في الإسلام: الحرية تعادل الحياة، ولقد ذكر المفسرون للقرآن الكريم هذه الحقيقة وهم يفسرون قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (النساء:92) فقالوا: “إن القاتل لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء، لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، إذ الرق موت حكماً، والحرية حياة”.
وفي العصر الحديث، ربط رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873م) بين حرية الوطن وحرية المواطنين في هذا الوطن، لأن الحرية منطبعة في قلب الإنسان من أصل الفطرة، ولذلك ينبغي أن يصرف الإنسان حريته في إكرام وطنه وإخوته، وإذا كان الإنسان الحر مكلفاً بنفع وطنه، فعليه الجهاد ضد من يعتدي على حقوقه وحقوق وطنه، وذلك لأن العدو الذي يعتدي على بلد من البلاد إنما يعتدي في الحقيقة على حرية أهل هذا البلد.
كذلك فصل الطهطاوي – على نحو غير مسبوق – في أقسام الحرية وألوانها، فجعلها خمسة أقسام:
الأول: الحرية الطبيعية: وهي التي خلقت مع الإنسان وانطبع عليها، مما لا ضرر فيه على نفسه ولا على إخوانه.
والثاني: الحرية السلوكية التي هي حسن السلوك ومكارم الأخلاق، وهو وصف لازم لكل فرد من أفراد المجتمع، يقتضيه العقل في السلوك الذاتي وفي معاملة الآخرين.
والثالث: الحرية الدينية: وهي حرية العقيدة والرأي والمذهب بشرط ألا تخرج عن أصل الدين، ومثل حرية المذاهب السياسية في إجراء القوانين والأحكام على مقتضى شرائع البلاد الراجعة إلى حسن السياسة والعدل.
والرابع: الحرية المدنية: وهي حقوق الأهالي الموجودين في مدينة بعضهم على بعض، فكأن الهيئة الاجتماعية المؤلفة من أهالي الوطن تضامنت وتواطأت على أداء حقوقهم بعضهم لبعض، وأن كل فرد من أفرادهم ضمن للباقين أن يساعدهم على فعلهم كل شيء لا يخالف شريعة البلاد، وألا يعارضوه، وأن ينكروا جميعاً على من يعارضه في إجراء حريته، بشرط ألا يتعدى حدود الأحكام.
والخامس: الحرية السياسية: وهي تأمين الدولة لكل أحد من أهاليها على أملاكه الشرعية المرعية، وإجراء حريته الطبيعية بدون أن تتعدى عليه.
كما ذهب الطهطاوي إلى الربط بين حرية الوطن وحرية غيره من الأوطان، فقال: إن من محاسن حرية الأمة أنها تفرح أيضاً بحرية غيرها من الأمم، وتتأذى من استعباد أمم البلاد الذين لا حرية عندهم.
ولهذا الفكر أصوله القرآنية التي تدعو إلى الجهاد لتحرير المستضعفين؛ (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75}) (النساء).
وعندما ذهب الطهطاوي إلى باريس أدرك أن ما يسمونه الحرية هي المساواة أمام القانون، فما يسمونه الحرية هو عين ما يطلق عليه عندنا العدل والإنصاف، وذلك أن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين، بحيث لا يجور الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المحكمة والمعتبرة.
وإذا كانت الحرية هي العدل، فإنه نسبي، غير مطلق ولا كامل، فالعدل الكلي والحقيقي لا وجود له الآن في بلد من البلدان، فإنه كالإيمان الكامل والحلال الصرف، وأمثال ذلك ونظائره مما يعز اكتماله في هذه الحياة.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.