عاشت المرأة السورية سنوات عصيبة عانت فيها من الفقد والقتل والتشريد والاعتقال؛ الأمر الذي ترك آثاره المؤلمة عليها، ولا شك أن أحوالها النفسية تأثرت كثيراً وأصابتها العديد من الاضطرابات النفسية جراء ما تعرضت له من صدمات.
«المجتمع» طرحت هذه التحديات على د. خالد الضعيف، أستاذ الصحة النفسية، رئيس قسم الإرشاد النفسي في جامعة غازي عينتاب التركية، رئيس نقابة الاختصاصيين النفسيين السوريين، العميد السابق لكلية التربية في جامعة حلب.
السوريات يعانين من الاكتئاب والخوف والصدمة والإجهاد النفسي
عاشت المرأة السورية محنة مؤلمة سواء بالداخل أو في بلاد اللجوء، كيف أثر ذلك عليها؟
– الحرب تترك أثرها على الجميع، ولكن أثرها الأكبر يقع على المرأة لكثرة المهام الملقاة عليها والأدوار التي تقوم بها، فهي الزوجة التي تقوم بواجبها تجاه زوجها، وهي الأم التي تربي أطفالها والمربية، وهي الممرضة التي تسهر على راحة أبنائها، وهي مسؤولة التغذية، وهي صندوق أسرار الأسرة، لذلك تكون مسؤولياتها كبيرة على قدر عظمتها، وبناء على ذلك هي التي تتأثر كثيراً بسبب مركزية دورها وطبيعتها الرحيمة، ولذلك أكثر الاضطرابات النفسية التي حلت بها هي الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والخوف والقلق والهلع في ظل ظروف القتل والتدمير والتهجير.
كيف يمكن، إذاً، تأهيل المرأة السورية خاصة اللاتي تعرضن لتجربة السجن أو الاغتصاب؟
– لا يوجد بيت في سورية إلا وفيه شهيد أو أكثر أو معتقل، وربما توجد في البيت الواحد حالات فقْد وقتل وتشريد وتهجير واعتقال، ومما وجدته في مثل هذه الحالات أن المرأة السورية مؤمنة وعلى درجة عالية من الإيمان والصبر والتسليم بقضاء الله وقدره، وهذا مصدر قوتها فتجدها صابرة محتسبة، وأما التأهيل فيكون من خلال برامج إرشادية علاجية أسرية تقدم من قبل مختصين مؤهلين تأهيلاً عملياً وعلمياً.
ما أبرز الاضطرابات النفسية التي واجهت المرأة في مخيمات النزوح؟
– أما معاناة المرأة السورية في النزوح فهي معاناة قاسية جداً، لقد هُجّرت النساء من أغلب المناطق السورية ولا تملك إلا الثياب التي ترتديها، فهي في حالة عجز دائم وصراع مع برد الشتاء وحر الصيف، في صراع مع لقمة العيش وجشع التجار، في صراع مع أن تحرم أطفالها من حقهم بالتعليم أم تحرمهم من حقهم بالحياة، فهي في عوز دائم وعجز قائم، والأمان غير موجود.
الإيمان والصبر والرضا بقضاء الله مصدر قوة المرأة السورية
وأما الاضطرابات فهي تعاني من القلق والاكتئاب والخوف والصدمة والإجهاد النفسي؛ لذلك تكون المواجهة عن طريق إشباع الحاجات الأولية للإنسان وتأمين حقوق الأطفال وحمايتها حسب حقوق الطفل العالمية.
كيف يمكن، إذاً، للمرأة السورية استعادة أدوارها الطبيعية بعد كل ما مرت به؟
– تستعيد الأم السورية دورها عندما تستعاد حقوقها وواجباتها، وعندما يكون لها مصدر دخل يلبي حاجات الأسرة، وعندما يأخذ أطفالها حقهم بالحياة والتعليم وحرية التعبير.
– وماذا عن دورها كزوجة؟ كيف يمكن استعادة حياتها الطبيعية؟
– إن المرأة التي تعرضت للاعتقال أو الاغتصاب في المعتقلات تحتاج برامج علاجية مستدامة، وما تقدمه بعض المنظمات غير كاف؛ لأن نشاطها ينتهي بانتهاء المشروع ولا توجد مراكز دائمة لتقديم هذه الخدمات، أما عن الاحتياجات فهي كثيرة، وعندما تشبع الحاجات الأولية يمكن بعدها أن نتحدث عن الحب وتحقيق الذات.
هل توجد فروق بين الاضطرابات النفسية التي تصيب النساء عن الرجال في ظل هذه المحنة؟
– النساء أكثر تأثراً من الرجال بالاضطرابات؛ لأنهم أكثر عاطفة وأرق قلباً، ولذلك فهن أكثر تأثراً على الرغم من أن الاضطرابات تكاد تكون واحدة، وأؤكد أن الخدمات غير كافية وغير مستدامة، وعلى ندرة وجودها لا تغطي إلا قلة من المصابين لمحدوديتها زماناً ومكاناً.
تأهيل السوريات يجب أن يجري على يد مختصين مؤهلين
هل ثقافة الوصمة الاجتماعية لا تزال مرتبطة بالدعم النفسي؟ وهل سيؤثر ذلك على طلب النساء للمساعدة؟
– الوصمة موجودة لسببين؛ الأول: يتعلق بمن يقدم الخدمة، رغم بعض التدريبات التي تقدم لكنها ليست كافية من جهة، ومن جهة أخرى من يقدم التدريبات قد لا يكون معداً بشكل علمي وعملي، وإنما تلقى تدريباً لمدة أسبوع على الأكثر ويسمى تدريباً، وإنما حقيقة هو عبارة عن معلومات نظرية، بل إن من يقدم الخدمة يكون أغلبهم من غير المختصين، ومن ثم يقدم خدمة لا يتقنها، أما عن وصمة العار التي نتحدث عنها يصبح علاجها خدمة نفسية جديرة بالاحترام إذا كان من يقدمها معداً إعداداً علمياً وعملياً بشكل جيد.
بم تنصحون في هذا الشأن؟
– ألا يتم اختيار موظفي المنظمات إلا عن طريق نقابات الاختصاصيين النفسيين السوريين، وأن يتم تدريب الموظفين أيضاً من ضمن اختصاصيي النقابة وتأهيلهم وتطوير قدراتهم، وإنشاء مراكز ثابتة للإرشاد والعلاج النفسي، على أن يتوافر مركز دعم لكل تجمع فيه 10 آلاف نسمة، وذلك على مستوى سورية، وهذا المركز يقدم خدمات الإرشاد والعلاج الأسري، إرشاد الأطفال والمراهقين وعلاجهم، وإرشاد ذوي الاحتياجات الخاصة، وغير ذلك من الخدمات الإنمائية والوقائية والعلاجية.