في عمق الخليج العربي، تُشكل البيئة البحرية الكويتية لوحة من الجمال والتنوع الحيوي، فهي ليست مجرد مورد طبيعي بل نبضٌ أساسيٌ لحياة البلاد، يمدها بمقوماتها السياحية، الاقتصادية، والبيئية، ولكن هذه اللوحة البديعة باتت تتعرض لتهديدات خطيرة، تحت وطأة التلوث والأنشطة البشرية غير المسؤولة، تُطلُّ علينا السواحل الكويتية اليوم وكأنها تُناشد الجميع: “احموا هذا الكنز قبل أن يضيع”.
البيئة البحرية: مصدر حياة ومورد اقتصادي
أكد خبراء البيئة أن البيئة البحرية الكويتية ليست مجرد مسطح مائي، بل تمثل شريان حياة للبلاد من النواحي السياحية والاقتصادية والبيئية، فهي موطن للتنوع الأحيائي، ومصدر للثروة السمكية، ومقصد لعشاق البحر والطبيعة، ومع ذلك، تواجه هذه البيئة تحديات كبيرة نتيجة التلوث، سواء بسبب الضغوطات الطبيعية أو الممارسات البشرية.
تحديات كبيرة تواجه البيئة البحرية
الضغوطات الطبيعية:
تغير المناخ:
ارتفاع درجات الحرارة، والتغير المفاجئ في درجاتها خلال العام، يؤدي إلى تدهور النظام البيئي البحري، بما في ذلك الشعاب المرجانية.
زيادة الطحالب البحرية:
مياه المجاري غير المعالجة التي تصب في البحر تؤدي إلى “هياج المغذيات”، مما يزيد من الطحالب التي تستهلك الأكسجين، ما يؤثر على الكائنات الحية البحرية.
الضغوطات البشرية:
التلوث الناتج عن النشاط البشري:
تصريف مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية مباشرة في البحر.
الممارسات غير القانونية مثل ربط شبكات الأمطار بشبكات المجاري العامة.
الرمي العشوائي للمخلفات:
عمليات الشواء على الشواطئ، وترك المخلفات من قبل مرتادي السواحل، يؤدي إلى تدهور جمال الشواطئ وجودة المياه.
الصيد الجائر:
الاستنزاف الكبير للموارد البحرية بسبب الصيد غير المقنن يهدد استدامة الثروة السمكية.
التأثيرات الاقتصادية والصحية للتلوث
وفق دراسة أجرتها الهيئة العامة للبيئة بالتعاون مع البنك الدولي، تبين أن التدهور البيئي أثر سلباً على الاقتصاد الكويتي، حيث سجلت خسائر بلغت 560 مليون دينار كويتي في عام 2011، وكان تدهور البيئة البحرية من أبرز أسباب تلك الخسائر.
التكلفة الصحية:
الأمراض الناتجة عن التلوث البحري، مثل الربو والأمراض التنفسية، أصبحت عبئاً على النظام الصحي.
الأضرار البيئية:
التلوث النفطي وحركة البواخر ساهمت في تلويث السواحل والمياه، مما يهدد التنوع الأحيائي ويجعل الأسماك غير صالحة للاستهلاك.
جهود الحكومة والحلول المقترحة
المسح البيئي الشامل:
تستعد الكويت لإجراء أكبر مسح بحري في تاريخها لإنشاء قاعدة بيانات متكاملة عن البيئة البحرية، بهدف اتخاذ قرارات بيئية أكثر فاعلية.
تطبيق القوانين البيئية:
قانون البيئة رقم 42/2014 يشدد على حماية البيئة البحرية، لكنه يحتاج إلى تفعيل حقيقي من الجهات المعنية.
الشرطة البيئية: تطبيق المادة 113 من القانون لإنشاء إدارة بيئية تتولى الرقابة الصارمة على السواحل.
حملات توعية ومشاركة المجتمع:
تشجيع المواطنين والمقيمين على المشاركة في الحفاظ على السواحل من خلال حملات توعية تُبرز أهمية الحفاظ على الشواطئ والبيئة البحرية.
إدارة الصرف الصحي:
إلزام الجهات المختصة بمعالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها في البحر، وإنشاء أنظمة مراقبة حديثة لرصد المخالفات.
الشواطئ تحت التهديد: توسع عمراني وممارسات غير مسؤولة
يشير الخبراء إلى أن التوسع العمراني، خصوصاً على الواجهات البحرية، تسبب في مشاكل بيئية كبيرة، أبرزها الدفان، الذي يؤثر على الموائل الطبيعية للكائنات البحرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التلوث الناتج عن الموانئ والسفن، خاصة في ميناء الشويخ، يزيد من تدهور البيئة البحرية.
توصيات الخبراء لحماية البيئة البحرية
إنشاء خطط وطنية: وضع استراتيجية شاملة لإدارة البيئة البحرية، تتضمن حلولاً مبتكرة مثل استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) لرصد الانتهاكات.
تفعيل الرقابة: شن حملات صارمة لمراقبة السواحل والتصدي للمخالفات البيئية.
إيجاد بدائل مستدامة: التوسع في المشاريع السياحية والاقتصادية التي تحترم النظام البيئي.
تشجيع البحث العلمي: دعم الكوادر المحلية لإجراء الدراسات العلمية حول البيئة البحرية وسبل الحفاظ عليها.
البيئة البحرية في الكويت ليست مجرد ثروة طبيعية، بل هي جزء من الهوية الوطنية وشريان حياة للأجيال القادمة، إن التحديات التي تواجهها اليوم تتطلب تكاتف الجهود بين الجهات الحكومية والمجتمع، لإيجاد حلول جذرية تحفظ هذا المورد الحيوي وتضمن استدامته، وكما يقول الخبراء: “الوقت ليس في صالحنا، وحماية البيئة البحرية الآن أفضل من علاج كارثة بيئية لاحقاً.”