كاتب المدونة: مبين أحمد الأعظمي الندوي
عبدالله الحسني الندوي بن الشيخ محمد الحسني، كاتب، ومدرس، وخطيب، وداعية إسلامي، جعل الدعوة نصب عينيه جنباً إلى جنب مع وظيفة التدريس، فتاب على يده خلق كثير، وانتهجوا سبيلَ الحق، وبصفته رئيساً لمؤسسة «رسالة الإنسانية» التي أنشأها أبو الحسن علي الحسني الندوي كان يعقد الحفلات الدعوية لتقديم تعاليم الإسلام حول حقوق الإنسان، وكيفية بناء المجتمع المثالي.
وكان يبعث أعضاء المؤسسة إلى المدن والقرى والأرياف، حيث ينظمون حفلات دعوية، وبرامج تربوية، ويدعون الناس إلى التخلق بأخلاق الإسلام، ومعاملة جميع الطوائف البشرية على أسس إنسانية، وثوابت خلقية، وفي بعض الأحيان، يلتقي أعضاء المؤسسة بأتباع ديانات أخرى، فيتحدثون إليهم حول مبادئ إنسانية، وقيم خلقية.
وكان، رحمه الله، مدرساً ناجحاً درَّس كتباً مهمة لمدة طويلة بما فيها حجة الله البالغة للإمام الدهلوي، والفوز الكبير له، وبعض الأبواب لصحيح البخاري، وإلى جانب ذلك، كان يكتب في صحيفة «الرائد» الصادرة عن ندوة العلماء بالمواظبة، فكان يستفيد من كتاباته كثير من الطلاب والأساتذة في العلم والأدب والفكر.
منشؤه وحياته
ولد في زاوية رائ بريلي من أترابراديش بالهند، في 27 رجب 1376هـ/ 29 يناير 1957م، وتلقى التعليم أولاً في عقر داره، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء، وتخرج فيها عام 1977م، وعلى إثر ذلك شغل وظيفةَ التدريس في نفس الدار، وظل منشغلاً بها طول حياته، وتوفي في 17 ربيع الأول 1434هـ/ 30 يناير 2013م، مخلِّفاً وراءه جمعاً هائلاً من تلامذته، وكماً كبيراً من مقالاته، وفكراً نيراً في مجال الدعوة والتبليغ، وكان رحمه الله رجلاً صالحاً، كريم الخُلق، لين الجانب، غيوراً على دينه، بعيداً عن الرياء وطلب السمعة، ومواظباً على أعماله في اليوم والليلة.
إنجازاته الدعوية والتربوية
كما اتضح بما سبق، اختار الندوي 3 مجالات؛ أولها: الدعوة والتبليغ، والثاني: التدريس، والثالث: الكتابة باللغة العربية، أما الأول فهو عبر منصة «رسالة الإنسانية»، والثاني فقد اشتغل بوظيفة التدريس في دار العلوم لندوة العلماء، وفيما يتعلق الأمر بالثالث، فكان يكتب في صحيفة «الرائد».
رآه كاتبُ هذه السطور عن كثب، وخبره في كثير من المواقف، وشاهد ليله ونهاره، فوجده دائم الفكر لتصحيح عقائد المسلمين، وتهذيب أخلاقهم، ونشرِ تعاليم الإسلام أكثر ما يمكن، فكلَّف تلاميذه والمنتسبين إليه من العلماء أن يقوموا بإعداد كتب وجيزة في التعريف بالإسلام، وأن يقوموا بتأسيس مراكز التربية والتعليم في الأرياف والمدن، ويُعِدُّوا مناهج تعليمية سهلة بحسب مستوى أذهان العامة حتى يتعلموا الإسلام، ويتعرفوا على مبادئه بيسر وسهولة، واستيفاءً لهذا الغرض، قام بتعيين دعاة في مختلف الأماكن في البلاد، وأقام مراكز تربوية، وأعدَّ دعاة لتأدية مهمة الدعوة، وإصلاح المسلمين.
من وجهات نظره في الدعوة والتربية
من وجهات نظر الندوي في الدعوة أن الداعي ينبغي له أن يعرف لغة المخاطَب أتم العرفان، ويدرس كتبه الدينية حق الدراسة، وبذلك يستطيع أن يجادله بالتي هي أحسن إذا لزم الأمر.
ولا شك أن وجهة نظره هذه إنما كانت بالنظر إلى أوضاع بلاده التي يسكنها شعوب مختلفة ذات ديانات مختلفة، وكل واحد منها يدعي أنه على دين صحيح، ولديه صحيفة أو صحف سماوية، فإذا كان الداعي عارفاً بكتب الديانات فإنه سيخبر الناس بما جاء في تلك الكتب من خبر خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وأنه ناسخٌ لشرائع الديانات السابقة، فمن يرد النجاة في الآخرة فعليه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة.
وكان يشدد على أن الداعي يجب أن يكون مثالياً في التعامل مع الناس، ذا خلق كريم، وخصائل حميدة، ومتمسكاً بأحكام الإسلام، ورعاً نقياً، ومحبباً لدى الناس، لكي ينجذبوا إليه، ويلتفوا حوله، ويستمعوا إلى كلامه، ويرغبوا في قبول دعوته.
وكان يرى أن الحاجة ماسة إلى إقامة مكتبات فيها كتب دينية لجميع الديانات، يأتي إليها الطلاب، ويدرسونها دراسة عميقة، ثم يخوضون مجال الدعوة.
وقد أدرك في سنواته الأخيرة أن النشء الجديد في البلاد إنما يميل إلى التعليم الآلي أكثر من التعليم الديني، فكان يحرض تلامذته ومريديه أن يمدوا شبكة معاهد التعليم العصري في أرجاء الهند، وتكون مناهجها التعليمية ذات صبغة دينية، لئلا يحيد الناشئة عن الطريق السوي للإسلام.
وكان محقاً في وجهة نظره هذه، فإن تيار الردة الذي كسح الهند في الآونة الأخيرة قد أثبت أن الشعب الهندي المسلم إنما تأخر في إقامة المعاهد التعليمية العصرية ذات الصبغة الدينية بما فيها الكفاية، فإذا تأخرنا أكثر، وأهملنا هذا الجانب المهم، فستكون النتيجة مؤسفة أكثر.
إن العالم الجليل عبدالله الحسني الندوي، يرحمه الله، كان علماً من أعلام الهند في مجال الدعوة والتربية والتعليم، وكان يبذل قصارى جهوده لتقريب الأذهان إلى الإسلام، وتبديد الشكوك والشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، وكان يعمل ليلاً ونهاراً في إرجاع الشعب إلى الدين الصحيح، ونفخ روح الإسلام في النفوس، جزاه الله خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته.