في هذا العالم الذي يمتلئ بالأديان والأفكار والمذاهب والرؤى، والذي هو في أمسّ الحاجة للتعريف بدعوتنا الإسلامية خاصة مع سهولة ذلك في عصر السماوات المفتوحة إلا أنه للأسف ونتيجة لعديد من الأسباب كانت جهودنا في هذا المجال محدودة بينما عانينا نحن من اختراق نسيجنا من الداخل بواسطة هذه السماوات المفتوحة وأصبحنا مسرحا يتم عليه عرض المذاهب والأفكار والفرق الضالة حتى وصل الأمر للدعوة للوثنية جهارا نهارا من خلال الدراما والسينما الهندية التي احتلت مساحات واسعة من بث الفضائيات العربية، بل إنه يوجد أكثر من ثلاث قنوات متخصصة في بث الأعمال الهندية المدبلجة فقط، وهي من أشهر قنوات الدراما العربية.
وفي هذا السياق أحكي موقفاً شخصياً ذا دلالة واضحة على مدى تغلغل هذه الدراما بالجماهير العربية المسلمة فلم تكن المرة الأولى التي أراجع فيها طبيباً وأجلس في صالة الانتظار لأجد شاشة التلفاز تبث أحد أعمال الدراما الهندية، فسألتُ السكرتيرة: لماذا هذه القناة بالذات؟
فأجابتني بثقة وكأنه أمر مفروغ منه: لأنها ما يريده المراجعون وكلما غيرتها طالبوني بإعادتها، كان هذا الموضوع يلحّ علي كثيراً فسألت الكثير من النساء والفتيات عن الدراما الهندية فكانت الأغلبية العظمى ممن سألتهن يشاهدن هذه النوعية من الدراما ومعجبات بها أيما إعجاب لدرجة أن البعض منهن يرتدين عباءات مصممة بطريقة تشبه الساري الهندي المشهور، كما انتشرت محلات الإكسسوارات النسائية التي تبيع مجوهرات تشبه تلك التي ترتديها بطلات المسلسلات الهندية، الكارثة ليست في هذا الانبهار والتقليد ولكن في المضمون المدمر الذي تبثه تلك الدراما التي لاقت ترحيب الجمهور.
الترويج للوثنية
عبادة الأصنام التي تقرب إلى الله، تلك الفكرة الساذجة الغبية التي ارتكست فيها البشرية دهراً طويلاً وكنا نسخر في بلادنا الإسلامية من هؤلاء الأغبياء الذين يعبدون الأصنام حتى وقتنا الراهن، حتى أن بعضهم وهو يستنكر الرأي الفقهي القائل بحرمة التماثيل يستند إلى أن عبادة الأصنام والتماثيل كانت تمثل فترة سحيقة تم تجاوزها، وأن التحريم جاء لقرب العهد بعبادة هذه التماثيل، أما في عصرنا الراهن فقد تم تجاوز هذه الإشكالية.
الدراما الهندية في واحد من أهم أهدافها تدعو صراحة وبشكل مباشر لإعادة الاعتبار لهذه الأصنام، وطريقة الدعوة هي الدراما، فالمشاهد الذي يحب البطل أو البطلة الهندوسية (بعض الشباب والشابات يحب لدرجة الهوس) ويرى فيهما نموذجاً إنسانياً رفيعاً لا شك أنه سيتعاطف مع اللحظات الحميمية الدافئة التي يتبتل فيها بطله لإلهه الذي هو صنمه! وكل مسلسل يعرض لمعبود أو أكثر.
والمتابع للدراما الهندية سيتعرف على الكثير من الطقوس والصلوات والعبادات والأعياد والآلهة الهندوسية، وفي السطور القادمة سأقدم بعض النماذج التطبيقية لعدد من الأعمال الأكثر شهرة، ففي مسلسل “من النظرة الثانية” الذي قامت قناة “إم بي سي بوليود” بدبلجته، والذي نال شهرة واسعة جدا حتى أن الكثيرين أطلقوا على أنفسهم “مجنون كوشي” أو “مجنونة أرناف” أسماء بطلي المسلسل، تم تقديم أرناف كرجل ملحد لا يؤمن بأي إله، بينما كانت كوشي تلك الفتاة الطيبة البسيطة الرقيقة فتاة متدينة جدا وتعبد (إلهة أنثى، الإلهة ديفي) وتحمل نموذجا مصغرا لها معها في كل مكان وتناجيها وتحكي لها وتطلب مشورتها وتدور كثير من الحوارات بين كوشي وأرناف حول الدين، وهي حوارات تحمل في المحصلة النهائية الدعوة للوثنية من خلال المعبد الحاضر بقوة كمركز مؤثر في كثير من العقد الدرامية وإقامة الصلاة بطريقة معينة وكلام الكهان والشجرة التي تربط فيها خيط الأمنيات فتتحقق والكثير من الرموز الحاشدة التي يكتظ بها المسلسل.
أما مسلسل “حبيبي دائماً” الذي نافس مسلسل النظرة الثانية على الاستحواذ على الجمهور العربي والذي قامت ببطولته نفس البطلة التي أحبها الشباب والشابات فلعله الأسوأ على الإطلاق في الدعوة الصريحة للوثنية، ويكفي في هذا السياق المشهد التالي: بينما كان بطل المسلسل يرقد في المستشفى بين الحياة والموت بعد أن أكل طعاما مسموما وبعدما أخبرهم الطبيب أنه ما لم يستعد وعيه مع صبيحة اليوم التالي فإن فرصة نجاته ضئيلة، وقفت البطلة ليلتها بجواره ترقبه وتحدثه وتحمسه وتبكي وتقف بجوار النافذة وتنظر للسماء حتى بدأت الشمس في البزوغ وهو لا يتحرك وعندما جاء صديقه للزيارة تركته معه، وقالت: إنها ستعود بعد قليل، وخرجت من المستشفى تجري حافية القدمين حتى بدأت الدماء تنزف من قدميها وهي لا تكاد تشعر، ظلت تجري مهرولة حتى وصلت للمعبد، وقالت للكاهن إنها تريد الصلاة وتريد أن يحقق الإله دعاءها فردّ عليها الكاهن إنه يستعد لإقامة الصلاة وبإمكانها أن تساعده في إعداد الطقوس وأنه إذا أرادت أن يستجيب لها الإله لطلبها فعليها أن تعده بتقديم أغلى شيء في حياتها وتترك هذا الشيء مقابل تحقيق دعائها ويتركها لتفكر بعض الوقت في الشيء الذي تستطيع تقديمه، وبعدها تقف البطلة في منتهى الخشوع أمام الإله الذي هو مجسد لـ”لينجام رمز الإله الهندوسي، قضيب شيفا للعبادة داخل فرج أم الإلهة تارا والدة إله شيفا” رمز جنسي فاضح بكل ما تعنيه الكلمة يوضع عليه الزهور وتقف البطلة أمامه بمنتهى الخشوع تدعو وتصاحبها موسيقى بالغة التأثير ثم ترتفع الموسيقى لتمنحنا إحساسا بالتوتر ومعها صور مسرعة البطلة تدعو بخشوع وتبكي، والصنم قد وضع فيه ما يشبه اللبن وأشعلت من تحته النيران يفور، ثم تظهر صورة البطل وقد دخلت من أسفل كمامته ما تشبه فقاعة خضراء شفافة كتجسيد للروح أو أمر الإله فبدأ يتنفس، الإخراج بالغ الإحكام والترقب سيد الموقف، والمحصلة النهائية أن المشاهد المسلم والمسلمة لا يستنكر هذا الشرك القبيح بل يتطبع مع الأوثان وتصبح مألوفة لديه، وأيضاً يتشكك في قيمة الدعاء لله عز وجل.
إن الإله شيفا عموما هو محور مسلسل “حبيبي دائما” فبطل المسلسل اسمه رودرا وهو أحد أسماء هذا الإله المزعوم والذي يعني اسمه “المدمر”، أما اسم البطلة فهو بارفاتي، اسم زوجة شيفا. وهكذا نعيش في أجواء آلهة الهندوس حيث تمتزج الأساطير بالدراما، وفي هذا السياق لا يمكن أن ننسى إلههم كريشنا الذي هو عامل مشترك في جميع المسلسلات الهندية التي رصدتها.
طقوس الهندوس
المتابع للدراما الهندية لابد أنه سيتعرف جيدا على جميع طقوس العبادة الهندوسية بدءا من المعبد الصغير الموجود في كل بيت، مهما كان صغيرا، ويوضع فيه الإله الذي تعبده الأسرة بحسب موقعها الجغرافي في الهند، وفي العملين الذين قمت برصدهما كانت ديفي الإلهة الأم في مسلسل النظرة الثانية، وشيفا المدمر في مسلسل حبيبي دائما، تجتمع الأسرة في الصباح الباكر حيث الصلاة التي هي عبارة عن أغان دينية وثنية، وصينية توضع عليها الشموع وحلوى مقدسة يتم تقديمها للإله تعرف باسم حلوى التقدمات وعلبة صغيرة فيها مسحوق اللون الأحمر المقدس ثم يقوم مقيم الصلاة بتحريك الصينية بطريقة معينة حول كل شخص من المشاركين في الصلاة ويعطى له بركة اليوم حلوى التقدمات، ثم توضع النقطة الحمراء بين العينين، هذه النقطة توضع في مكان الشكرة السادسة التي يتحدث عنها علماء العلاج بالطاقة الحيوية والهدف من وضعها في الفلسفة الهندوسية الاحتفاظ بالطاقة داخل جسد الإنسان، وللأسف فإن الهندوس ينشرون دينهم بطريقة عكسية فبدلا من أن يعتنق الإنسان عقيدة ما ثم يمارس العبادات الخاصة بها فإن الهندوس يروجون لعبادتهم كلون من الرياضة أو عن طريق العلاج بالطاقة الحيوية ونحو ذلك مما انتشر في بلادنا، وبعد ذلك وتدريجيا يتم التعرف على العقيدة التي تقف وراء ذلك والتي ستنتهي في المحصلة النهائية لعقيدة وحدة الوجود.
عن الحب والزواج
استطاعت الدراما الهندية إزاحة الدراما التركية التي احتلت سنوات من وجدان العرب المفرغين والذين يبحثون بين ثقافات الشرق والغرب عما يملأ هذا الفراغ، الشباب على وجه التحديد، خاصة الفتيات منهن، يعانين من الفراغ العاطفي والنفسي ربما بسبب تأخر سن الزواج وربما بسبب الطلاق العاطفي الذي تعيشه الكثيرات لأسباب ليس هنا موضع ذكرها، ولا يمكن إغفال دور الفكر النسوي الذي جعل من كيان الأنثى كيانا موازيا للرجل، وتم الضغط على عقول الفتيات للقبول بهذا التصور النسوي بينما بقيت قلوبهن تعاني الفراغ وتبحث عن صورة أخرى للرجل والمرأة، هذا الفراغ أوقع الفتيات في حالة من التطرف المعكوس فتفاعلن وتعاطفن مع نساء مظلومات جدا ومضطهدات وعلى الرغم من ذلك يعشقن الرجل القاسي الظالم ويجدن المبررات له بل ويقمن بأعمال شبه مستحيلة حتى ينبت الحب من القلوب الصخرية المتحجرة التي يعيش بها هؤلاء الرجال، هذه الفكرة التقليدية في الدراما الهندية التي تناولها مسلسلا “من النظرة الثانية” و”حبيبي دائما”، وكلها قصص متشابهة من حيث النسيج العاطفي والنفسي.
المتابع للدراما الهندية سيتعرف جيدا على طقوس الزواج الهندوسي بدءا من ضرورة أخذ رأي الكاهن في توافق الفتى والفتاة حسب توافق أبراجهما أم لا، وهو الذي يحدد الساعة المباركة التي تتم فيها الخطبة مرورا بالحفل الغنائي انتهاءً بالنار المقدسة وأخذ العهود وعقد الزواج الذي ترتديه العروس ووضع الإكليل وتزيين رأس العروس باللون الأحمر.
الكارثة أن كثيراً من الأعمال الهندية تناقش قضية زواج المسلمة من هندوسي، وتدعو لذلك وتصم المسلمين بالتعصب إذا رفضوا ذلك.
العداء والكره للإسلام والمسلمين في السينما الهندية
السينما الهندية طافحة بمعاداة المسلمين واحتقارهم ولذلك حديث آخر، ومن الأعمال الهندية التي ناقشت ذلك:
1- فيلم فير زارا: ويحكي عن قصة حب عميقة تجمع بين الشاب الهندوسي فير والفتاة المسلمة الباكستانية زارا، تلك العلاقة التي ترفضها أسرة زارا التي تريد تزويجها من شاب مسلم، يسافر فير لباكستان ليأتي بزارا للهند ويتزوجا، لكن والدة زارا تذهب إليه وترجوه أن يبتعد عن ابنتها حتى لا تجلب العار للعائلة، وبمثالية الشاب الهندوسي يستجيب فير لرجاء الأم ويعود أدراجه، لكن والد زارا يلفق له تهمة ويودعه السجن في باكستان، بينما تظن زارا أن فير لقي حتفه في حادث أتوبيس فتسافر للهند وتعيش مع أسرته وتنشىء مدرسة صغيرة لتعليم الأطفال هناك وتعيش على ذكراه، وبعد سنوات عديدة يتم الكشف عن الحقيقة ويعتذر القاضي الباكستاني لفير بعد شهادة من زارا أمام المحكمة الباكستانية، وفي نهاية الفيلم يصطحب فير زارا للعودة للهند ويزين جبينها باللون الأحمر، كناية عن الزواج الهندوسي.
2- تمرد: يبدأ الفيلم بهجوم جنود باكستانيين على هنود سيخ، وطردهم، وتدنيس شرف بناتهم، ويضطر عندها السيخ للهجرة، والتشرد تحت وطأة الظلم الباكستاني.
بطل الفيلم “تارا سينغ” هندي من السيخ فقد عائلته خلال تلك الأحداث، ورغم عزمه على الانتقام من المسلمين، إلا أنه يقع في حب فتاة باكستانية مسلمة اسمها “سكينة” هي ابنة مليونير باكستاني دمويّ متعصب، ترفض “سكينة” الذهاب إلى باكستان، وتتزوج في الهند من حبيبها السيخي تارا سينغ، وترزق بولدٍ منه، يعارض والدها هذا الزواج، ويفضحه في الصحافة الباكستانية، التي لا تقل عنفاً وعنصرية عن الجنود الباكستانيين (حسب الفيلم)، وبعد أن يفشل الأب الباكستاني في التفريق بين الزوجين، يقوم باختطاف ابنته، وإرغام الزوج على اعتناق الإسلام بالتهديد، والعنف، وطبعاً كعادة أفلام بوليوود، يقوم البطل بالانتقام على شاكلة “رامبو الأمريكي”، وبطريقة كاريكاتورية يتراجع الأب المتعصب عن قناعاته، ويعترف قائلاً: “لقد نسيت بأن الدين الأكبر، والأعظم هو الإنسانية”.
الفيلم يسيء إساءة بالغة للمسلمين، والدين الإسلامي، مثل الزواج المحرم، والمستحيل الذي تم بين بطل وبطلة الفيلم، وأيضا تأدية البطلة المسلمة للصلاة، وهي ترتدي ملابس الهندوس، والسيخ، وتضع حليهم، وزينتهم.
3- قلبي من أجلك: تدور القصة حول شاب هندوسي عاشق “أجاي”، يرغب الزواج من فتاة مسلمة “عائشة”، لكن والدها يرفض هذه العلاقة، ويطلب من مجرم مسلم “بهيجان” قتل “أجاي”، ينتظر “بهيجان” انتهاء شهر رمضان لتنفيذ الجريمة، ومثل كل القصص الهندية، لا يتمكن الشر من الانتصار، ويفوز الخير، والحب.
الفيلم أبرز كثيرا بشاعة وعنف الفرد المسلم، وسماحة الهندوسي، كما أورد الفيلم صوراً للمسلمين بالمساجد بمن فيهم “بهيجان” المجرم الذي يرتدي الطاقية الخاصة بالمسلمين، والكوفية الفلسطينية تذكيراً للمشاهدين طيلة أحداث الفيلم بديانته، وخلال سير أحداث الفيلم، يتكرر صوت الأذان كرمز للديانة الإسلامية.
وهكذا وبتكرار مشاهدة هذه الأعمال السينمائية الهندية يعتاد الشباب العربي المسلم على فكرة حب فتى أو فتاة من دين وثني والقبول بذلك وحقهم في الزواج الطبيعي وربما يتقبل البعض أن رفض وتحريم هذه الممارسات هو لون من التعصب الديني.
وأخيراً .. الأعمال الهندية التي تم دبلجة الكثير منها للغة العربية حتى يسهل التواصل معها بدأت تأتي أكلها، وإلا فما معنى أن يحتفل الشباب في عدد من العواصم العربية كالقاهرة وعمان وبيروت وأبو ظبي ورام الله والدار البيضاء بعيد الألوان الهندي ذي الأصول الدينية الهندوسية ويرقصون فيه الرقص الهندي ويلقون بالزهور والألوان على بعضهم البعض، وبعضهم في حالة عري!
الثقافة والديانة الهندوسية التي استغلت السماوات المفتوحة للتبشير بدينها وثقافتها أو فلنقل بشكل أكثر دقة أنها تكتفي في المرحلة الأولى بإزالة الوصمة العدائية من عقل وقلب المشاهد المسلم نحو فكرة الوثنية وتجعله يشعر بالتطبيع مع العادات الهندوسية وكذلك العبادات والطقوس الهندوسية.
الثقافة الهندوسية استغلت أزمة الفكر النسوي الذي أرهق المجتمعات فقدمت نموذجا جديدا لقالبها القديم جداً، حيث قدمت قيم العائلة والأسرة الكبيرة الممتدة واحترام الكبار ولمس أقدامهم واحترام الزوجة الشديد لزوجها والقيام على رعايته، تلك القيم التي دعا المفكر الأمريكي ذو الأصول اليابانية فوكوياما الحضارة الغربية لاستلهامها من المجتمعات الشرقية خاصة الهند حتى لا تنهار منظومة القيم نهائيا في الغرب تحت وطأة الفكر النسوي المتطرف.
المصدر: موقع “الراصد”.