حمل العام الجديد معه أخبارا مروعة من إيران، حيث تم إعدام 19 شخصا في غضون أربعة أيام فقط، ثلاثة من هذه الإعدامات تمت في الساحات العامة، ونشرت صورها المرعبة على صفحات الجرائد المحلية.
فهل يمكن اعتبار هذه الأحكام بطاقة معايدة اختار ملالي إيران إرسالها إلى العالم الغربي بمناسبة العام الجديد، وبمناسبة عودة إيران إلى أحضان المجتمع الدولي؟
رغم هذه الانفراجات الدبلوماسية، وحرص البعض على وصف الرئيس روحاني بأنه معتدل، تمعن إيران في تجاهل 62 قرار إدانة صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان آخرها في اجتماعها في ديسمبر الماضي، حيث أدانت تواصل القمع وتجاهل المرشد الأعلى للقوانين الدولية والقيم الإنسانية.
وقد تضمن قرار الإدانة الصادر في 17 ديسمبر 2015، إشارة قوية إلى أن النظام الإيراني يتمسك بالنصوص والقوانين المخالفة للمواثيق الدولية، ويواصل تنفيذ أحكام الإعدام في الساحات العامة في خرق واضح لتعهداته الدولية.
هذا القرار الأممي؛ تضمن قلق المجتمع الدولي من “كل أشكال التمييز وبقية انتهاكات حقوق الإنسان التي تتم ممارستها في إيران ضد النساء والفتيات، والعنف الممنهج الذي تقوم به الدولة ضد الأقليات الدينية سواء المعترف بها أو تلك التي تواصل الدولة تجاهلها”. ويدعو هذا القرار أيضا النظام الإيراني إلى وضع حد للسياسات التمييزية وإلغاء كل القوانين التي تشرع للتفرقة بين المواطنين حسب لغاتهم أو عرقهم.
وقد تابعت منظمات حقوق الإنسان الدولية عن كثب أحكام الإعدام الكثيرة التي نفذها هذا النظام الديني المتسلط، منذ قيامه قبل 37 سنة، ولذلك تؤكد هذه المنظمات أن إيران لا تستحق أن تكون دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة.
ورغم أن إيران موقعة على أغلب المعاهدات والمواثيق الدولية، خاصة منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن حكومة الرئيس “المعتدل” حسن روحاني لا تقيم أي اعتبار لهذه الالتزامات والقيم الكونية.
فتقارير المنظمات الدولية تؤكد أن المواطن الإيراني اليوم لا يتمتع بالحرية والمساواة والكرامة، مثلما تنص على ذلك المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ أن “الإيديولوجيا” الخمينية التي تسيطر على البلاد باسم الدين، تصادر الحريات والحقوق وتعتدي على كرامة كل المواطنين.
كما أن المواطن الإيراني لا يتمتع بالحق في الحياة والحرية والأمن كما تنص على ذلك المادة الثالثة من الميثاق، لأن النظام الديني في إيران ينظر إلى هذه القيم الكونية على أنها لا تتناسب مع رؤيته الدينية.
والإيرانيون يتعرضون أيضا للتعذيب والانتهاكات الجسدية والنفسية والمعاملة غير الإنسانية، في انتهاك واضح للمادة الخامسة من الميثاق، إذ أن جمهورية الملالي لا تزال تعتبر أن التعذيب والضرب وتعليق الناس في الشوارع وقطع أعضاءهم هو أمر في صالح المجتمع ووسيلة لفرض القانون.
المواطن الإيراني محروم أيضا من حقه في اللجوء إلى المحاكم والقوانين الوطنية للتظلم والحصول على حقوقه، بحسب ما تضمنه له المادة الثامنة من الإعلان، حيث أن رجال الدين يسيطرون على القوانين المدنية ويمارسون سلطتهم حسب أهواءهم، والمواطن معرض في كل وقت للتوقيف بشكل تعسفي والاحتجاز دون موجب أو حتى النفي خارج البلاد، على عكس ما تنص عليه المادة التاسعة من الإعلان.
والإيرانيون محرومون أيضا من حرية التعبير والإدلاء بآرائهم وحرية المعتقد الديني والحصول على الأخبار والمعلومات، رغم أن ذلك مكفول لهم حسب الفصل 19 من الإعلان، حيث أن هذه الحقوق المتعلقة بالتعبير تتم مصادرتها باسم حماية القيم الدينية والدفاع عن المقدسات في إيران، وحتى أصوات المواطنين الغاضبين من الإعدامات التي يتم تنفيذها في الشوارع، يتم خنقها ومنعها من الوصول إلى الخارج، كما أن صيحات الفزع التي تطلقها عائلات ضحايا هذا النظام لا تجد صدى، رغم أنها تنجح في التسرب أحيانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تخضع هي أيضا لرقابة مشددة.
وقد تفاعلت “شولا باكرافان”، الأم المفجوعة بإعدام ابنتها “ريحانة جباري”، عبر صفحتها على الفيسبوك، مع هذه الموجة من الإعدامات المروعة، بالقول: “بعد أن قضت ابنتي 7 سنوات في غياهب سجون النظام الإيراني في ظروف لا يمكن أن تحتملها أي فتاة شابة مثلها، تعرضت ابنتي ريحانة وهي في السادس والعشرين من عمرها إلى الإعدام شنقا، في 25 أكتوبر 2014، عملا بقانون القصاص، رغم أنها قتلت ضابطا سابقا في المخابرات الإيرانية وهي في حالة دفاع شرعي عن النفس بعد أن حاول اغتصابها“.
وقد حذرت السيدة باكرافان من الآثار السلبية لممارسات النظام الإيراني، مثل عرض الجثث في الشوارع وتعليق الضحايا في الساحات العامة، وما يسببه ذلك من وقع مؤلم في نفوس الأطفال والمواطنين، في دموية لم تشهدها إيران منذ غزو المغول في القرن 12.
ولكن استعراض هذه المشاهد المرعبة في الشوارع وتعليق الجثث في الرافعات، هي استراتيجية تقليدية يعتمدها النظام الحاكم في كافة أنحاء البلاد، باعتبارها وسيلة سيطرة دأب على اعتمادها منذ قيامه، من أجل إرهاب الشعب وخلق مناخ من الخوف والذعر، لينجح بذلك نظام الملالي في المحافظة على وجوده المهدد.
وليس أدل على أن الخوف في الحقيقة واقع في قلوب هؤلاء الملالي وليس الشعب، من كون هذا النظام يدفع بتعزيزات أمنية هامة في كل مرة يقوم فيها بتنفيذ أحكام الإعدام، خوفا من اندلاع احتجاجات رافضة لهذه الممارسات أو متعاطفة مع عائلات الضحايا، قد تتطور لتخرج عن السيطرة وتعصف بهذا النظام الهش.
وتزامنا مع الزيارة الرسمية التي يؤديها حسن روحاني إلى باريس، سيواصل هذا الرئيس “المعتدل” تقديم التبريرات لأكثر من ألفي عملية إعدام تم تنفيذها منذ وصوله إلى السلطة، كما سيعمل على التسلح بالضحكة الصفراء التي يتسلح بها كل ملالي إيران، من أجل عقد الصفقات الاقتصادية مع الجانب الفرنسي، وصرف الأنظار عما يحدث حقيقة في إيران وما يعانيه الشعب الإيراني.
الرابط:http://www.huffingtonpost.fr/simin-nouri/droits-de-lhomme-iran_b_8969262.html?utm_hp_ref=france