تبالغ الدولة في خوفها من اندلاع ثورة أخرى في الذكرى الـ5 لثورة الـ25 من يناير 2011م، في وقت تنعدم فيه الآليات اللازمة لإشعال ثورة جديدة.
جاء هذا في سياق مقالة نشرها موقع “ذا سيتيزن” للكاتب شوبادا تشودري والذي راح يسلط فيه الضوء على احتقان الأجواء في مصر قبيل حلول الذكرى الـ5 لثورة يناير، وما تشهده البلاد من تكثيف حملات الاعتقال التي تشنها قوات الأمن ضد الناشطين والمعارضين للحيلولة دون اندلاع احتجاجات في تلك المناسبة، ولاسيما مع الدعوات التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي للخروج في تظاهرات في هذا اليوم.
وإلى نص المقالة:
مع دنو الذكرى الـ5 لثورة الـ25 من يناير 2015م، تستعد مصر لما يمكن أن يُطلق عليه أعنف حملة قمع في تاريخها، وبدا الخوف واضحاً جداً لدرجة أنه عندما جلس علي الخولي ومحمد علي، اثنان من الناشطين المصريين، لتناول فنجانين من القهوة بملابس مدنية، ألقت قوات الأمن القبض عليهما لمعرفة ما ينتويان عمله بعد غد الإثنين الذي يتزامن مع الذكرى المرتقبة.
وتبدو احتمالية اندلاع موجة احتجاجات أخرى، بالرغم من استمرار الدعوات إليها على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، ضعيفة، فثمة آلاف الناشطين السياسيين وراء القضبان بعد اعتقالهم دون أسباب حقيقية، ومن خلال القبض على كافة الشخصيات المؤثرة داخل جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي في الـ3 من يوليو 2013م، لم يَعُد للتنظيم المحظور سوى تأثير محدود جداً في الشارع.
وفوق هذا وذاك، لا يزال شباب مصر يعيش حالة من خيبة الأمل لوقوع ثورة الـ25 من يناير وانقضائها دون تحقيق أي نتائج مرجوة على الأرض.
وبرغم غروب الشمس على حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي دام لـ30 عاماً، يسيطر النظام السياسي الآن وبقبضة من حديد على مقاليد الأمور في البلاد، مدعوماً في ذلك بالمؤسسة العسكرية وجهاز الشرطة.
لكن ومع ذلك، لا يخفى على أحد الشعور بجنون العظمة الذي يتملك الحكومة، ففي الآونة الأخيرة، توسع قوات الأمن حملاتها البحثية التي تستهدف الشقق والبنايات الواقعة في قلب العاصمة المصرية بالإضافة إلى تلك الكائنة بالقرب من ميدان التحرير، المركز الذي انطلقت منه شرارة الثورة في 2011م.
وداهمت قوات الأمن أيضاً دور نشر ومراكز ثقافية وأغلقتها تماماً، علاوة على الإمساك بعديد من الناشطين الذين يطالبون بالخروج في احتجاجات على قانون التظاهر الذي يلزم المواطنين الحصول على إذن مسبق من الدولة قبل تنظيم تجمع عام لـ10 أشخاص أو أكثر.
واعتقلت السلطات أيضاً 47 من المسؤولين عن إدارة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” المعروفين بمواقفهم المناوئة للحكومة، لتبعث بذلك برسالة واضحة إلى الشعب، وهو ما تجلى في كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي المتلفزة حينما تحدث عن أصحاب دعوات التظاهر في ذكرى يناير، بقوله: “ليه عاوزين يخربوا البلد بثورة تانية”.
ومن السخف التسليم بأن مجرد إضرام شاب تونسي (محمد البوعزيزي) النار في نفسه هو فقط ما أوقد الشرارة الأولى لـ”الربيع العربي” والتي امتدت بعد ذلك لمصر، ولكن الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها شباب يُفترض أنه في مقتبل العمر وتدني مستويات المعيشة وارتفاع معدلات البطالة بالتبعية كان لها الدور الأكبر في اندلاع ثورة يناير.
وللأسف لا تزال تلك اللعنات تطارد المصريين حتى اليوم، مع عجز الحكومة في مواجهة تلك القضايا الملحة، مما يضعف شرعيتها السياسية.
الأوضاع الاقتصادية الهشة تزامنت مع تصاعد المخاطر الناتجة عن المسلحين الموالين لـ”تنظيم الدولية الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، والذي كان وجودهم قاصراً في البداية على سيناء، وذلك قبل أن يمتد ويتسع ليصل إلى قلب القاهرة عبر تنفيذ هجمات متفرقة تحمل بصماتهم.
وأمس الأول الخميس قتل ثمانية من ضباط الشرطة وثلاثة مدنيين في انفجارات وقعت خلال مداهمة الشرطة لإحدى الشقق، وقالت وزارة الداخلية: إنها تمت بواسطة متطرفين إسلاميين بالقرب من وسط القاهرة.
في غضون ذلك، توجه وزارة الأوقاف بإلقاء خطاب ديني موحد في صلاة الجمعة، والذي يركز في جوهره على التحذير من مغبة الخروج في ذكرى يناير المقبلة.
ونصت خطبة بعنوان “نعمة الأمن والأمان” صراحة على أن من يخرج في مظاهرات مناهضة للحكومة آثم شرعاً.
وحالياً لا يوجد دعوات رسمية لإحياء ذكرى يناير بمظاهرات حاشدة من جانب أي جماعة أو فصيل في مصر، ويتوقع معظم المصريين أن يمر اليوم بهدوء، لكن أفراد من جماعة الإخوان المسلمين، معظمهم خارج البلاد، يحضّون أنصارهم على النزول في ذكرى يناير، وتظهر أيضاً جماعات يديرها ناشطون يساريون في الشهور الأخير، وهم يطالبون بإشعال ثورة جديدة في الـ25 من يناير المقبل.
واشتعلت الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً بعبارة موحدة تمدح الثورة، مع اشتعال هاشتاج “أنا شاركت في ثورة يناير” على المواقع الاجتماعية والذي أصبح الأكثر تداولاً على موقع التدوينات المصغر “تويتر” بعد ساعات من انطلاقه.
وعبر المغردون بكلماتهم عن اعتزازهم بالمشاركة في ثورة 25 يناير المجيدة والتي وصفوها بأعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث، معبرين عن إصرارهم على مبادئها وتحقيق أهدافها النبيلة من العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية مهما طال الطريق.
لكن السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، يؤكد أن مخاوف السلطة من ثورة يناير مبالغ فيها، قائلاً: ليست تلك هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن احتمالية حدوث قلاقل في ذكرى الثورة، ثم شيء لا يحدث بعد ذلك.
وأضاف البدوي: قوات الأمن تضخم المسألة، وأنا على يقين أن شيئاً لن يحدث، ولن ينساق الشعب المصري إلى لعب دور في احتجاجات تنظمها فصائل تتآمر ضد الشعب.
وعلى الجانب الآخر، يتهم أحمد ماهر عضو حركة الـ6 من أبريل الدولة بفبركة المؤامرات لاستهداف الثوريين، قائلاً: كيف يحدث ذلك في حين أن النظام الحالي وصل إلى سدة الحكم بفضل ثورة يناير.
ومع ذلك، تبالغ الدولة، بمعنى كلمة مبالغة، في خوفها من اندلاع ثورة أخرى بعد غد الإثنين، في وقت تنعدم فيه الآليات اللازمة لإشعال ثورة جديدة.