قد لا يأتي أشر على أمته من رجلٍ بدّد هويتها، ونابذ عقيدتها، أو تاجر بأخلاقها، باسم التعايش أو الإبداع الثقافي، أو التواصل الإنساني والترفيهي، والاستفادة من الآخرين وهذا مصداق (حديث الضب) الذي حذّر منه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين! “لتتبعن سَنن من كان قبلكم… حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه” قاصدا اليهود والنصارى، وفي النهاية هي ضريبة التبعية العربية، والهوان الإسلامي، والانشغال بالتوافه على حساب الأصول والشعائر المستقيمة،،!
وأعظم الأبواب ولوجاً منها للتغيير التغريبي، والاستلاب الحضاري والفكري هو “الإعلام والثقافة”؛ لأن إنتاجها كثير، ويسير ساكناً بطيئا، ترفيهيا مستلطفا ومخادعا، بخلاف التغيير العسكري أو الراديكالي؛ فيكلف أموالا ومتاعب وأرواحا! ومن تلكم العلامات، التي تنكشف من خلال زواياهم الصحفية أو برامجهم الفضائية:
١- محاكاة الغرب على كل حال: في الجيد والرديء، والحسن والقبيح والخاص والعام، إلى أن يمتد ذلك لتوافه الأمور، وسفاسف الأخلاق والعوائد، وفِي الحديث: “من تشبه بقوم فهو منهم”. وحينما تسيطر على الألباب “حالة التشبه” اللاواعي، يورث ذلك عقدة التولي والتبعية المطلقة، وقد قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} سورة المائدة .
٢- الانبهار بالحضارة الغربية والإشادة بها: في كل محفل ودرس، وفي كل كتاب وصحيفة، وداخل كل منتدى وموقع، إشادة تلو إشادة، ويشح بذلك تجاه أمته ومنجزاتها، وما أحسن ما قاله الشاعر محمود غنيم رحمه الله:
استرشد الغرب بالماضي فأرشده *** ونحن كان لنا ماض نسيناهُ!!
والأليق تسميتها مدنية وليست حضارة، لانها متوحشة فكريا واخلاقيا، ولا تعترف إلا بإنسانية الرحل الأبيض الأوربي، قال بردوني اليمن:
قالوا هُمُ البشر الأرقى وما أكلوا *** شيئا كما أكلوا الإنسان أو شربوا !!
٣- اغتفار زلاتهم: بل شنائعهم العسكرية والأخلاقية، يتجاهلها، ويرى أن العرب كانوا سببا في استفزاز الغرب، وربما رحب بهم وحفزهم للبلع والاستيلاء حتى ينال بركة ديمقراطيتهم، كما كتبها بعض الحمقى !.
٤- عدم التفصيل في الحالة الغربية: فيثني علميا وأخلاقيا وإنسانيا، وبلا حدود.
وعلى سبيل المثال مؤخرا: انتشر مقطع للرئيس الأمريكي المغادر (أوباما) يمرجح ببعض الأطفال في حديقة بأمريكا،، فاسمع الثناءات الإنسانية وعبارات الشوق والتودد الرائقة..!.
أبصرتموه وما بصرتُم كيدَه/- في الشام أو شجنا من الأقطارِ!
وتناسى هؤلاء المثنون رضاه عن تدمير (سوريا) وسحق اَهلها وأطفالها، بالأسلحة المحرمة! وقد تقطعت أوصالهم، وسُحقت رؤوسهم، واهلك آلافا منهم الغازات، والغرقى الملقين على الشواطئ…!. ولم تحركه تلك الصور الهازة للشعور، والمُدينة للبشرية جمعاء! ولو رأت الحيوانات ذلك لاستنكرت،،!! بل لا لاموه في حينها، ولا بعدها! ولما نبتت بذرته الإنسانية بعد ثماني سنوات، من المواطأة والمداهنة، تطرزت إشاداتهم ومدائحهم لأوباما وأخلاقياته.
فامدح وغنّ للظلوم فمدحُكم *** قيحٌ لكم في الوجه والأعضاءِ
٥- إبرازهم ثقافيا على الإرث الثقافي المحلي: نحو الفكر والاجتماع والفلسفة والشعر والبحث العلمي والنقد الأدبي، وحتى العلوم التي نبغ المسلمون فيها أولا، يجحدون دور أمتهم وعلمائنا في ذلك، ويبصمون للغرب الصليبي فيها!.
٦- تضخيم أخطاء المسلمين:
بحيث يَرَوْن القذا في عيون إخوانهم، ولا يَرَوْن الجذع في عيون أنفسهم وأحبائهم من الغرب المعظمين.
فعلى سبيل المثال الحوادث الإرهابية المنسوبة لمسلمين يعتنون بها ويوظفونها في طمس الهوية وتوهين الخطاب الدعوي، وفِي (حدث كندا) مؤخرا هذه الأيام غضُوا الطرف عنه! وبات حالهم: لا أرى لا أسمع ولا أتكلم!
وأثبتت التحقيقات أنه متطرف مسيحي، ووصفه رئيس كندا بالعمل الإرهابي. والإعلام الليبرالي التغريبي ملتزم حالة المزهرية القديمة الباهتة!
٧- تسفيه التراث: وأنه مليء بالأغاليط ومواد العنف التي يستند لها الخوارج .
كتهمة التطرف والإرهاب، ومنابع للدعشنة والعنف القائم هذه الأيام، كمحاولة منهم لبت الأمة عن تاريخها كما هو منهج الحداثيين من عقود!. ومع انتشار مصطلح الإرهاب الإسلامي، لا تسمعهم يقولون أو ينددون بالإرهاب المسيحي أو الصهيوني برغم كل الفظائع الواقعة منهم..!
٨- مدح علماء الغرب وتجاهل علماء المسلمين أو الضيقة بإنتاجهم: وكم من بلد عربي خرج أفذاذا وعباقرة، لا تكاد تجد لهم ذكرا إلا من قبيل دعم الغرب له، أو خريج جامعات غربية!. ومن عداهم من المنتجين محليا، فحقهم التجاهل أو السخرية والاستهزاء..!
٩- تقويم المناهج الدعوية ونقد الأكابر: وفق أهوائهم وطرائقهم، والسرور بمشيخة متساهلة أو مأجورة، انكشف خطابها وبان عوارها، وأنها ليست من الغيرة والمحافظة الشرعية في شيء!.
ويراهن الغرب الصليبي كثيرا على (التغريبيين) من رواد علمنة أو جمّاعي لبرلة، ليوفروا عليهم كلفة التدخل العسكري وإعلان الاستعمار من جديد!.
١٠- التمركز الأنثوي: ودعاوى حقوق المرأة ومظلوميتها كإسقاط الولاية والسينما والسيارة ولباسها، وسفرها بلا محرم، وربما هذه الملف أخذ شطر جهدهم في الملفات الأخرى، لعلمهم وموكّلهم الغربي أن( الملف الأنثوي ) به انكسار الجُدر، واختراق الحُجب، ولذا يقاتلون عليه قتالا عنيفا، ويستفيد منه آخرون في الإشغال والإلهاء.!.
١١- التلبيس الشرعي: من خلال تأزيم المصطلحات الشرعية، وتسويد المتراخين دينيا والمسترخصين فقهيا، وأتباع (المدرسة البلعامية) (( آتَيْنَاه آيَاتِنَا فَانسَلَخ منها )) سورة الأعراف.
١٢- كراهة المُنجزات الغربية الضارة لطموحاتهم: نحو الفكر الانتخابي والتصويت وقضايا الديمقراطية والحريات، لاعتبارين أولاهما مجيئها بالإسلاميين، وثانيهما حمايتهم المستديمة للاستبداد وغفرانهم له كل التجاوزات الحقوقية..!
ولذلك لاتكاد تُطلق في ملافظهم البتة، وإذا لفظوها قالوا الوقت غير مناسب والشعوب لم تتهيأ لذلك!
لكن ضرب الهُوية الإسلامية والعربية والترويج الخلاعي، والضيقة بالحجاب والنقاب ونعته بالتشدد الديني، من أشد وأحكم أصولهم المبدئية والبنوية!.!
١٣- التهوين من التيارت الفكرية المعادية: نحو العَلمانية والليبرالية والماسونية والتغريب والاستشراق والإلحاد، واعتبارها (وهما إسلاميا) متشددا، يعيش نظرية المؤامرة المطلقة!.
وقدم بعضهم برامج إعلامية يتندر من ذلك، ويسخر بطريقه تخادع المشاهد وتستقطبه!
وهو أسلوب تبناه الصحفي الذايدي في برنامجه (مرايا)! عثرت عليه وأنا أرقم هذا المقال.!.
وهي نمطية فكرية يمارسونها من القدم، تبسيط الخلخلة الفكرية، لأنها من أهم مداخلهم السرية والمستولية على الدهماء والعوام!.
١٤- زعزعة الثوابت: بفقهاء مأجورين أو سطحيين، أو دعوى الخلاف الفقهي، أو قراءة عصرية للنصوص من جديد، لينتهوا للدعاية (للإسلام الأمريكاني)، وهو الذي يفرّغ الإسلام من مضمونه ويبتكر مضامين جديدة، تتماشى والنمط الغربي، نحو المساواة بين الجنسين، ورفض مصطلح الاختلاط، وأنه بدعة صحوية، فيشيعونه تحت مسمى العمل والدراسة والابتعاث وجلب الشهادات، ولقمة العيش وحرية الإنسان، وما شابهه!.!
ولا ضير عندهم بعد ذلك من اختلاط الأسواق، والجامعات والمهرجانات الغنائية، وأن تصبح المرأة مغنية أو راقصة أو قائدة تاكسي أو كاشيرات، أو تُرى في خلوة بالرجال بقصد العمل أو التغطية الصحافية، حتى رزئت النساء في أخلاقهن، وبدا مظاهر من التفكك الأخلاقي تتسع، والله المستعان.
١٥- تعطيل العقول تجاه مخرجات الغرب الثقافية والفكرية: وأنهم لتقدمهم المدني، علينا التشبث بهم والهرولة صوبهم دون تفكير، كما قال الأديب طه حسين سابقا، وسارت على آثاره جماعات من الكتاب والصحفيين والشعراء!. وفِي المقابل فتح آفاقه تجاه التراث الإسلامي وعلمائه وشرائعه.!
والتشبث بقصص مكذوبة أو روايات مطعون فيها، وإبرازها أنها التراث في بريقه وصفائه!.
من أصغر صغير لأتفه بليد!.
١٦- اختزال المعركة في التغيير التغريبي وعملية تحرير المرأة: في تجاهل تام للمعارك الأخرى ومشاكل الاستعمار والفقر والبطالة والإسكان، وأزمات الشام والعراق وأخواتها المحزنات الداميات!.
حفظ الله علينا ديننا وبلادنا ورد كيدهم في نحورهم.. والسلام!.
—-
المصدر: نوافذ.