قال خبراء ودبلوماسيون تونسيون: إن التعديلات الدستورية في تركيا، التي تخضع للاستفتاء الشعبي 16 أبريل الجاري، من شأنها “مركزة القرار السيادي التركي وتجنّب التشتّت”.
وأوضح الخبراء أن التحوّل من النظام البرلماني إلى الرئاسي، بموجب التعديلات، “الأنسب للبلاد” في الوقت الراهن، محذرين من بعض الصعوبات التي قد تعترض تطبيق هذا الانتقال.
ويقول سامي براهم، باحث في الحضارة العربية: إن ما يجب التأكيد عليه أن النظامين البرلماني والرئاسي كلاهما يجسّد النظام الديمقراطي.
ويضيف، بحسب “الأناضول”: النظام البرلماني عند تشتت الإرادة المركزية يصبح عاجزاً عن اتخاذ القرارات فيصبح النظام الرئاسي لائقاً أكثر.
ويرى براهم أن الأنظمة الرئاسية، ليست أنظمة فردية، بل الرئاسة هي مؤسسة كاملة تستأنس بمراكز بحوث ودراسات ومستشارين.
ويعتبر أن الجدل الحاصل حول الاستفتاء من قبل بعض الدول محكوم بموقع تركيا في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك من يريد أن تبقى تركيا في حجم مفروض عليها ألا تتجاوزه.
ورأى أن بعض الدول لا تتعامل مع الاستفتاء ضمن سياق موضوعي بل ضمن هواجسها الداخلية.
وبيّن براهم أن رد فعل بعض الجهات الغربية لا يعكس موقفاً من النظام الرئاسي بقدر ما يعكس الضمير الغربي المحكوم بمكبوت حضاري ديني قديم، إذ يعتبرون تركيا الدولة العظمى التي زرعت في قلب أوروبا وغزت عديد المناطق فيها.
ويضيف: لم يغفر الضمير الغربي لتركيا اختراقها لمركز الحضارة الأوروبية وهي القسطنطينية.
ويوضّح أن تركيا اليوم ليست تركيا العثمانية، بل دولة حديثة تحكمها قوانين وهي عضو في النظام الأممي.
مركزة القرار
الكاتب والإعلامي التونسي الحبيب بوعجيلة، اعتبر، بدوره، أن الاستفتاء في تركيا يندرج ضمن توجه عام في المنطقة والعالم يتمثل في العمل على مركزة القرار داخل الدول الوطنية التي تخشى وضعية التشتت على قاعدة تعدد لا تقوم فقط على الأفكار والتصورات بل على استحضار العرق والإثنية والمذهب والدين.
ويضيف بوعجيلة، منطقة آسيا تتجه نحو ديمقراطيات ممركزة تضع الأولوية للقومية أكثر من التعدد والتنوع الذي قد يضعف تلك الدول.
ولا يستبعد بوعجيلة، أن يعرف الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي بعض “الصعوبات”، وسيفهم منه أنه استعداء لمظاهر التعدد الذي تعيشه الأمة التركية في علاقة برغبة الأكراد في الحكم الذاتي ورغبة العلمانيين في حكم ديمقراطي لا يمركز القرار عند إسلامييها.
غير أن بوعجيلة شدد في الوقت نفسه على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادر على تمرير الاستفتاء لأنه سيربطه بمصلحة الأمة التركية.
وتطرق إلى مهاجمة جهات غربية لأردوغان وعلاقة ذلك بالاستفتاء، قائلاً: إن المهاجمة غير نابعة من حرص على الديمقراطية بل نابعة من خوفهم من اندفاع أردوغان بتركيا نحو دور مركزي في المنطقة وتحوّله إلى زعيم قومي له كل الصلاحيات.
بدوره، يشير الدبلوماسي التونسي السابق عبدالله العبيدي، إلى أن ما تمر به المنطقة العربية والإسلامية عموماً من تفتت لكيانات الدول يدل على وجود مخطط ممنهج لتفكيك المنطقة، لذلك من المفهوم أن تفكر تركيا في مركزة الحكم وتجميع أكثر السلطات في يد واحدة حتى لا تتلاشى السلطة وتؤول إلى تفكك الدولة مثلما حصل في عدة بلدان.
ويضيف: من حق الأتراك أن يكونوا حريصين على حماية وطنهم من خلال مراجعة نظام الحكم باعتبار وجود مخاطر، موضحاً أن هذه المخاطر قد يثيرها الغرب والحلف الأطلسي و”إسرائيل” وأمريكا.
واختتم الدبلوماسي التونسي بأن كل الجهات التي تتعارض مصالحها مع ما سيتم تعديله في الدستور التركي هي ردود فعل على أساس أن تركيا لم تذعن لمخططاتهم.
من جهته، يقول وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس: إن المبادرة السياسية والدستورية للاستفتاء تهم الشعب التركي وهو ناضج لاختيار ما يناسبه، وهو الحكم للخروج من النظام البرلماني المبني على ميزان القوى إلى نظام يحصر القرار السياسي بيد الرئيس.
ويرى الوزير التونسي الأسبق أن المعارضات الخارجية للاستفتاء متصلة بالأزمة التي تعيشها المنطقة.
ويتابع ونيس، في ذات السياق، أن تركيا كانت مفاوضاً شديداً مع أوروبا في قضية اللاجئين، فضلاً عن الصراع حول الحلول المستقبلية لقضايا الأكراد والسُّنة والشيعة وسورية، وهي تراكمات تجعل من المبادرة محل طعن من قبل أغلبية الدول الأوروبية.
وفي 21 يناير الماضي، أقر البرلمان التركي مشروع التعديل الدستوري الذي تقدم به حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والمتضمن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، في عملية تصويت سرية.
ونشرت “الجريدة الرسمية” التركية في 11 فبراير الماضي قانونًا يتيح طرح التعديلات الدستورية الخاصة بالتحول إلى النظام الرئاسي، في استفتاء شعبي.
وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا سعدي غوفن، في وقت سابق، أن الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية سيجري في 16 أبريل الجاري.
كما تنص التعديلات الدستورية على رفع عدد نواب البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائب، وخفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاماً.
ومن أجل إقرار التعديلات الدستورية في البلاد، ينبغي أن يكون عدد المصوتين في الاستفتاء الشعبي بـ”نعم” أكثر من 50% من الأصوات (50+1).