بعد 471 يومًا من الوحشية النازية اليهودية؛ استطاعت المقاومة الإسلامية في قطاع غزة أن ترغم القتلة الغزاة على القبول بوقف إطلاق النار (يسمونه اتفاق إعادة المختطفين!).
جاءت البوارج والغواصات وحاملات الطائرات الصليبية الاستعمارية لدعم القتلة اليهود المسلحين بأحدث ما أنتجته الترسانة الغربية من أجل القضاء على إسلام أهل غزة وفرض ثقافة التهويد بما تحمله من معاني الذل والاستسلام والتجويع والتهجير وقبول الأمر الواقع.
ظن القتلة الغزاة ومساندوهم من الصليبيين الهمج أن الأمر لن يستغرق غير أيام أو بضعة أسابيع في أقصى التقديرات، بيد أن المسألة هذه المرة اختلفت، استمرت المقاومة سنة وشهوراً، واستمر القتال طوال هذه المدة، كان العدو يئن من الخسائر والألم، فقد أهل غزة قرابة 50 ألفاً من أطفالهم ونسائهم ورجالهم، ومحيت أسر بكاملها من سجلات الأحياء، ولكن النتائج لم تكن كما جرى في نكبة عام 1948م، ولا هزيمة عام 1967م، هذه المرة كان هناك ثبات راسخ على الأرض، وصمود في الميدان لا يهزه قصف الطائرات المجنونة، ولا قذائف الدبابات الضخمة، ولا وحشية الجنود الأوغاد، لم يكن هناك لاجئون، ولا راغبون في الهجرة وترك الوطن، كان هناك أمل عظيم في تحرير الأرض والوصول إلى القدس العتيقة، وحماية المسجد الأقصى المبارك!
ظل شايلوك يفاوض معتقداً أن أهل غزة سيصرخون أولاً، ولكنهم بفضل الله ثم بتصور الإسلام الظافر، لم يصرخوا وقاتل بعض قادتهم حتى الرمق الأخير، وراحوا يرغمون القتلة على الصراخ في الميادين والشوارع لإيقاف العدوان والتفاوض على تبادل الأسرى، لم يفت في عضدهم خذلان الأشقاء، وتحريض بعضهم ليمارس العدو مزيداً من الوحشية، ثم دعمه بالإمدادات والعناصر اللوجستية، والجنود العرب، ليقاتلوا كتفاً بكتف مع الغزاة النازيين اليهود.
ولم يكتف المتخاذلون بإطلاق أبواقهم لتدين المقاومة الإسلامية، وتسخف جهادها، وتقلل من تضحياتها، وتدعي عليها بما ليس فيها، وتجيش ضدها، وتدافع ضمنياً عن العدو في إعلامها وصحفها وإذاعاتها والمحافل الدولية والدبلوماسية.
لم تطلب المقامة الإسلامية من الأشقاء -لا سمح الله- أن يقاتلوا بالسلاح ولا بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاستخباراتية، ولكنها طلبت أن يكفوا ألسنتهم عنها، ولينشغلوا بمهارجهم ومسابقاتهم ومبارياتهم، وللأسف لم يستجب لهم الأشقاء، حتى أقطاب جبهة الصمود والتصدي التي ملأت الدنيا ضجيجاً بالنضال الأجوف لم يسمع لهم أحد صوتاً.
471 يوماً أثبتت أن فلسفة الشهادة أقوى من كل المناضلين الجوّف الذين أسقطوا الإسلام من حساباتهم، واعتمدوا على الكلام والإنشائيات التي ما قتلت ذبابة، وأقنعت أصحاب الرؤى المادية في قطاع غزة والضفة أن هذه الفلسفة هي خير وأجدى من مطولات الخطب والقصائد والبيانات التي اعتمدت عليها منظمات فلسطينية خاصمت الإسلام وتصوراته وقيمه.
ثقافة التهويد منذ 70 عاماً أو يزيد لم تنتج ثماراً، ولم تؤلم العدو، بل مهدت له الطريق ليتوسع ويترسخ ويمارس نزعته الشيطانية في الإبادة والقتل والتهجير والتجويع، وتحقيق أساطيره وخرافاته التي تضمنها والتوراة والتلمود بدءاً من «نبوءة أشعياء»، حتى إفساد المجتمعات الإسلامية بالفنون المبتذلة والنشاطات السلبية والتقاليد الحيوانية.
وما بالك بمنظمة فلسطينية عريقة ترفض الجهاد، وتتلمظ اليوم بعد وقف إطلاق النار لتحكم غزة وتفرض ولايتها على المجاهدين؟ وهي التي ما منعت جندياً يهودياً واحداً من إيذاء الفلسطينيين، مع أنها تملك 60 ألفاً من الجنود الفلسطينيين المسلحين الذين يمكن أن يدافعوا عن الضفة الغربية على الأقل.
لقد أقدم الناطق باسم حركة «فتح» منير الجاغوب على التحريض العلني لإبادة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، موجهًا إيحاءات مباشرة لجيش الاحتلال بضرورة اقتحام المخيم بزعم وجود عناصر مقاومة، كما تم تهديد المحللين السياسيين والمشاركين في برامج «الجزيرة» بملاحقتهم قانونياً («الشاهد»، 22 يناير 2025م)، أي انحطاط وأي ابتذال، بل أي خيانة!
وفي منشور أثار عاصفة من الانتقادات، زعم الجاغوب أن «حماس» طلبت خلال مباحثاتها مع العدو في قطر السماح بإقامة عرض عسكري في النصيرات بضمانة أمريكية دون تعرضه للقصف اليهودي.
للأسف، شاركت السلطة العدو النازي اليهودي في اقتحام جنين والقبض على شبابها المجاهد، دون إحساس بالعار أو الخجل، بل لم يتورعوا عن قتل شابين من خيرة شباب جنين، وقد نشر موقع «Middle East Monitor» الإخباري الدولي، في 15 يناير 2025م، تقريرًا مطولًا يكشف عن وحشية سلطة رام الله تجاه المقاومة والشعب الفلسطيني من خلال نهجها القائم على الترهيب والقمع، وسعيها الدائم إلى إبقاء انتهاكاتها بعيدة عن التدقيق والإعلام.
قبل يومين من نشر التقرير الذي وزعته وكالة «وفا» عن الفلسطينيين الذين تعرضوا للتعذيب من قبل «العدو»، حافظ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس-كما يقول التقرير-على دعمه لعمليات الأجهزة الأمنية في جنين من خلال إحاطة إعلامية، ووفقًا للوكالة، أشاد عباس بالأجهزة الأمنية لحفاظها على الاستقرار والنظام، وتمكن بطريقة ما من ربط تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بتطهير المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.
وأضاف تقرير الموقع: لقد قتل الاحتلال الناشط البارز باسل الأعرج بالتعاون مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وتعرض نزار بنات للضرب حتى الموت على أيدي أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وهذان مثالان بارزان فقط.
ونبه الموقع إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في جنين، يتعرضون للإرهاب من جانب أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لسبب بسيط وهو أن المقاومة تعترف بالنضال الأوسع ضد الاستعمار الذي تحتاج إلى خوضه.
لم ينشغل عباس بالقتال الهمجي الذي يشنه أصدقاؤه اليهود، وتدميرهم للقطاع وقتلهم عشرات الألوف من الأطفال والنساء، ولم يحاول أن يوظّف الستين ألفاً من قوات الأمن التي تحت سيطرته لحماية شعبه في جنين وطولكرم والخليل وغيرها، ولكنه مع مستشاره الهباش انشغلا بهجاء اتفاق وقف إطلاق النار، ووصف الهباش الاتفاق بأنه «سخيف» في مقابلة إعلامية؛ ما أثار تساؤلات حول مواقف السلطة في الساحة الفلسطينية في هذا الظرف الصعب، وأردف الهباش أن الاتفاق لا يساوي الحبر الذي كتب به!
يبدو أن السلطة ومعها المتخاذلون العرب لم يرضهم أن تتوقف الآلة الوحشية اليهودية بعد 471 يوماً عن قتل أشقائهم الأبرياء، وبدلاً من أن يفرحوا بصمود أهل غزة وإيلامهم للعدو النازي اليهودي، وإرغام قادتهم العسكريين بدءاً من هاليفي، رئيس الأركان، حتى 10 جنرالات على الاستقالة، ثم إخراج عملية تبادل الأسرى في مشهد فريد أطلق عليه «هندسة الصدمة»، إذا بهم يقللون من قيمة التضحيات ويتلمظون لحكم غزة المجردة من السلاح! يعنيهم الحكم وليس الحرية، ويريدون السلطة وليس التحرير! لقد تجاهلوا ما قاله هاليفي في إعلان استقالته: «عرفنا الخسائر في نفوس خيرة مقاتلينا، وتوسعت أسرة الثكالى، وتركت الحرب جراحًا وندوبًا لدى الكثيرين»، مُقرًا في بيان بإخفاقه في التصدي لعملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023م.
لقد تصرفت المقاومة الإسلامية بمنهج الإسلام، في قتالها مع العدو وتعاملها مع الأسرى، وتعاملها مع عباس ومنظمته التي استقالت من تحرير فلسطين، حتى بالكلام الإنشائي الأجوف.
وفي الوقت الذي تهاجم فيه السلطة «حماس» صباح مساء، فإن «حماس» تضع 127 من أسرى المؤبدات في منظمة عباس على رأس قائمة التبادل، وهؤلاء كما نعلم لا يمكن أن يروا النور إلا في مثل هذه الصفقة.
لقد منعت السلطة الفلسطينية قناة «الجزيرة» من تغطية الأحداث في الضفة الغربية، وسحبت تراخيص مكتب القناة هناك استجابة لأوامر العدو الذي سبق ومنع الجزيرة من التغطية في فلسطين المحتلة، كما تم تهديد المحللين السياسيين والمشاركين في برامج «الجزيرة» بملاحقتهم قانونيًا، وكل هذا بهدف تقليص تغطية الجرائم النازية اليهودية الوحشية، وجرائم السلطة ضد الشعب الفلسطيني.
إن الذين تركوا الجهاد وقعدوا يعيشون هزيمة العدو النازي اليهودي أكثر من اليهود أنفسهم، فإعلامهم الكذاب والمضلل، وصحفهم المدلسة المريضة، وأحاديثهم على الشاشات وعبر الإذاعات، تقدم صورة مزرية للذعر والهلع والخوف من عدو مجرم لم يجد من يتصدى له غير المقاومة الإسلامية، التي لا تملك طائرات ولا غواصات، ولا صواريخ متقدمة، ودبابات ضخمة؛ (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249)، وذلك شريطة الإعداد الجيد واستخدام الإمكانات المتاحة بدقة وذكاء وشجاعة!
وفي النهاية، أثبتت الأحداث أن المقاومة الإسلامية قد أسقطت ثقافة التهويد التي زرعت في أمخاخ الأمة أن العدو لا يقهر! وهي الطريق إلى تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، فهم في البدء والمنتهى مقاتلون من أجل الحرية، وكان من الأمور الرائعة أن تنضوي الفصائل غير الإسلامية تحت لواء الإسلام في قتالها وجهادها ووحدتها، وهو مالم تحققه أبدا الفصائل التي استبعدت الإسلام من طريقها.