ما زلنا نتساءل: هل يستمر وزير الداخلية في منهاجه الإصلاحي للوزارة، أم يتعثر مع أول معوق سيواجهه في مسيرته الجديدة؟
أنا أعتقد أن كبار المتنفذين من أصحاب المصالح الخاصة، الذين ستتعارض مصالحهم مع هذه السياسات الجديدة لن يتركوه يعمل، بل سيستخدمون كل ما يمكن لإيقافه! وأتمنى من نواب الأمة الإصلاحيين إن وجدوا هذا النفَس الجديد عند الوزير ألا يتركوه وحيداً يواجه المعركة المرتقبة، فكم شاهدنا في السابق من معارك بين نواب منتفعين من آخرين ووزراء يسعون إلى الإصلاح، ثم تتركهم الحكومة يواجهون مصيرهم منفردين من دون التضامن معهم، لأن أصحاب النفوذ ربما يرون أنفسهم أنهم أكبر حتى من الحكومة!
قضية «البدون» من القضايا الشائكة، واليوم أمام وزير الداخلية فرصة لنقش اسمه في تاريخ الكويت، إن تمكن من وضع حد لنفوذ أصحاب النظرة الفئوية، التي لا تبصر إلا تحت أقدامها، ولا ترى الكويت إلا لأهلها الأصليين، ويتناسون أن كل دول العالم تتكون من خليط من سكان أصليين ووافدين أو مهاجرين أو نازحين من الخارج، بل هذا أوباما الكيني يحكم أكبر دول العالم، وقس عليه الكثير من زعماء دول أوروبا، وها هم السكان الأصليون في أمريكا وأستراليا والدول الإسكندنافية يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية! نحن لا نقول: إننا نريد أن نُميّز واحداً من «البدون»، ولا نريد أن يكون الكويتي الأصلي مواطناً من الدرجة الثانية، نحن نريد أن نتعامل مع «البدون» تعاملاً إنسانياً فقط، وأن نعطيهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، فمن يستحق الجنسية وفقاً للقانون يتم تجنيسه، ومن يستحق العيش الكريم ولم تؤثر عنه مخالفة أمنية أو أخلاقية نعطه خدمات العيش الكريم، والبقية نطالبهم ونساعدهم بالبحث عن البدائل المتاحة! سيجد وزير الداخلية من يعترض على هذا التوجه، بحجة أننا لا نريد المزيد من الكويتيين! وهذا قصور في التفكير بعيد عن مصلحة الوطن، والبعض لا يريد المزيد من الضغط على الخدمات، ونسي أن مجموع «البدون» بكل فئاتهم لا يتجاوز 100 ألف، بينما الأجانب من الوافدين المخالفين لقانون الإقامة يتجاوز هذا الرقم بكثير، فأيهما أولى بالإبعاد لتخفيف الضغط على الخدمات، هذا الذي خدم في الجيش والشرطة عشرات السنين، أم هذا الذي دخل البلاد بطرق غير مشروعة، ويمارس معظمهم جميع أنواع الجرائم؟!
بالأمس كنا نطالب بتجنيس «البدون»، الذي قدم للكويت قبل 40 سنة، واليوم نجد بيننا من «البدون» من ولد في الكويت في الخمسينيات وترعرع فيها وعمل في وزاراتها وتقاعد منها، ويفاجأ بأنه وجميع أولاده في البيت بلا عمل ولا دخل يقتاتون منه!
ما يحدث لـ«البدون» اليوم جريمة في حق الكويت! لأننا نصنع قنابل موقوتة بأيدينا ونزرعها في وسطنا! فهؤلاء بشر لهم حاجيات ضرورية ومتطلبات أساسية، وندرك جيداً أنهم لم يعرفوا بلداً غير الكويت حتى يأتي من يشكك في ولائهم، اليوم الجميع ساكت عن هذه المشكلة، ويضحك على نفسه من يظن أن السكوت أفضل الحلول، ولعل من أكبر أسباب تفاقم هذه المشكلة هو الافتراءات التي أوجدتها لجنة «البدون» السابقة فيما يسمى بالقيود الأمنية، باختلاق سوابق لا أساس لها لعدد كبير من هذه الفئة؛ مما حرمهم حتى من أبسط الحقوق المدنية والمعيشية، عندما منعوا كل من عليه قيد أمني من تجديد بطاقته!
اليوم أمام وزير الداخلية فرصة لإنقاذ الكويت قبل إنقاذ «البدون»، ولتنظيف ملف الكويت الإنساني في المحافل الدولية، ونؤكد أن التجنيس لمن يستحق الجنسية، لكن السؤال: من هو المستحق؟! حتى العدد الذي ذكره السيد صالح الفضالة بأنه مستحق للتجنيس، جاءت المجموعة الفئوية ومنعت تنفيذه!
(*) ينشر بالتزامن مع جريدة “القبس” الكويتية.