العدو الصهيوني لا يُؤمَن جانبه، ونحن في حرب مفتوحة وشاملة معه
المصالحة.. طريقنا نحو بناء شراكة وطنية وخيارنا الإستراتيجي لمواجهة الاحتلال
التسوية التي تتبناها السلطة وصلت لطريق مسدود والتنسيق الأمني مع الاحتلال والذي تراه السلطة مقدّساً هو رضوخ وإذعان لمشروع الاحتلال
نحن حركة مقاومة فلسطينية تحمل مشروعاً تحررياً متكاملاً وخياراتنا مفتوحة ومتعددة في التعامل مع أي تطور ولدينا من الوسائل والإمكانات القادرة على الصمود
علاقاتنا الإقليمية تتم وفق رؤية متوازنة بعيدة عن لعبة المحاور دون أي انحياز لطرف أو تدخل في شؤون الدول وتنبع من إيماننا بضرورة حشد كل الطاقات لخدمة فلسطين وشعبها
نبذل جهوداً مضنية مع الأطراف المعنية لإيجاد حلول عاجلة لمحنة اللاجئين في سورية.. نجحت أحياناً وفشلت أحياناً أخرى لكن جهود الحركة لم تتوقف
العدو الصهيوني لا يُؤمَن جانبه.. ونحن في حرب مفتوحة وشاملة معه انطلاقاً من مبدئنا الراسخ في عدم الاعتراف بوجوده واعتباره كياناً غاشماً وزائلاً لا محالة
التنازلات التي قدمتها «حماس» لإنجاح المصالحة ليست وليدة ضعف أو هروب من مأزق وإنما انحياز لمبدأ الشراكة الوطنية والحرص على وحدة الشعب
قال عزت الرشق، عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إن اتفاق المصالحة الذي أبرم مع حركة «فتح» يهدف إلى بناء جبهة وطنية ويعزّز خيار المقاومة.. وقال الرشق في حوار خاص مع مجلة «المجتمع»: إن ما قدمته «حماس» من تنازلات في هذا الاتفاق جاءت لدعم وحدة الشعب الفلسطيني.
أحد مسؤوليورد الرشق في حواره على تساؤلات عن الموقف من قضايا التسوية والتنسيق الأمني التي ترتبط بها السلطة مع العدو الصهيوني، وتناول بالشرح رؤية «حماس» للعلاقات الإقليمية والدولية، واحتمالات شن الصهاينة عدواناً جديداً على غزة بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة بالخليل.
* لماذا أقدمت حركة «حماس» على توقيع اتفاق المصالحة مع «عباس»؟
«حماس» ترى أنّ اتفاق المصالحة هو الطريق الصحيح لبناء جبهة وطنية، وتحقيق شراكة وطنية وفق رؤية نضالية وضمن مؤسسات واحدة، والمصالحة الوطنية هي خيار «حماس» الإستراتيجي في مجابهة خطر الاحتلال الصهيوني المتصاعد، في ظل الصمت والتواطؤ الدولي، والعجز والتقاعس العربي والإسلامي، فالإسراع في تحقيق المصالحة وحمايتها واستمرارها هو مطلب شرعي ووطني بامتياز، تسعى حركة «حماس» إلى تطبيقه على أرض الواقع، فالعدو الصهيوني لا يمكن أن نواجهه إلاّ صفاً واحداً.
* لكن هناك من يرى أن «حماس» أعطت «عباس» في هذا الاتفاق الكثير ولم تحصل على مقابل؟
– لا شكّ أنّ حركة «حماس» قدّمت تنازلات كبيرة في سبيل إنجاح المصالحة الوطنية؛ وهي في ذلك جادة ولا تنتظر أيّ مقابل، فالمسألة عندما تصبّ في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته فلا يهمّ المقابل، والتنازل لمصلحة شعبنا شيء محمود إذا كانت نتائجه تعود بالنفع على حاضر ومستقبل القضية، هكذا نفهم طبيعة اتفاق المصالحة وحقيقة التنازلات التي قدّمتها الحركة في سبيل إنجاحها، أمّا من رآها ضعفاً أو هروباً من مأزق فهو لا يعرف حركة «حماس»، ولم يخبر تاريخها الحافل بالإنجازات والانتصارات، فما عجزت عنه بعض الدول أمام الاحتلال حقّقته «حماس»، وهي منذ تأسيسها لا تزال متمسكة بمبادئها وثوابتها وحظيت بتأييد شعبي في انتخابات 2006م، ولا تزال ماضية في مشروعها المقاوم تبني الإنسان وتصنع الانتصار.
فحركة «حماس» حين تقدم طواعية على ترك المقاليد التي زكّاها الشعب لإدارتها؛ فهي تنحاز لمبدأ الشراكة الوطنية.
وهي تقدّم التنازلات وتترك الحكم في إطار الوفاء للشعب، والحرص على وحدته وصورته الناصعة في الوسط العربي والإسلامي والدولي.
* ما رؤيتكم للقضايا السياسية الأساسية: الانتخابات، التسوية مع العدو الصهيوني والتنسيق الأمني معه؟
بالنسبة للتسوية، فقد وصل مشروعها الذي تتبناه السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود، وفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ إنجاز يخدم الشعب الفلسطيني ويحقّق تطلعاته في التحرير والعودة أو يحمي الأرض والمقدسات، بل نجده في كل محطة من محطاته يقدّم التنازلات، وكنّا نحذر من خطورة المضي فيه في ظل إدارة ورعاية أمريكية منحازة بشكل سافر مع مخططات وأجندات العدو، وفي المقابل أسفر عن ضعف المفاوض الفلسطيني وإبعاده عن كل عوامل القوة، فيذهب خالعاً عن كتفيه عباءة المقاومة، بدل إشهارها كأهم عامل من عوامل القوة الفلسطينية، ويجلس على الطاولة مع عدوّه مسلّماً بأنّ «إسرائيل» هي الطرف الأقوى وحارماً نفسه حقّ مقاومتها، وهو في الوقت ذاته يخلق هوَّة سحيقة بينه وبين أغلبية شعبه المؤمنة بخيار المقاومة والكفاح المسلح سبيلاً للتحرير.
أمّا التنسيق الأمني مع الاحتلال والذي تراه السلطة مقدّساً، فما هو إلاّ نموذج من نماذج الرضوخ والإذعان لمشروع الاحتلال وتكريس أجنداته على أرض الواقع، التنسيق الأمني يقوم على محاربة المقاومة وملاحقة عناصرها في الضفة وتبادل الأدوار في خنق الحريات وتكميم الأفواه الصادقة التي تدافع عن الثوابت والمقدسات وترفض الاحتلال وجرائمه، وفي أحيان كثيرة ما يعجز عنه جيش الاحتلال في الضفة تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا يمكن أن تعمل هذه الأجهزة كوكيل للاحتلال، وفي المقابل تبقى متفرجة عندما يقتحم جنود الاحتلال البلدات الفلسطينية ويعيثون فساداً وخراباً لبيوت المواطنين، وقتلاً واعتقالاً لأبناء الشعب الفلسطيني!
وبخصوص الانتخابات، فهي عندنا ليست هدفاً، وإنَّما هي وسيلة، وحركة «حماس» حينما قرّرت خوض غمارها عام 2006م كان من باب حماية مشروع المقاومة وخدمة الشعب الفلسطيني وإصلاح المؤسسات الفلسطينية ضمن رؤية وطنية بامتياز، لكنّ الأوضاع تغيّرت اليوم بعد ثماني سنوات شابها كثير من اللغط، بدءاً من رفض الاعتراف بنتائجها والانفلات الأمني، مروراً بحصار غزة، وليس انتهاءً بالتضييق على نشاط الحركة في الضفة وملاحقة عناصرها وإغلاق مؤسساتها.. الانتخابات هي نتيجة طبيعية لمناخ ديمقراطي يحفظ الحقوق ويعزّز الحريات، ومع إنجاز المصالحة نأمل أن تطبّق بنودها على أرض الواقع ممّا يمهّد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في بيئة وواقع مناسب، وفي حال تم التوافق على مواعيد تلك الانتخابات، فإن «حماس» ستدرس وتناقش الموضوع ضمن أطرها الشورية ومؤسساتها وستعلن موقفها في الوقت المناسب.
* ما خيارات «حماس» البديلة إذا تعطّلت المصالحة؟
– حركة «حماس» في إنجاحها للمصالحة تبعد كل البعد عن لعبة المناورة أو تحقيق المكاسب أو الهروب إلى الأمام، فحركة «حماس» حركة مقاومة فلسطينية تحمل مشروعاً تحرّرياً متكاملاً، لم تكن المشاركة في الانتخابات ثم فوزها فيها عام 2006م، ثمّ الثبات في وجه حصار ظالم لأكثر من ثماني سنوات وإدارة حربين متتاليتين مع العدو ثمّ تحقيق وإنجاز المصالحة الوطنية.. لم يكن ذلك كلّه إلا محطة من محطات مشروعها المقاوم الذي لا ينتهي إلاّ باسترداد الأرض والمقدسات، وتحرير الأسرى، وعودة اللاجئين، وتأسيس الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس.. مَنْ هذا مشروعه فخياراته مفتوحة ومتعدّدة في التعامل مع أيّ تطوّر ولديه من الوسائل والإمكانات القادرة على الثبات والديمومة والصمود في سبيل تحقيق تطلعات شعبنا الفلسطيني في التحرير والعودة، وحركة «حماس» إلى ذلك لا ترى بديلاً عن المصالحة الوطنية ووحدة الصف الفلسطيني.
* إلى أين وصلت علاقاتكم الإقليمية مع الأطراف الدولية الفاعلة في المنطقة؟
– تبني حركة «حماس» علاقاتها الإقليمية وفق رؤية متوازنة بعيدة عن لعبة المحاور، دون أيّ انحياز لطرف دون الآخر، أو تدخل في شأن هذه الدولة أو تلك، وتنبع هذه الرؤية من إيمانها العميق بضرورة حشد كل الطاقات والإمكانات لخدمة فلسطين وشعبها، وكسب المزيد من الدعم والتأييد لصالح القضية الفلسطينية، دون تقديم أيّ تنازلات أو تفريط أو رضوخ لمطالب سياسية، أو دفع أيّ ثمن مقابل أيّ دعم أو مساندة، فعلاقات حركة «حماس» مع الدول المختلفة تحكمها المصلحة الوطنية الفلسطينية ومدى دعم الشعب والقضية وتأييدها، وفي هذا السياق هناك محاولات يائسة لتوتير الأجواء بين حركة «حماس» وبعض الدول، أو تشويه علاقات حركة «حماس» مع بعض الدول عبر فبركات إعلامية وأخبار كاذبة باتت مكشوفة.
لا تعارض بين مبدأ «حماس» في الانحياز لخيار الشعوب وتحرّكها لنيل حريتها وتحقيق العدالة والديمقراطية وبين علاقاتها مع الحكومات والدول، فالذي يحكم منطلقات «حماس» كحركة تحرّر وطني تسعى لأن تكون الشعوب والحكومات داعمة ومناصرة لمشروعها؛ هو أن تعيش هذه الشعوب حريتها وتنال كرامتها، وأن تنعم الحكومات والدول بالأمن والاستقرار في ظل حياة تحقّق الحرية والعدالة الاجتماعية لمواطنيها.
حركة «حماس» لم ولن تعادي أحداً، فهي بحاجة إلى عمقها العربي والإسلامي، ولن تتخلّى عن دعمه ومناصرته، كما هي بحاجة إلى أحرار العالم الذين كان لهم دور في فضح الاحتلال وجرائمه وتفعيل مقاطعته اقتصادياً وأكاديمياً.
* ما دوركم في معالجة مشكلات اللاّجئين في لبنان وسورية؟
– اللاجئون الفلسطينيون في أماكن وجودهم كافة هم جزءٌ أصيل من الشعب الفلسطيني، ومعاناتهم وآلامهم محلّ اهتمامنا ومحطّ أنظارنا، ولا شكّ أنَّ الأزمة السورية وتداعياتها كان لها السبب الأكبر في تعقيد أوضاعهم، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة عاش ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في سورية أسوأ الأوضاع الإنسانية خصوصاً في مخيم اليرموك، فمنذ بداية الأزمة سعينا وطالبنا بضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية عن أتون الصراع داخل سورية، وقلنا: إنهم ضيوف يتطلعون إلى العودة لديارهم وليسوا طرفاً في الأزمة، لكن الأمور تطوّرت إلى أن حوصر مخيم اليرموك حصاراً كاملاً ومنع عن ساكنيه الغذاء والدواء وأبسط الحاجات الأساسية؛ ممّا فجّر أزمة وكارثة إنسانية قضى خلالها المئات جوعاً وقصفاً ومرضاً، وولّد ذلك تهجيراً ونزوحاً زاد من تعقيد أزمتهم حتى أصبح الموت غرقاً في قوارب الهجرة مطلباً وخوفاً من الجوع والقصف، في خضم ذلك كلّه لم تكن «حماس» بعيدة عن المشهد، سواء على صعيده الإنساني والخيري أو شقّه السياسي، حيث بذلت حركة «حماس» جهوداً مضنية مع الأطراف المعنية لإيجاد حلول عاجلة تحلّ أزمة اللاجئين لتنجح أحياناً وتفشل أحياناً أخرى، لكن جهود الحركة لم تتوقف من باب حرصها على حياة وسلامة المواطنين في المخيم وفي كل مخيمات اللجوء في سورية.
* هل تتوقعون تصعيداً صهيونياً جديداً بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل؟ وما موقفكم؟
– العدو الصهيوني لا يُؤمَن جانبه، ونحن في حرب مفتوحة وشاملة معه، انطلاقاً من مبدئنا الراسخ في عدم الاعتراف بوجوده، وأنه كيان غاشم وزائل لا محالة، والمقاومة الفلسطينية الباسلة عينها ساهرة لا تنام، وعقولها مفتوحة للإبداع والإعداد، وشعارها الدائم «وإنْ عُدتم عُدنا»، وهي قادرة اليوم قبل أيّ وقتٍ مضى على دحر الاحتلال وتلقينه دروساً لن ينساها وتحقيق الانتصار.
المقاومة هي الخيار الإستراتيجي لدى حركة «حماس» في مشروع التحرير والعودة، وقد أثبتت في أكثر من مناسبة أنها القادرة على ردع الاحتلال وكسر غطرسته، وهي حقٌّ مشروع للشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه وثوابته واسترداد أرضه وتحرير مقدساته، حق كفلته المواثيق الدولية، ولا يمكن لأحد أن ينزع عنه هذا الحق الأصيل أو يشكّك فيه.
الاحتلال لم يوقف جرائمه يوماً واحداً ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وهي في تصعيد متواصل، ومن ثمَّ فإنَّ الثبات والتصدّي لكل جرائمه يعدّ فريضة يومية لكل أبناء شعبنا سواء في قطاع غزَّة أو الضفة أو القدس أو الأراضي المحتلة عام 1948م وفي كلّ شبر من أرض فلسطين، شعبنا الفلسطيني قادر اليوم بمقاومته وثباته وإصراره على دحر الاحتلال وإفشال مخططاته وتحقيق حلمه في تأسيس دولته المستقلة.>