها معلَّق مع غزة والقدس وفلسطين، لكنها لم تستطع أن تنتزع مساحة معقولة للتأثير لوقف العدوان، ولترجمة هذا العاطفة لعمل مساند وداعم، لكن الآن عليها أن تنتزع هذه المساحة، لعلها تتدارك ما حدث من تقصير فادح.
المؤسسات المتناظرة والدعم المطلوب:
وإذا كنا أمام تدمير غير مسبوق بالقطاع، فإن الدعم المطلوب ينبغي أن يكون على هذا المستوى؛ بحيث يتجاوز مسألة المساعدات العاجلة غذائياً وطبياً، إلى مشاركة حقيقية بالبناء والتعمير.
وإذا كانت الحكومات لها دور وعليها مسؤولية، فإن الشعوب أيضًا لها دور وعليها مسؤولية، وفي هذا الصدد نطرح فكرة لتفعيل الدور المجتمعي من خلال الاتحادات والنقابات والهيئات ذات الطبيعة الشعبية، بجانب دور الحكومات، ونلخصها في ضرورة قيام هذه الاتحادات والنقابات العلمية والمهنية بدور كبير في إعادة إعمار المؤسسات المتناظرة لها داخل قطاع غزة.
فمثلاً، بإمكان نقابات الأطباء في العالم العربي، وليكن من خلال اتحاد الأطباء العرب، أن تقدم دعماً للقطاع الطبي بغزة؛ سواء من حيث تقديم الأدوية، أو إيفاد أطباء لتعويض النقص في القوة البشرية بعد استشهاد عدد كبير من الأطباء، أو في بناء مستشفيات ومراكز طبية، أو تدريب الأطقم الطبية.. إلخ.
وهكذا، يمكن لاتحاد المهندسين العرب ولسائر الاتحادات والنقابات والتجمعات أن تقدم دوراً مهماً في دعم وترميم القطاعات المتناظرة لها بغزة، فضلاً عن الدور المجتمعي الفردي، ومن خلال الجمعيات الخيرية، بالتبرع المالي والعيني لتسيير قوافل المساعدات الغذائية والإنسانية العاجلة.
فهذا الدور المجتمعي المأمول، بمختلف صوره، له عدة فوائد؛ أهمها أنه:
– يعيد، وبطريقة عملية، تأكيد الموقف الشعبي الداعم والمساندة لقضية الأمة المركزية.
– يساند دور الحكومات والمؤسسات الدولية في دعم غزة، ويعوّض ما قد يحصل في ذلك من نقص.
– يجعل قضية فلسطين في الوجدان الشعبي حية وفاعلة، لنتجاوز محاولات تقطيع روابط القضية عن محيطها العربي والإسلامي.