نشر موقع الخارجية «الإسرائيلية» باللغة العربية «إسرائيل بالعربي»، وهو موقع رسمي، خريطة لحدود «إسرائيل» التاريخية كما يزعمون، تشمل الأردن وأجزاء من سورية ولبنان ومصر؛ ما يشير لحجم مطامع الاحتلال في الدول العربية المحيطة به.
الحساب الرسمي «إسرائيل بالعربية» نشر هذه الصورة تحت اسم «مملكة إسرائيل»، وفيها تظهر الأردن وأجزاءً من لبنان وسورية ومصر ضمن حدود تلك المملكة؛ ما يشكل تهديداً غير مباشر للدول العربية الحدودية، وهي ليست المرة الأولى التي يفعلون فيها ذلك، فهو من صلب عقائدهم وسياسة حكومة الاحتلال.
أهمية وخطورة الصورة أن نتنياهو تحدث عن احتمال اندلاع جبهة مستقبلية جديدة، في إشارة إلى الأردن، إلى جانب هجوم إعلامي «إسرائيلي» على مصر بدعوى انتهاكها لاتفاقية السلام في سيناء بسبب التحركات العسكرية المصرية هناك، والحديث عن حرب مستقبلية مع مصر والتخويف من تسليح مصر.
كما تحدث الإعلام والساسة الصهاينة عن سورية وأجزاء منها بصيغة توراتية، وعلى غرار إطلاقها أسماء توراتية وتلمودية على جرائمها في حق الشعوب العربية والإسلامية، أطلق الاحتلال الصهيوني اسم «سهم باشان» على عملياته الإجرامية التي استهدفت تدمير المقدرات العسكرية السورية.
ويعود الاسم جغرافيًا لـ«منطقة الباشان» التي ورد ذكرها تاريخياً في التوراة، وتشير إلى منطقة الجولان وامتداداتها الشمالية، التي كان من ضمنها احتلال «جبل الشيخ» الذي يطل على سورية ولبنان والأردن؛ ما يطرح تساؤلات عن أهمية السيطرة على هذا المكان المرتفع من الناحية العسكرية.
مملكة على الورق
تشير الخريطة الصهيونية إلى حدود المملكتين التاريخيتين لـ«إسرائيل ويهوذا» في عام 928 ق.م، وتشمل أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسورية، وكُتب في النص المرافق للخريطة على موقع «الخارجية الإسرائيلية»: «هل تعلم أن مملكة إسرائيل كانت قائمة منذ 3000 سنة؟».
وبحسب هذه الخريطة، تبدأ حدود المملكة من صحراء سيناء جنوبًا، وتمتد إلى حدود مدينة صيدا اللبنانية شمالًا، وتضم أيضًا أجزاء من الأردن وسورية.
هل تعلم ان مملكة إسرائيل كانت قائمة منذ 3000 سنة؟
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) January 6, 2025
أول ملك حكمها لمدة 40 عاما كان الملك شاؤول (1050–1010) ق. م. ثم تلاه الملك داود الذي حكمها 40 عاما تقريبا (1010-970 ) ق.م. وعقبه الملك سليمان الذي حكم ايضا لمدة 40 عاما في الفترة (970-931) ق.م.
دام حكم الملوك الثلاثة… pic.twitter.com/xK7jjORdOK
وكان لافتًا أن الخريطة ضمت اسم الملك يربعام بن نباط، والملك رحبعام بن سليمان، وهما ليسا اسمين عابرين في التاريخ اليهودي، فبحسب الخبير في الشؤون «الإسرائيلية» إيهاب جبارين، فإن يربعام، ورحبعام، يتسمان بأنهما من أسوأ ملوك بني إسرائيل؛ إذ إن يربعام اسمه مشتق من يريف عام؛ وتعني باللغة العبرية عدو الشعب، ويقول جبارين: إن اسم يربعام يُذكر «الإسرائيليين» ببنيامين نتنياهو، من حيث إنه شخص نرجسي، ويقوم بتصرفات معادية للإله، ولـ«إسرائيل».
وأضاف أن تصرفات يربعام أدت إلى انقسام مملكة «إسرائيل» إلى مملكتين، ونوه بأنها لم يكن اسمها مملكة «إسرائيل»، وإنما مملكة «السامراه وافرات»، واسم «إسرائيل» حديث وليس قديمًا.
وقال الباحث جبارين، في فيديو عبر حسابه على «تويتر»: إن نهاية المملكتين اللتين حكمهما يربعام، ورحبعام، لا يتم التطرق إليها كثيرًا من قبل المؤرخين «الإسرائيليين»، مضيفاً: النهاية كانت بالعقاب في السبي البابلي، عبر تبديل الشعوب، حيث تم نقل آلاف اليهود قسرًا إلى بابل في العراق في أواخر القرن السابع قبل الميلاد.
وبحسب جبارين، فإن اليهود اليوم يستدعون تاريخهم، ويريدون تطبيق كل ما مورس ضدهم قبل آلاف السنين، لكن ضد الفلسطينيين، وقال: إن محاولة تهجير أهالي قطاع غزة يستند إلى هذا الإرث، مذكرًا بأن اليهود طيلة تاريخهم لم يكن لهم حكم في أي منطقة سوى لنحو 500 عام من أصل 3500 عامًا.
شوي عن #الخارطة #في_نهاية_المطاف #التغطية_مستمرة #ايهاب_جبارين pic.twitter.com/vKDEkGJMvB
— Ehab Jabareen ايهاب جبارين (@JabareenEhab) January 8, 2025
ترمب سيدعمهم
لأن الحديث يدور حول وثيقة تاريخية ونشرتها حسابات «إسرائيلية» رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشير للمطامع الصهيونية، فقد أثارت قلق حكومات عربية لأنها تمثل هدف وعقيدة الزمرة الصهيونية الحاكمة في «إسرائيل»، وهاجمتها الأردن بشدة لأنه يعتبر أراضيه «إسرائيلية»، ولأنه يجري الحديث عن صفقات «إبراهيمية» جديدة مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب السلطة هذا الشهر (20 يناير)، وليست هناك رغبة في تخريبها، نفت الدولة الصهيونية وجود أي مطالب لها في أراض دول الجوار.
واللافت أن غوردون غراي، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى، الأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن قال لموقع «الحرة» الأمريكي: إن الطموح «الإسرائيلي» مرهون بموقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب؛ ما يعني أن ترمب هو الذي سيشجع «إسرائيل».
فقد اعترف ترمب في ولايته الأولى بضم «إسرائيل» للقدس المحتلة وأيضًا هضبة الجولان السورية، والآن يقول نتنياهو: إنه سيعترف بأن الضفة الغربية جزء من «إسرائيل» أيضًا.
وقال السفير الأمريكي لدى «إسرائيل» مايك هاكابي الذي عيَّنه ترمب، في نوفمبر 2024م: إنه لا يوجد هناك شيء اسمه الضفة الغربية، بل استبعد نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى أن تواجه خطوة «إسرائيل» بضم الضفة الغربية وغزة مثلًا أي معارضة أو مقاومة من قبل إدارة ترمب!
الأطماع «الإسرائيلية» تاريخياً
لأن حكام «إسرائيل» الحاليين يتبجحون دائمًا بأن الأردن جزء من أرض «إسرائيل»، فقد احتجت الخارجية الأردنية على قيام حساب رسمي «إسرائيلي» بنشر خارطة تظهر أن الأردن جزء من أرض «إسرائيل» التاريخية، وتشير تقارير صحفية إلى أن قصة اعتبار الصهاينة الأردن ودولاً عربية جزءاً من مملكة «إسرائيل» تعود إلى الحرب العالمية الأولى، عندما قطعت بريطانيا 3 وعود متناقضة تتعلق بفلسطين.
أولها: وعد للحركة الصهيونية بإقامة دولة يهودية على فلسطين (وشملت كل جنوب بلاد الشام)، وثانيها: وعد لفرنسا والدول الموقعة على «سايكس بيكو» أن بلاد الشام ستكون لفرنسا، أما المناطق المقدسة في فلسطين (القدس وبيت لحم والناصرة) فتكون تحت إدارة مشتركة لهذه الدول، والثالث: لشريف مكة الحسين بن عليّ بتتويجه ملكًا على العرب، وأن يشمل ملكه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق.
لكن خلال الحرب احتلت بريطانيا فلسطين، وسيطر العرب على الأردن وصولًا إلى دمشق، وقام فيصل بن الشريف حسين بتعيين نفسه ملكًا على سورية الكبرى (الأردن وسورية)، لكن بموجب «سايكس بيكو» أخذ الفرنسيون بلاد الشام وبريطانيا الموصل وشمال العراق وطالبت الحركة الصهيونية حينئذ بفلسطين غرب النهر وشرقه (الأردن).
وأرضت بريطانيا الفرنسيين بأن سمحت لهم باحتلال سورية وطرد الملك فيصل، الذي لم يرغب بقتال الفرنسيين فترك وزير دفاعه يوسف العظم يقاتل وحده في معركة «ميسلون» التي انتهت بهزيمته واستشهاده.
وأرضت بريطانيا الهاشميين بأن عيَّنت فيصل ملكًا على العراق، ومنحت أخاه عبدالله المناطق شرق نهر الأردن لتصبح إمارة شرق الأردن ثم المملكة الأردنية الهاشمية، وأعطى الاحتلال البريطاني الحركة الصهيونية فلسطين (غرب نهر الأردن).
وقد وافق قادة الحركة الصهيونية بن غوريون، ووايزمان، حينئذ، بأرض غرب النهر فقط (فلسطين)، وأدى هذا لأكبر وأقدم انشقاق في الحركة الصهيونية؛ حيث اعترض جابوتنسكي وتزعم ما يسمى بـ«التيار التصحيحي»، وأسس حزب «حيروت» (الذي أصبح «الليكود» لاحقًا)، ومنذ ذلك اليوم وحزب «الليكود» يطالب بما يسميه أرض «إسرائيل» كاملة أي غرب النهر (فلسطين) وشرقه (الأردن)، ويتحين الفرصة لذلك، وكان نشر خريطة مملكة «إسرائيل» مؤشراً لاستمراره في المطالبة بضم الأردن لدولتهم الصهيونية.
ويطالب «تيار الصهيونية الدينية» الذي يقوده وزير الأمن بن غفير، ووزير المالية سموتريتش في حكومة نتنياهو، بأرض «إسرائيل» التاريخية مثل الخارطة التي نشرتها الحسابات «الإسرائيلية»، التي تمتد إلى الأردن وأجزاء من سورية ولبنان ومصر، ويعتبرونها نسخة مصغرة من دولة «أرض الميعاد» المزعومة (من النيل إلى الفرات).
وبعد هجوم «حماس» في «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، رأى تيار الصهيونية الدينية أنها فرصة لا تعوض لتصحيح الأخطاء التاريخية من أجل ضم الضفة الغربية وغزة، والزحف شرقاً نحو الأردن وسورية وشمالاً نحو لبنان، وهو ما يفسر أيضاً التوغلات الصهيونية في سورية بعد انهيار نظام الأسد وفي لبنان.
وضمن هذه المزاعم، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية: إن علماء آثار «إسرائيليين» ادَّعوا العثور على قصر يهودي بمنطقة تلول الذهب قرب نهر الزرقاء في الأردن يعود إلى عهد مملكة «إسرائيل» الشمالية قبل 2800 عام، ويصفون الضفة الشرقية في الأردن بـ«محنايم» المذكورة في التوراة، لتبرير حقهم في الأردن.
https://www.jpost.com/archaeology/article-834054
وقد نشر الأكاديمي البارز في الأردن د. وليد عبدالحي دراسة للرد على الأطماع الصهيونية تبين خيارات الدولة الأردنية في ظل ما أسماه بتوافق بين طاقم ترمب والمؤسسات الأمريكية العميقة على تأمين وحماية «إسرائيل» في كل الأحوال.
وشدد د. عبدالحي على ما أسماه الجبهة الخامسة، مشيراً إلى أن ترمب قد يدعم تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الشرقية (الأردن)، لتقليص الكتلة السكانية الفلسطينية في فلسطين المحتلة، ضمن معادلة الديموغرافيا التي تؤرق معاهد البحث «الإسرائيلية» خشية زيادة أعداد الفلسطينيين على اليهود مستقبلاً.
يبدو أن إعادة نشر حسابات «إسرائيلية» لخريطة ما يسميه اليهود «إسرائيل الكبرى» أو «إسرائيل التاريخية»، لم يكن بالصدفة، بل يأتي ضمن مخطط جديد يسميه نتنياهو «الشرق الأوسط الجديد» الذي تكون للدولة الصهيونية فيه اليد الطولى؛ إذ إن «إسرائيل» لا تريد الاستيلاء على فلسطين فقط، بل الشرق الأوسط بأكمله، ووفقاً للخطة، ستصبح فلسطين ومصر والأردن وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية وأجزاء من العراق أراضي «إسرائيلية»، والخطة كلها مستندة الى روايات تلمودية يهودية تعتبر جزءاً من العقيدة لدى اليهود.
وهذا المخطط يفصح عنه اليهود المتطرفون بين فينة وأخرى بكل وضوح في صيغتيه الدينية «مملكة إسرائيل»، بينما يقدمه نتنياهو ضمن صيغة سياسية باسم مصطلح «الشرق الأوسط الجديد»، وقد عرض نتنياهو خريطتين في الأمم المتحدة في سبتمبر 2024م تضمنتا ما أسماه محور الخير أصدقاء «إسرائيل»، ومحور الشر أعداء الكيان.