تزداد معدلات الإصابة بالأمراض النفسية حول العالم؛ نتيجة ضغوط الحياة، وتنامي النمط الاستهلاكي، وتزايد المتطلبات المادية، وتغول وسائل «الميديا»، وانحسار دور الدين في الكثير من المجتمعات.
تقول منظمة الصحة العالمية: إن ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم، وإن 10% تقريباً من سكان العالم يتضررون من الاضطرابات النفسية التي تمثل 30% من العبء العالمي للأمراض غير المميتة.
وتفيد الأرقام الصادمة بأن حوالي 20% من الأطفال والمراهقين في العالم لديهم اضطرابات أو مشكلات نفسية؛ ما يعني أن الأجيال الجديدة مقدمة على الإصابة بمرض نفسي، أو إدمان للتدخين أو المخدرات أو وسائل التواصل والألعاب الإلكترونية.
يكفي فقط الإشارة إلى أن الانتحار يمثل ثاني سبب رئيس للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، خاصة أن الاكتئاب الذي يصيب 264 مليون إنسان حول العالم، يستهدفهم في سن مبكرة، الأمر الذي يضع تحديات جسيمة على مقدمي الخدمة النفسية، الذين يعانون من نقص حاد في عدد الأطباء النفسيين والمتخصصين في علم النفس.
هذه السطور تقدم لك نوعاً من الدعم النفسي، عبر التذكير بعدة طرق، تحقق للإنسان قدراً معقولاً من الاتزان والسلامة النفسية، وربما تمثل له طوق نجاة من المرض النفسي بكافة صوره وأشكاله.
أولاً: الذكر؛ حيث يمثل ضمانة إلهية لجلب السكينة والطمأنينة إلى الإنسان، تحقيقاً لموعود الله في قوله تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، كما أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم، والترمذي).
يقول الحسن البصري: «تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق».
وقد عدد الإمام ابن القيم في كتابه «الوابل الصيب» أكثر من سبعين فائدة للذكر، منها أنه يطرد الشيطان، ويزيل الهم، ويبدد الحزن، ويجلب السرور، ويقوي البدن، وينير القلب، ويجلب الرزق، ويمنح النضرة، وينعش الذاكرة، ويذهب بالخطايا، ويأتي بالحسنات، ويوجب صلاة الله تعالى وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {42} هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب).
ثانياً: الدعاء؛ وهو ضمانة ثانية من العلل، وطوق نجاة للمكروب، ووسيلة ربانية للشفاء من الأمراض النفسية والبدنية وغيرهما، بل هو مسلك الأوابين المستغفرين لنيل رضا الله، والقرب منه، قد تكفيك مناجاة صادقة لله في جوف الليل، فتغنيك عن الذهاب للطبيب، وقد تكون دمعة خاصة لوجه الله هي الدواء الذي ينجيك من كل كرب وهَمّ وبلاء، وقد تكون دعوة هي سبيلك إلى الفرج والرزق والخير كله، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60)، وقال عز وجل في موضع آخر: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان»، ويقول أيضاً: «لا يرد القدر إلا بالدعاء» (رواه أحمد، والترمذي).
ثالثاً: الرياضة، وركوب الخيل والدراجات، والسباحة، والمشي، والقفز، وغيرها من ألعاب تنمي اللياقة البدنية، وتنشط الجسم، وتزوده بهرمونات السعادة، وتحسين المزاج، تقول دراسة علمية: إن التمارين الرياضية تحسن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير وضعية الجسم عند الغضب، لتغيير الحالة المزاجية، فقال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع».
وقد ثبت علمياً أن الحركات التي يؤديها المسلم في الصلاة من الركوع والسجود والقيام تنشط الدورة الدموية، وتزيد ضخ الدم إلى المخ، وبالتالي تغيير الحالة المزاجية للإنسان إذا واظب على أداء الصلاة 5 مرات في اليوم، بل نيل النجاح والفلاح، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون).
رابعاً: الكتابة والتدوين؛ وهي وسيلة فعالة في العلاج النفسي، ولا تكلف المرء أي نفقات، أو مشقة للذهاب إلى الطبيب، كل ما تحتاجه هو ورقة، ودوِّن فيها ما تشعر به؛ أي قم بعملية «فضفضة» على الورق، اكتب ما تريد، فالكتابة العلاجية دواء فعال، وكذلك الكتابة المنتظمة يومياً، وهو ما ينصح به أستاذ علم النفس بجامعة تكساس البروفيسور جيمس دبليو بينيبكر، حيث تساعد هذه الطريقة تحديداً من فقْد شخصاً ما، أو من يمر بأزمة عاطفية، أو جرى تشخيص إصابته بمرض.
تقول اختصاصية الطب النفسي في مستشفى شاريتيه الجامعي في برلين د. أداك بيرمورادي: إن هذا النوع من العلاج يناسب الأشخاص الذين يستمتعون بالتعبير عن أنفسهم، ويحبون اللغة، ولا يجدون الكتابة اليدوية صعبة، مشيرة إلى أن الكتابة العلاجية تعد وسيلة فعالة للتعامل مع الاكتئاب.
خامساً: الاستعانة بالمتخصصين من أهل العلم والطب، واللجوء إليهم، والأخذ بالأسباب في طلب مشورة ودعم الجهات والمستشفيات المعنية، حال تطور المرض النفسي، والإصابة بأعراض مرضية ومضاعفات خطيرة، تتطلب العلاج بالعقاقير، خاصة في حالات الإدمان، ومن الحكمة الدمج بين أكثر من أسلوب علاجي؛ بمعنى توظيف الطرق الخمس التي أشرنا إليها للنجاة من الأمراض والأزمات النفسية.