بينما يستميت أرباب الإلحاد ومن معهم من مناصري العلمانية في تمييع فكرة الدين وعزله عن دنيا البشر، يظهر من رحم العلمانية من يدافع عن فكرة التدين ويثبت بالحقائق الواقعية والعلمية أن ثمة إقبالاً متزايداً عليها رغم محاولات الصد والتشويه.
وكما أن العلمانيين يزعمون بانتصار مشروعهم المتمثل في تراجع اهتمام وقناعة الناس بالقيم الدينية على اعتبار منهم أنها من رواسب التخلف والرجعية التي ما باتت تلقى اهتماماً إلا من الطبقة الأقل تعليماً وثقافة، مستندين إلى نتائج استطلاعات رأي تقول: إن بلداناً ما صارت – بفضل العلمانية – أقل تديناً.
ففي كتابه “انتصار الإيمان”، الصادر حديثاً، أثبت الباحث والمدير المشارك في معهد الدراسات الدينية بجامعة بايلور في تكساس رودني ستارك وهمية الاعتقاد السائد باضمحلال الدين وتوسع العلمنة والإلحاد، مؤكداً أن عدد من يمارسون الطقوس الدينية في أمريكا صاروا أكثر من ذي قبل، وشانّاً في ذات الوقت انتقاداته على مركز بيو الشهير للأبحاث الذي يعلن بين الحين والآخر عن نتائج استطلاعات رأي تقول: إن الولايات المتحدة صارت أقل تديناً.
ويدحض ستارك ادعاءً للعلمانية يفترض أن الطبقة المثقفة هي أكثر بعداً عن الأديان مع التطور الملحوظ للعلم وتقدم التكنولوجيا وتعدد وسائل ومصادر المعرفة، فيقول ستارك: إن عدد المثقفين حول العالم الذين يختارون التحول إلى الدين يأتي بعدد أكبر من أقرانهم الأقل تعلماً، وأردف: إن التنافس بين الطوائف الدينية ولد جواً من الانبعاث الديني، مؤكداً أن نسبة الإلحاد بين الأمريكيين لا تتعدى ٥%.
وكالعادة، يجاري “متعلمنو العرب” هرطقات “علمانيو الغرب” في الترويج للنظرية العلمانية – اللائكية – الداعية إلى إزالة الدين من الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للناس، حيث يعتقد متعلمنو العرب بأن تقدمهم الثقافي يقتضي منهم التمرد على قيمهم الدينية، ويتماهون مع الأساليب الأوروبية التي استخدمت بحق الدين، الذي نفسه لم يقدم بطريقته الصحيحة، دون مراعاة الفوارق الذهبية التي تحول بين النموذج الغربي المسيحي والنموذج العربي الإسلامي.
ومن خلال ما تم استعراضه من حقائق، فإن دلالة وحيدة هي ما يمكن اقتباسه والاستشهاد به، وهو أن الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ولغاتهم وقومياتهم يدينون بفطرة إلهية بين جنبات أفئدتهم، فلا يستقيم نظام حياتهم بشكل كامل إلا باكتمال كافة عناصر وأركانه بما فيها الجانب الروحي المتمثل في الدين والشعائر المقدسة التي تهذب روح الإنسان وتسوي علاقته بخالقه والكون من حوله.