في نهاية شهر أغسطس، شنّت حركة “فتح” في مخيم عين الحلوة، قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، هجوماً عسكرياً واسعاً على ما يسمى “الشباب المسلم” في المخيم.
وطوال ساعات أطلقت مواقع حركة “فتح” داخل مخيم عين الحلوة وفي محيطه نيران مدافع الهاون والمدافع الرشاشة على الأحياء التي يتمركز فيها هؤلاء الشباب المتهمين بتنفيذ عمليات اغتيال ضدّ قيادات فتحاوية.
ومنذ عام إلى الآن، قامت عناصر من المخيم تنتمي إلى ما يسمى “الشباب المسلم” بقتل واغتيال قيادات فتحاوية، منهم العقيد جميل زيدان، والعقيد طلال الأردني، وقيادات وسطية أخرى.
واتهم هؤلاء بقتل عدد من العناصر، منهم مروان عيسى التابع لـ”حزب الله”، والشيخ عرسان سليمان من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش).
وتقول مصادر أمنية: إن عدداً من العناصر التي تسمى “الشباب المسلم” متورطٌ فعلاً في قتل هذه الجهات، وهناك أدلة مثبتة واعترافات.
وفي واقع الحال لا توجد اعترافات من هذا الفريق على هذه الاتهامات.
لكن مصادر “الشباب المسلم” تقول: إنها تواجه ما تقوم به حركة “فتح” من ملاحقة الإسلاميين أمنياً، وهي ترد على كل ما تقوم به مجموعات من “فتح” من عمليات اغتيال وخطف وملاحقة للإسلاميين.
ولا شكّ أن هناك أكثر من عامل يساهم في هذا الصراع الحاصل بين “فتح” وما يسمى “الشباب المسلم”.
فالأوضاع الإقليمية والمحلية صعبة ومعقدة، وهناك انقسامات سياسية وطائفية يتأثر بها لبنان والوجود الفلسطيني فيه.
كما أن هناك انقسامات وصراعات داخل حركة “فتح”، متمثلة في جناح تابع للرئيس محمود عباس وجناح آخر تابع لمحمد دحلان، أبرز رموزه ابن مخيم عين الحلوة العقيد محمود عيسى الملقّب بـ”اللينو”، والمتهم بملاحقة الإسلاميين، وهو ضابط مفصول من “فتح” بسبب خلافه مع محمود عباس.
وأدت عمليات اغتيال كوادر من حركة “فتح” إلى إحداث أزمة داخل الحركة، حيث تعتبر “فتح” أنها فقدت سيطرتها على المخيم، وتراجع نفوذها، وخسرت هيبتها، لذلك نشأ موقف داخل “فتح” يدعو إلى ضرب الإسلاميين، واستئصالهم، ويعيد لـ”فتح” كرامتها.
غير أن هذا المنطق يواجه بمعارضة أغلبية القوى الفلسطينية.. هذه القوى تعارض عمليات الاغتيال والتفجير، واللجوء للعنف والصراع الداخلي عن أي طرف صدر.
وتسعى هذه القوى إلى إيجاد آلية لوقف التدهور من خلال تشكيل مرجعية سياسية فلسطينية موحدة، وتشكيل لجنة أمنية فاعلة تضم الجميع، وتمنع العنف، وتحقق مع المتهمين.
وتحرص القوى الفلسطينية على منع الاقتتال الداخلي وحماية مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، والضغط على ما يسمى “الشباب المسلم” لعدم تنفيذ أعمال عنف، وتجري هذه القوى اتصالات سياسية مع أبرز القوى السياسية والأمنية اللبنانية لتحييد مخيم عين الحلوة.
لا شك أن المعركة التي وقعت قبل أسبوع بين “فتح” و”الشباب المسلم” كانت صعبة وقاسية، وأدت لمقتل 5 عناصر من “فتح” وإصابة نحو 30، وأدت إلى تهجير آلاف الفلسطينيين من المخيم، واحتراق وتدمير عشرات المحلات والمنازل، وهددت هذه المعركة مصير أو مستقبل المخيم.
لكن ارتفاع أصوات الفلسطينيين داخل المخيم، وقساوة المعركة، وحساسية أوضاع المنطقة، والوضع اللبناني الدقيق، أعاد تأخير خيار الحسم العسكري، ودفع باتجاه الخيارات السياسية والأمنية المشتركة، وسوف يبقى التوتر في مخيم عين الحلوة، لكن في إطار محصور.