ذكرنا في الأمور التي تجب ملاحظتها قبل البدء بمعالجة المشكلة، ثم بيّنا الأصناف الأربعة لمظاهر كسل الأولاد أو مجالاته، ثم ذكرنا الأسباب الخمسة وراء هذا الكسل، والآن نذكر وسائل المعالجة.
الوسائل السبع لمعالجة الكسل
بعد أن ذكرنا مظاهر الكسل وأسبابه يمكن أن ندخل في ذكر وسائل العلاج بشيء من الإيجاز.
الوسيلة الأولى: بعث القيم الإيمانية، كأن نردّد في كل مناسبةٍ أمثالَ هذه المعاني والقيم والمفاهيم: الله تعالى أنعَم علينا بنعم لا تُعدُّ ولا تحصى، وهو يحاسبنا على تصرُّفنا في هذه النعم، نعمة السمع والبصر، ونعمة الصحة والشباب، ونعمة الوقت، ونعمة المال.. وهذه النعم تقتضي أن نوجهها في عبادته، وفي بناء أنفسنا ومجتمعنا والكون من حولنا، والله يجزي المحسنين والطائعين والصادقين خيراً، ويجزي المسيئين والمقصّرين والمنحرفين عذاباً، وهو سبحانه يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه.
نقول هذه الكلمات في كل مناسبة، ونرفق ذلك بأن نلتزم بها، لنحصل على رضوان الله تعالى أولاً، ولنكون قدوةً لأبنائنا ثانياً، فإذا فعلنا ذلك، فإن أثره سيظهر – بإذن الله – في مسالكهم.
أما إذا لم نتذكر هذه المعاني إلا في مواقف التأنيب لأبنائنا على تقصيرهم، أو لم يَرَوْا في سلوكنا ما يدل على إيماننا الحقيقي بها، فإن أثر ذلك يكون ضعيفاً، بل قد يجعلهم يقولون في أنفسهم: ألا يتذكّر آباؤنا معاني الإيمان إلا عندما يؤنّبوننا؟!
الوسيلة الثانية: التجاهل أحياناً لتقصير الأولاد وكسلهم، حتى نعطيهم الفرصة ليراجعوا أنفسهم ويُحسّوا بعواقب الكسل.
وإنما قلنا: “التجاهل أحياناً”؛ لأن كثرة الإلحاح والمتابعة قد تعطي مفعولاً عكسياً، وتؤدي إلى العناد والتحدي، ولأن التجاهل الدائم قد يجعل والولد يتمادى في سلوكه الخاطئ ولا يجدُ من يلومه عليه.
الوسيلة الثالثة: الصداقة والحوار وإضفاء مشاعر الحب والمودّة، فهذه المشاعر تفتح القلوب والعقول، وتفسح المجال أمام قبول النصيحة من غير تحرّج ولا عناد، وإن غياب الحوار يجعل النصيحة شبيهة بالأوامر الفوقية التي تثير التحدّي أو تجعل الولد ينفّذ الأمر مُكْرهاً أمام والده، ثم يتهرّب من التنفيذ سريعاً! كما أن الحوار المقترن بالعبوس والجفاف لا يختلف أثره عن الأوامر المجرّدة من الحوار، الحب هو الذي يفتح القلب أمام الحوار ويجعل له قبولاً.
الوسيلة الرابعة: إزالة أسباب التكاسل إذا أمكن ذلك، أو مساعدة الولد على معالجتها، وكل ما ذكرنا من الأسباب الخمسة للتكاسل، يجب التفتيش عنه، ومحاولة علاجه بقدر الإمكان.
الوسيلة الخامسة: التشجيع وحفز الهمّة، فالولد، مهما كان مقصّراً، يملك غالباً، جوانب مشرقة، ومواقف إيجابية، ومواهب مميّزة، فليدخُل المربّون إلى نفوس أولادهم من هذه النوافذ، ويشجّعوهم على ما فيهم من خير، ويعملوا على تنمية الإيجابيات، ويوجّهوا مواهبهم وهواياتهم توجيهاً حسناً، وتتعاون المدرسة والأهلون على ذلك كله، ويترافق التشجيع مع كلمة طيبة، وهديّة مناسبة، وقدوةٍ من الكبار.
ومن شأن هذا، إن حَدَثَ، أن يزيد من “الدافعية” ويرفع من “الهمّة” ويهيّئ “القابلية” للنصح والتوجيه والتسديد.
الوسيلة السادسة: بعث روح المنافسة، فالإنسان يجب أن يُثبت تفوُّقه على أقرانه، ويؤكّد امتلاكه لقدرات خاصة به قد يفقدها الآخرون، فإذا استثيرت روح المنافسة باعتدال، كان لها دور فعّال في تفجير الطاقات، وإثارة الهمم، وشحذ العزائم، وتجاوز القعود والتراخي والكسل.
على أن ذلك لا يجوز أن يكون محل مبالغة حتى لا تنقلب روح المنافسة إلى بغضاء وحسد وسلوك عدواني من ناحية، أو تنقلب إلى شعور بالنقص والعجز.
الوسيلة السابعة: العقوبة؛ ولقد أخّرنا هذه الوسيلة لأن مكانها التأخير، فلا يُلجأ إلى العقوبة إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى، ولتكن العقوبة معنوية؛ كالعتب والحرمان من بعض المزايا، قبل أن تكون مادية، ولتكن متناسبة مع السبب الذي دعا إليها، فعقوبة مَن تَرَكَ غسل الكأس التي شرب فيها ليست كعقوبة من ترك صلاته!
ولا يخفى أن استخدام الوسائل السبع المذكورة وما يشبهها يحتاج إلى كياسة ولباقة (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)، (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
(*) كاتب وعضو جماعة الإخوان المسلمين السوريين (سابقاً).
المصدر: موقع “إخوان سورية”.