يوما بعد يوم يقترب موعد إجراء الاستفتاء الشعبي على حزمة التعديلات الدستورية التي تهدف إلى تغيير النظام السياسي في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي. وبدأت جميع القوى السياسية، سواء المؤيدة للتعديلات أو المعارضة لها، تستخدم كافة الأوراق والأساليب للتأثير على آراء الناخبين ودفعهم إلى التصويت لقبول الحزمة أو رفضها في السادس عشر من أبريل / نيسان المقبل.
المعارضون للتعديلات الدستورية يلجؤون إلى أساليب مختلفة بهدف كسب أصوات الناخبين المؤيدين لرئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، كإثارة الأسئلة والشكوك حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي. ويقولون لهم: “أنتم تدعمون هذه الخطوة لأنكم ترون أن أردوغان سيتولى منصب الرئاسة. ولكن ماذا بعد أردوغان؟ من سيُنتخب لهذا المنصب بهذه الصلاحيات؟ وماذا لو يُنتخب مرشح حزب الشعب الجمهوري؟”
ومن أساليبهم أيضا، طرح احتمالات تؤدي إلى فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري أو مرشح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، نتيجة تشتت أصوات الناخبين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية في الجولة الأولى بين أكثر من مرشح، وعدم حصول أي منهم على نسبة من الأصوات تمكنه من التنافس في الجولة الثانية.
إثارة مثل هذه الأسئلة والاحتمالات قد تكون في بعض الأحيان نابعة عن قلق حقيقي على ما بعد أردوغان، إلا أنها في الغالب جزء من إستراتيجية الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية وحملتها الدعائية، وترمي إلى بث الأوهام في صفوف أنصار رئيس الجمهورية التركي وحزب العدالة والتنمية لدفعهم إلى الخوف من مستقبل مجهول وأزمات محتملة، والتشكيك حول جدوى الانتقال من النظام الحالي إلى النظام الرئاسي.
أردوغان، كأي واحد من بني آدم، ستنتهي رئاسته، عاجلا أم آجلا. وليس من الصحيح التصويت لقبول التعديلات الدستورية أو رفضها فقط من أجله. بل يمكن القول بأن الانتقال إلى النظام الرئاسي يهدف بالدرجة الأولى إلى أن يضمن الاستقرار السياسي فيما بعد أردوغان، وأن هذا الانتقال ليس مطروحا من أجله، بل من أجل مصلحة البلاد. وهذا ما يؤكده أردوغان نفسه كما جاء في كلمته بـــ”سمبوزيوم النظام الرئاسي” الذي نظّمه مركز سيتا للدراسات الإستراتيجية في الحادي عشر من الشهر الماضي في مركز الخليج للمؤتمرات بإسطنبول، حيث قال: “أردوغان فانٍ. وهل هناك ضمانة لبقائي على قيد الحياة حتى 16 أبريل؟ حاشا!”، ثم طرح ذاك السؤال: “ماذا سيكون بعد أردوغان؟”، وأجاب قائلا: “ما يقوله الشعب هو الذي سيكون، وما يريده الله هو الذي سيكون”.
ما بعد أردوغان سيكون هناك مرشحون يخوضون الانتخابات الرئاسية، ويتسابقون لكسب ثقة الناخبين، وسيختار الشعب من يراه الأصلح لحكم البلاد لفترة أو فترتين. قد يُنتخب أحد المرشحين في الجولة الأولى بالحصول على أكثر من 50 بالمائة من الأصوات. ولن تخلو تركيا من مرشحين مؤهلين لتولي هذا المنصب بجدارة. أما احتمال تشتت الأصوات في الجولة الأولى بين أكثر من مرشح صالح ليبقى فقط مرشحان فاسدان للتنافس في الجولة الثانية فهو وارد، ولكنه ضئيل للغاية، في ظل مستوى الوعي الديمقراطي الذي يتمتع به الشعب التركي، بدليل أن حزب الرفاه حصل في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 24 ديسمبر 1995 على 21.38 بالمائة من أصوات الناخبين ولكن حزب السعادة الذي يعد امتدادا له لم يحصل في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 1 نوفمبر 2015 سوى 0.68 بالمائة من الأصوات. ولا شك في أن حرص الناخبين على عدم تشتيت أصواتهم بين حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة، من أهم أسباب هذا التراجع الكبير في شعبية حزب السعادة.
النظام البرلماني المعمول به حاليا في تركيا يولِّد أزمات سياسية واقتصادية، وهو أمر مؤكد تمت تجربته أكثر من مرة. أما الشكوك التي تثار حول احتمال أن يؤدي النظام الرئاسي المقترح إلى أزمات فمبنية على فرضيات. وتقول القاعدة إن اليقين لا يزول بالشك. وليس من العقل والحكمة إضاعة فرصة التخلص من نظام تسبب في أزمات سياسية واقتصادية عصفت بالبلاد واستنزفت طاقاتها، لمجرد أوهام أو تساؤلات غير بريئة تثيرها قوى لم تكن يوما من الأيام تبالي بالإرادة الشعبية.
—
* المصدر: عربي 21.