هو شاعر وفارس مغوار، أسلم رضي الله عنه، وابتلي بشرب الخمر حتى بعد تحريمها في الإسلام، ولطالما عوقب عليها ويعود ويعاقب ويعود، لدرجة أنه قال من شدة تعلقه بها موصياً ابنه:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإننـي أخاف إذا ما مت أن لا أذوقهـا!
ورغم إدمانه لتلك المعصية، لكنه لم يترك الطاعة، وعمل الخير، فلما تداعى المسلمون لقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن الثقفي وحمل زاده ومتاعه ولم ينس أن يحمل خمراً دسها بين متاعه.. ثم وسوس له الشيطان فاختبأ في مكان، وشربها، فلما علم به قائد المسلمين سعد بن أبي وقاص غضب عليه وحرمه من دخول القتال وأمر أن يقيد بالسلاسل في خيمة.
فلما بدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول وصيحات الأبطال، لم يطق أن يصبر على القيد، واشتاق للجهاد، وخدمة الدين، وإن كان عاصياً ومدمناً، إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله.
ثم أخذ يناشد زوجة القائد سعد التي كانت في معسكر المسلمين، ووعدها إن هو سلم أن يرجع ليوضع القيد في رجليه.. فأطلقته، وأخذ فرس سعد “البلقاء”، ولبس درعه وغطى وجهه، فأخذ يقاتل الكفار بشجاعة، وتعجب الناس من هذا الفارس الملثم، حتى سعد لاحظ فروسيته، فقال: الضرب ضرب “محجن”، والكر كر “البلقاء”، لكن أبا محجن في القيد، والبلقاء في الحبس!
لما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه، ولما جاء القائد وجد فرسه متعبة من آثار الجري، فسأل عن القصة، فأخبروه بما كان من أمر أبي محجن، فقال سعد: والله لا أجلدك في الخمر أبداً، فقال أبو محجن: وأنا والله لا أشرب الخمر أبداً.
هذه القصة ذكرها الكثير من المؤرخين، ويهمنا ما فيها من دروس تناسب شبابنا اليوم، وتتطابق مع واقع غالب الناس، فنحن خطاؤون، ولسنا ملائكة، وحالنا مع سلبياتنا وذنوبنا كحال أبي محجن مع الخمر.
طبعاً، لا نقبل أن نشكك في صحابي جليل كـسعد بن أبي وقاص، صاحب المكانة الرفيعة أن يسقط حداً من حدود الله، لكن يلتمس العذر له رضي الله عنه أنه رأى في أبي محجن من حب الإسلام ونصرته، والحرص على الجهاد، وكيف أنه سيقتل، ما يكون “شبهة” يسقط عنه الحد، أو أنه أضمر في نفسه ألا يجلده إلا إذا ثبت عليه شربها، وكأنه بذلك يحثه على التوبة.
الدرس المهم من هذه القصة أنه لا أحد منا إلا وله سيئة يقارفها، وخطيئة أدمنها، والنفس الإمارة بالسوء تحول دون التوبة.. لكن الأهم أن نكن كأبي محجن لا تحول السيئة بيننا وبين فعل الخيرات، فرب سيئة غمرتها بحار الحسنات، ولا أن نكلّ من مجاهدة أنفسنا كي نتخلص من ظلمات الخطايا!