لقد أثبتت «حماس» وجودها على أرض الواقع بقوة، ومثلت -عبر سمو أهدافها وأصالة منهجها وصلابة مواقفها- آمالًا عريضة لقطاعات الشعب الفلسطيني في العمل الجاد نحو التحرير والنصر بإذن الله، وفي هذا المقال نسلط الضوء على هذه الحركة معرفين بماهيتها وأهدافها ومواقفها معتمدين في ذلك على ميثاقها الصادر في 8 أغسطس 1988م، وبياناتها الصادرة وتصريحات زعمائها.
أولًا: المنطلقات الفكرية والجذور التاريخية:
تعتبر «حماس» جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وذلك حسبما وَرَدَ في ميثاقها وهي «الساعد القوي لحركة الإخوان المسلمين» وذلك حسبما وَرَدَ في بيانها الصادر بتاريخ 11 فبراير 1988م، وتعتبر الإسلام منهجها منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان وإليه تحتكم في كل تصرفاتها ومنه تستلهم ترشيد خطاها.
ثانيًا: الأهداف الكلية والوقتية:
قسمت «حماس» أهدافها من الانتفاضة في بيانها الصادر في كانون الثاني ۱۹۸۸ إلى أهداف وقتية وكلية:
أ- الأهداف الوقتية: إطلاق سراح المعتقلين – رفض الاستيطان وسياسة الإبعاد والاحتلال الإداري والممارسات الهمجية ضد السكان المدنيين وضد المعتقلين، وسياسة المنع من السفر، والمضايقات ونشر الرذيلة والفساد.. إلخ.
ب- الأهداف الكلية: رفض الحلول السلمية – قطع الخط المنحرف لكامب ديفيد، ورفض مشروع الحكم الذاتي، ورفض فكرة المؤتمر الدولي، والعمل الدائم لطرد الاحتلال، وتحرير الوطن والمقدسات من دنسه وأرجاسه، وأما الهدف النهائي من جل عمل حركة «حماس» فهو قيام دولة الإسلام على أرض فلسطين، وهذا ما دل عليه الميثاق بوضوح في المادة 11 حيث جاء فيها: «تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أن أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين لا يصح التفريط بها أو عن جزء منها، ولا يملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية ولا يملك ذلك ملك أو رئيس أو كل الملوك والرؤساء، سواء كانت فلسطينية أو عربية..»
وبذلك يترسخ المنطلق العقائدي باعتباره إستراتيجية ثابتة بخلاف المزايدات التي شهدتها الساحة الفلسطينية من الأطراف اليسارية وغيرها، والتي أخذت بالتراجع والخفوت يومًا بعد يوم.
ثالثًا: النظرة حول تحرير فلسطين والحلول السلمية:
تعتبر «حماس» أن الجهاد فرض عين على كل مسلم لتحرير فلسطين «المادة ١٥ من الميثاق» كما أنها تعتبر قضية تحرير فلسطين قضية المسلمين جميعًا وليس الفلسطينيين وحدهم «المادة 14 من الميثاق».
وأكدت عزمها وجديتها في حرصها على الجهاد لتحرير فلسطين، وقد جاء في النداء الذي وجهته الحركة إلى المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في 10 نوفمبر 1988م، ما يلي:
«لقد أقسمت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على المضي في طريق الجهاد حتى تحرير كل فلسطين وعاهدت الشهداء على مجازاة كل خائن بما يستحق، وتعتبر كل من يعترف بالكيان اليهودي على أي شبر من فلسطين بأنه يستحق هذا العهد..».
إن معركتنا مع المقاومة ليست معركة على اقتسام حدود ولا خلافًا على قطعة أرض، إنها معركة وجود ومصير.
كما أكدت في النداء الصادر 13 نوفمبر 1988م، على رفضها لكافة المشاريع السياسية المطروحة لحل قضية فلسطين وإصرارها وتصميمها على مواصلة الجهاد وحتى تحرير كل فلسطين ورفضها لكافة المواقف الداعية للمفاوضات مع العدو والتنازل له عن جزء من فلسطين، كما أكدت أنها تؤيد بل وتعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أي جزء يتم تحريره من فلسطين دون التنازل عن ذَرِة منها ودون الاعتراف بالعدو أو التعايش معه، وأنها مع الإصرار على رفض أي اتفاقيات أو التزامات توقف مسيرة الجهاد والتحرير الشامل لكل فلسطين.
رابعًا: «حماس» والوحدة الوطنية:
تعتبر حركة حماس أن الوحدة في الممارسات النضالية والجهادية مطلب أساسي لاستمرارية الانتفاضة المباركة، وتعتبر كل من يحاول الإخلال بهذه الوحدة ويحاول إثارة الشقاقات والنعرات بين صفوف الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة إنما يخدم اليهود من حيث يدري أو لا يدري، وقد أكدت الحركة في الغالبية العظمى من بياناتها الصادرة على معاني الوحدة والانتباه لدسائس اليهود، ولا يسع المجال هنا لذكر مقتطفات من هذه البيانات، ولكن نكتفي بذِكر أرقام بعض هذه البيانات للرجوع إليها:
– «بيان انتفاضتنا رمز عزتنا وكرامتنا، في 6 مايو 1988م».
– «بیان احذروا مؤامرات اليهود بتاريخ 8 مايو 1988م»
– «البيان ۲۱ بعنوان – معركة أُحد.. ذکرى تضحية وفداء»
– «بيان ۲۲ بعنوان حزیران لعنة على المحتل»
– «بيان ۲۸ بعنوان فلسطين إسلامية من البحر إلى النهر»
– «بيان ۲۹ بعنوان لنجعل من ذكرى خيبر ملحمة جديدة ضد الاحتلال»
– «بيان ٣٠ في ذكرى مذبحتي قبيا وكفر قاسم»
– «بيان 31».
كما أكدت حماس في ميثاقها على ذلك حيث جاء في المادة 25:
«وتطمئن كل الاتجاهات الوطنية العاملة على الساحة الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين بأنها لها سندًا وعونًا، ولن تكون إلا كذلك قولًا وعملًا تجمع ولا تفرق، تصون ولا تبدد، توحد ولا تجزئ، تثمن كل كلمة طيبة أو جهد مُخلص ومساع حميدة تغلق الباب في وجه الخلافات الجانبية، ولا تصغي للشائعات والأقوال المغرضة مع إدراكها حق الدفاع عن النفس».
ولم تكتف حركة المقاومة الإسلامية ببيان هذا الموقف، بل لقد مارسته عمليًا على أرض الواقع، كما حددت مواقفها من الحركات الإسلامية العاملة على الساحة بأنها تنظر لها نظرة احترام وتقدير، وإنها تتفق معها في كثير من التصورات وإنها تعتبرها رصيدًا لها «المادة ٢٣» والحركات الوطنية العاملة على الساحة، إنها تبادلها الاحترام وتشد على يدها ما دامت لا تعطي ولاءها للشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي «المادة ٢٥» ومن منظمة التحرير الفلسطينية على أنها من أقرب المقربين لها، وأنها رغم اختلافها معها في تبنيها للفكرة العلمانية فإنها ستكون من جنود م. ت. ف في حالة تبنيها للإسلام كمنهج حياة «المادة 27».
وينبغي لنا هنا التنويه إلى أن الوحدة في الممارسة لا تتطلب وحدة في الفكر والمنهج، وحركة حماس تختلف عن كل هذه الاتجاهات في الأهداف والفكر والمنهج، وهذا لا يمنعها بأي حال من الأحوال من مشاركتها الجهاد والنضال ضد اليهود، كما لا يمنعها في الوقت نفسه من النصح والإرشاد.
فالتصور الإسلامي فوق كل حلف أو وحدة، وأن السكوت عن الخيانة والتفريط ليس من العقل أو الحكمة في شيء، كما أن محاربة هذه التوجهات ليس ضد الوحدة الوطنية في شيء، ومن كان حريصًا عليها فليتجنب كل ما من شأنه أن يذكي التفرقة والتشتيت في صفوف شعبنا وليس من شيء يذكيها أكثر من الخيانة والتفريط في أرض المسلمين.
وتأكيدًا من حماس على الدور الريادي الذي تضطلع به في هذا الجانب فقد طرحت على الفصائل الفلسطينية المجتمعة في المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر برنامجًا فريدًا لم يسبقها إليه أحد لمواجهة اليهود في فلسطين، بحيث تلتقي كل الاتجاهات عليه، وذلك في الرسالة التي وجهتها للمجلس بتاريخ 13 نوفمبر 1988م، ونجمل هذا البرنامج في التأكيد على عدم التفريط بأي شبر من فلسطين والتخلي عن مسيرة الحلول السلمية واعتماد الجهاد طريقًا وحيدًا للتحرير وإعادة البندقية المقاتلة لإحياء العمل الفدائي وإحياء العمليات الاستشهادية المنتخبة داخل فلسطين المُحتلة لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو واستنزاف قوته، وجعل وجوده على أرض فلسطين عبئًا ثقيلًا عليه، وكذلك ربط القضية ببعدها الإسلامي والالتفاف الصادق إلى الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، ودعم جهاده ووقف المعارك الهامشية بين كافة اتجاهاته وتوحيد جهوده ضد العدو الغاصب.
خامسًا: حماس والجوانب الاجتماعية:
وفي ظل المعركة الشرسة التي يقودها بنو صهيون ضد الفلسطينيين العزل، ومع شدة وطأة الاحتلال والمضايقات والقتل والتشريد والإبعاد والتفنن في أساليب التعذيب، ومحاولات اليهود الدائبة لضرب الحركة التعليمية لتجهيل الشعب الفلسطيني ومن ثم سهولة ترويضه وتركيعه، فقد انتبهت «حماس» لمثل هذا الأمر وفوتت على اليهود هذه الفرصة فدعت في الكثير من بياناتها إلى الالتفاف إلى الجانب التعليمي والعمل على استمرار المدارس والجامعات، كما جعلت المساجد مراكز تعليم لكل المراحل في حالات إغلاق المدارس التي أكثر اليهود منها في محاولة منه لإيقاف الانتفاضة، وقد كان أنصار حماس وشيوخها وعلماؤها مدافعين عن مسيرة التعليم، كما تنبهت حماس لجانب الاحتياجات المادية اليومية لشعبنا وكان لرصيدها الواقعي كجزء من الحركة الإسلامية العالمية دور كبير في التعاطف الشعبي الإسلامي الكبير الذي جاد بكل ما يملك من تبرعات مادية، استثمرت الحركة ما وصل منها لمواساة أسر الشهداء والجرحى والمتضررين من الممارسات اليهودية في هدم البيوت وحرق المزارع، وكانت في سياستها هذه لا تفرق بين فلسطيني وآخر، وإنما كان ميزانها في توزيع هذه المعونات هو مقدار البذل والعطاء لانتفاضة شعبنا.
وقد تطورت الأدوار الاجتماعية التي مارستها هذه الحركة إلى حد ممارسة العدالة وتنفيذ القوانين الشرعية في نطاق المنازعات والمشاحنات والاختلافات الحياتية التي تحدث في صفوف الشعب الفلسطيني في الداخل، وقد بثت وكالة فرانس برس تقريرًا بعنوان «العدالة تحت ظل المساجد» ونشرته جريدة الاتحاد في 19 نوفمبر 1988م، وكان مما جاء فيه:
«في قطاع غزة وبعد مرور ۱۱ شهرًا على الانتفاضة تمارس العدالة في ظل المساجد على أيدي أصوليي حركة المقاومة الإسلامية».
رسالة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إلى مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دورة انعقاده الخامسة بالكويت:
إلى علمائنا الأجلاء.. وشيوخنا الأفاضل، إلى حراس الدين والعقيدة.. إلى ورثة الأنبياء عليهم السلام.. من أرض فلسطين الصامدة بحول الله وقوته.. من أرض الإسراء والمعراج.. من ساحات المسجد الأقصى المبارك.. من الأرض المجبولة بدماء الصحابة الفاتحين.. من قلب الانتفاضة الإسلامية المباركة.. من حركة المقاومة الإسلامية – حماس..
إلى السادة العلماء المشاركين في الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
لقد استهدفت الأطراف الدولية الحاقدة على أمة الإسلام زرع الكيان اليهودي الباطل على أرض فلسطين الإسلامية.. وعملت على تدعيم وجوده وإمداده بالمال والسلاح وبالهجرات المتواصلة ليكون ذراعها القوي في اختراق المنطقة وتحقيق مصالحها فيها وبسط نفوذها عليها.
وإن الوجود اليهودي على أرض فلسطين الإسلامية لا يهدد فلسطين وحدها، ولا يهدد الشعب الفلسطيني وحده، بل يهدد الأمة العربية والإسلامية جمعاء.. يهدد دينها وعقيدتها وحضارتها.. وهو لن يقف عند حد.. بل سيستمر في محاولاته الدؤوبة من أجل اختراق الأمة الإسلامية وتقويض أركان وجودها علمائنا الأفاضل: لا يخفى عليكم خطورة إقرار الاحتلال اليهودي على أرض فلسطين الإسلامية وما يتضمنه ذلك من مخاطر ومفاسد على أمتنا ومنطقتنا الإسلامية.. حاضرها ومستقبلها.. وما ينجم عن ذلك من تكريس للوجود اليهودي كأمر واقع على أرض فلسطين الإسلامية.. ومما تعلمناه من علمائنا السابقين إنه لا يجوز بحال إقرار الكافر الغاصب على أي جزء من أرض المسلمين.. فكيف إذا كانت الأرض هي فلسطين؟ وكيف إذا كان ذلك يؤدي إلى التفريط ببيت المقدس والمسجد الأقصى.. قبلة المسلمين الأولى.. وبالأرض المباركة التي رويت بدماء الصحابة والتابعين والمجاهدين عبر العصور؟
علماؤنا الأفاضل:
إن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي كانت ثمرة جهود العلماء والدعاة العاملين في فلسطين المحتلة عبر عشرات السنين.. خير من يُقدِّر أدوار العلماء والشيوخ الأفاضل في معركة الوجود والمصير مع أعداء الله يهود.. ومن هذا المنطلق.. ومن مواقع الجهاد وثغور الرباط فإننا في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ندعوكم لنصرة جهاد شعبكم في فلسطين المُحتلة.. والوقوف معه حتى يأذن الله بنصره.
ونناشدكم بحقنا عليكم وواجبكم نحونا أن تقفوا الموقف الذي يليق بمكانتكم في الأمة، وينسجم مع الأمانة العظيمة التي تحملونها على كواهلكم وأن تساندونا ونحن نخوض أشرس المعارك مع ألد أعداء الله ورسوله، وذلك بأن يصدر عن مجمعكم الموقر التوصيات التالية:
أولًا: التأكيد على أحقية المسلمين بكل فلسطين كامل غير منقوصة من البحر إلى النهر.
ثانيًا: الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله باعتباره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وكل أرض إسلامية مُغتصبة.
ثالثًا: دعوة حُكام المسلمين وكافة الشعوب الإسلامية للقيام بأدوارها المفروضة لدعم جهاد الشعب الفلسطيني والدفاع عن المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي الشريف.
وتضع حركة المقاومة الإسلامية في أعناقكم أمانة حمل رسالتنا هذه إلى كل علماء المسلمين.. وإلى كل أبنائه.. بأن فلسطين تستصرخكم، والمسجد الأقصى يناديكم.. نساؤنا وأطفالنا ينتظرون منكم النصرة الواجبة في الشرع والدين.
وبعد، فإننا في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» نرجو لاجتماعكم هذا من الله كل توفيق لخدمة الإسلام والمسلمين.
وكلنا أمل أن تجد قضية فلسطين في اجتماعكم ما يستحق من دراسة واهتمام وتأييد، وأن يجعلكم الله سندًا لنا وعونًا بالموقف والعمل والجهاد.
وإننا نعاهد الله العظيم على الاستمرار في درب الجهاد والشهادة، لا نُحيد عنه حتى ينصرنا الله تعالى ويظهرنا على أعدائه.
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ (القصص: 5-6).
والله أكبر ولله الحمد.
«حماس» فلسطين(1).
___________________
(1) منشور بالعدد (896)، 11 جمادى الأولى 1409هـ/ 20 ديسمبر 1988م.