بعد وقف إطلاق النار، وبدء المرحلة الأولى من اتفاق غزة، بات السؤال: من يحسم مستقبل غزة بعد وقف النار؟ ترمب أم نتنياهو أم حماس؟ ومن يحدد طبيعة اليوم التالي؟ وهل أعطى ترمب تعهداً لنتنياهو باستئناف القتل والإبادة في غزة؟ أم أن ما يتردد عن استئناف الحرب محض تمنيات لمعسكر الحرب واليمين الصهيوني المتطرف لن يتحقق لتغير الظروف؟
المحللون «الإسرائيليون» يؤكدون أن استئناف الحرب نظري، والجيش «الإسرائيلي» سيواجه صعوبة بالعودة للقتال، لكنهم يؤكدون أن المرحلة الثانية ستخرج إلى حيز التنفيذ فقط إذا قرر ترمب أن يمارس ضغوطاً شديدة على نتنياهو.
المحلل العسكري في صحيفة «هاآرتس» عاموس هرئيل، وصف الحديث حول استئناف الحرب بعد استكمال المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، بأنه نظري بالأساس، وزمام الأمور بأيدي ترمب، والوعود الكثيرة التي نثرها نتنياهو على سموتريتش كي يبقى في الحكومة ستصطدم لاحقاً مع مطالب ترمب، وإذا أصر الرئيس على أن الحرب في غزة يجب أن تنتهي، سيكون من الصعب على نتنياهو تنفيذ رغبته.
وقال: إنه بعد إخلاء الجيش «الإسرائيلي» لمحور نتساريم بشكل نهائي، ستبدأ عودة أكثر من مليون غزي إلى شمال القطاع، وعندها حتى لو انهار الاتفاق سيكون من الصعب على الجيش العودة إلى القتال.
والمحلل السياسي في «القناة 13» رافيف دروكر، وصف تصريحات نتنياهو ومكتبه بعدم الانسحاب من محور صلاح الدين بعد 50 يوماً وفق الاتفاق، بأنها خطيرة للغاية؛ لأن معناها ألا تطلق «حماس» سراح بقية أسرى الاحتلال، وقال: إن المرحلة الثانية ستخرج إلى حيز التنفيذ فقط إذا قرر ترمب أن يمارس ضغوطاً شديدة على نتنياهو؛ لأن مطالب نتنياهو للمرحلة الثانية ستفجر المفاوضات في يومها الأول، فهو يطالب «حماس» بنزع سلاحها، ولا يوجد أي احتمال لأن توافق «حماس» عليه.
أيضاً علق المحلل الأمني في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، في 20 يناير، على تصريحات نتنياهو ووزرائه باستئناف الحرب بعد المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، بقوله: إن مصطلحات مثل القضاء على «حماس» وانتصار مطلق تعابير جوفاء وليست مطالب تضعها حكومة تتحلى بالمسؤولية أمام عدو أيديولوجي (حماس) لن تتمكن من قتله أو طرده من غزة.
هل وعد ترمب باستئناف الحرب؟
حرص قادة الاحتلال على تأكيد حصولهم على تعهد من الرئيس الجديد دونالد ترمب باستمرار الحرب، ضمن حزمة هدايا حملها لهم مستشاره ستيفن ويتكوف، مقابل إجباره نتنياهو على قبول صفقة غزة.
في 18 يناير الجاري، قال نتنياهو في لقاء مع قناة «سكاي نيوز» البريطانية: إن ترمب أكد له أن وقف إطلاق النار مؤقت، وأن «إسرائيل» ستحصل على دعم كامل لاستئناف الحرب في غزة، مضيفاً أن ترمب قرر رفع كل القيود المتبقية على الذخائر الأمريكية؛ ما يسمح لـ«إسرائيل» باستئناف الحرب بقوة هائلة.
Netanyahu says Trump "emphasized" to him that the ceasefire is "temporary," and Israel will have "full backing" to resume the war in Gaza. He says Trump has decided to "lift all the remaining restrictions" on US munitions, allowing Israel to resume the war with "tremendous force" pic.twitter.com/oodqpwkU7I
— Michael Tracey (@mtracey) January 18, 2025
وعقب إعلان التوصل لاتفاق وقف القتال في غزة، تحدثت تقارير إعلامية «إسرائيلية» أن نتنياهو أبلغ وزير ماليته سموتريتش، ووزير الأمن بن غفير، وآخرين، أن هناك تفسيراً بديلاً لشروط وقف إطلاق النار الفعلية، وقال لهم ليقنعهم بعدم الاستقالة: إن عليهم ألا يأخذوا النص الرسمي للاتفاق على محمل الجد، فهناك ضمانات من بايدن ومن ترمب أنهم سيسكتون عن خرق الاتفاقية بعد تنفيذ المرحلة الأولى، وفق صحف «إسرائيلية».
أيضاً أعلن نتنياهو، في خطاب قبول الصفقة في 18 يناير، أن «إسرائيل» تحتفظ بحق استئناف القتال في غزة بدعم أمريكي، وقال: نحتفظ بحقنا في العودة إلى القتال، إذا ما لزم الأمر، بدعم من الولايات المتحدة، وشدّد على أن الحرب لم تنته.
وأكد الوزير سموتريتش، رئيس كتلة الصهيونية الدينية، أنه توصل إلى تفاهمات كاملة مع نتنياهو بشأن العودة إلى القتال، وحصل على تعهد من نتنياهو باستئناف الحرب أو يستقيل وتنهار الحكومة.
وزعم المحلل «الإسرائيلي» عميت سيغل بقناة «N12»، في 21 يناير، نقلًا عن مصادر صهيونية، أن الرئيس السابق بايدن قدم، كتابياً، تعهدّين مهمّين يتعلقان بصفقة المخطوفين (أسرى الاحتلال) ووافق الرئيس ترمب على هذين التعهدين؛ الأول: ألا يكون هناك انتقال تلقائي في الصفقة من مرحلة إلى مرحلة، والثاني: أنه إذا رأت «إسرائيل» أن المفاوضات بشأن المرحلة الثانية لن تؤد إلى النتيجة المطلوبة، فإن استئنافها القتال لا يُعتبر خرقاً للاتفاق، وزعم أن «إسرائيل» بذلك لن تنفذ الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على حدود مصر.
أيضاً قال محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان، في 14 يناير: إن «تل أبيب» وافقت على صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، بعدما قدم ترمب لنتنياهو ووزرائه عدة هدايا، منها استئناف القتال، وأكد، نقلًا عن مصادر «إسرائيلية»، أن ترمب تعهد لنتنياهو بأنه مقابل موافقته على الصفقة الحالية سيدعم استئناف الحرب على غزة في المستقبل، إذا قررت استئناف الحرب على غزة وانتهاك وقف إطلاق النار.
ترمب يحذر
لكن ترمب حذر، في حوار مع شبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية، في 19 يناير، من خرق الاتفاق، ورغبته في رؤية نهاية الحرب، وأكد أنه سيضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة؟
مقابل هذه التصريحات حول استمرار الحرب، تبدو التصريحات «الإسرائيلية» المختلفة بشأن الحصول على تعهد من الرئيس ترمب باستئناف الحرب، مرتبطة أكثر بتطورات سير المرحلة الأولى لا الثانية، وغير جدية وتتصادم مع اتفاق وقف القتال.
وينص اتفاق الصفقة، على أنه في حال توصل الجانبان إلى تفاهمات حول المرحلة الثانية، فإن ذلك سيقود إلى وقف إطلاق نار دائم وتحرير باقي الأسرى الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، بحسب «الإذاعة الإسرائيلية» (كان)، في 16 يناير، وأي تعهد من جانب نتنياهو لشركائه السياسيين بالعودة إلى القتال بعد المرحلة الأولى يعتبر خرقاً للاتفاق، ومن شأن ذلك أن يحبط المرحلة الأولى للصفقة لا الثانية والثالثة فقط، حسبما قال مسؤولون «إسرائيليون» مشاركون في المفاوضات للإذاعة.
لذا، فإن المحللين إيال عوفير، وفيلدا أربيلي في صحيفة «معاريف»، في 19 يناير، يؤكدان أن تصريحات نتنياهو ووزرائه باستئناف الحرب: يبيعون بموجبها للجمهور «الإسرائيلي» حكايات وأوهام لإخفاء الحقيقة المرة!
اليوم التالي لـ«حماس»
مثلما تمثل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار أهميتها في وقف دائم للعمليات العسكرية وانسحاب «إسرائيلي» كامل، تعتبر المرحلة الثالثة ذات أهمية بالغة في تحديد ملامح المستقبل في قطاع غزة.
فمن أهم بنودها تحديد اليوم التالي، الذي تصر «إسرائيل» وأمريكا وحكومات عربية وسلطة رام الله على ألا يكون لـ«حماس» سلطة في غزة بعده، وضمنه السيطرة على محور فيلادلفيا الذي تسعي «إسرائيل» لترتيبات أخرى فيه.
لكن الواقع، كما تشير تحليلات فلسطينية و«إسرائيلية»، أن الاحتلال سوف يضطر للقبول بحلول وسط، مثلما وافق على التخلي عن رفض الانسحاب من محور نتساريم الذي يقسم غزة لشمال وجنوب، ووافق على أن تمارس مصر وقطر دورًا هناك، وأن يكون هناك دور ضمني للسلطة الفلسطينية على معبر رفح.
فقد أكد مكتب نتنياهو أن التدخل العملي الوحيد للسلطة الفلسطينية هو ختم السلطة على جوازات السفر، الذي يعتبر، وفقاً للترتيب الدولي القائم، الختم الوحيد الذي يسمح للغزيين بمغادرة القطاع للدخول أو الاستيعاب في بلدان أخرى، لكنه نفي دورها في الإشراف على المعبر وأرجعه لموظفين من غزة تشرف عليها قوة دولية أوروبية.
ويري محللون فلسطينيون أن مسألة اليوم التالي ومن ثم مستقبل غزة، لن يحسمها نتنياهو، ولا ترمب، الذي قال عقب توليه السلطة: إنها ليست حربنا، في إشارة لصراع «حماس» و«إسرائيل»؛ ما يعني أنه لن يهتم كثيرًا بالتورط فيها، وهو ما يعني أن من سيحسم اليوم التالي، المقاومة و«حماس»، بعدما نجحوا في فرض انتصارهم على العدو رغم الدمار الهائل والإبادة والقتل.
فقد ظهرت معالم اليوم التالي حين ظهرت سيطرة «حماس» على غزة عقب وقف الحرب، وانتشار أجهزتها وظهور تحالف الشعب وتكاتفه مع المقاومة عكس ما يروج الاحتلال.
وقد أشارت لهذا وكالة «رويترز»، في 22 يناير، مؤكدة أن قبضة «حماس» المحكمة على غزة تظهر رسوخ حكمها، وتمثل معضلة كبرى لـ«إسرائيل» وخططها لليوم التالي للحرب.