استقبل الناس أمس أول شهر أبريل وقد تعود الناس فيه عادة قبيحة لم تنبت في أرضنا ولم تخرج من ديارنا، إنما اقتبست من بيئة غير بيئتنا ومن بلاد غير بلادنا، هذه العادة القبيحة السخيفة هي ما سموه كذبة أبريل.
يكذب الناس بعضهم على بعض في هذا اليوم، يتصل أحدهم بصاحبه أو تتصل إحداهن بصديقتها وتبلغها نبأ لا أصل له، قد يكون نبأ مفرحاً مهماً جداً ثم يظهر أن هذا شيء لا أساس له، وكثيراً ما يكون النبأ مزعجاً مروعاً مفزعاً يجزع الإنسان له ويضطرب له قلبه وفؤاده ثم بعد مدة يتصل الشخص مرة أخرى ويقول: لا لم يحدث شيء إنها كذبة أبريل، وكأن هذا أمر سهل هين، أن يكذب الإنسان الكذبة ليروع بها صاحبه ثم يقول هذه كانت مزحة وهزلاً.
وللأسف شاع الكذب في حياتنا كلها، ليس هذا الأمر وحده، هذا الأمر محرم من وجوه عدة محرم؛ لأنه كذب والكذب ليس من أخلاق المؤمنين وإنما هو من أخلاق المنافقين، “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان”، وفي حديث آخر: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً”، وفي بعض الروايات: “وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر”، المنافقون هم الكذابون، يكذبون في الدنيا ويكذبون في الآخرة، يكذبون على الناس ويكذبون على الله حتى يوم القيامة، (يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)..
هذا العمل محرم لأنه خلق منافٍ للإيمان، وفي بعض الأحاديث “سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً يا رسول الله؟ قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن بخيلاً يا رسول الله؟ قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن كذاباً يا رسول الله؟ قال: لا”؛ لأن الإنسان قد يكون من طبعه الجبن، فيخاف من خياله وتكون هذه هي طبيعته، وشخص شحيح لا يجود بالمال بسهولة فيمكن أن يكون المؤمن جباناً أو بخيلاً وإن كان هذا كما جاء في الحديث “شر ما في الرجل شح هالع أو جبن خالع”، ولكن ليس المؤمن كذاباً، لا يكون كذاباً، الله تعالى يقول: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون).
المؤمن لا يكون كذاباً، وجاء في الحديث: “يطبع المؤمن على كل خلة – أي على كل خصلة – غير الخيانة والكذب”، ولذلك أقول: هذا العمل القبيح (كذبة أبريل) هي حرام؛ لأنها كذب وكذب صريح، ثم أنها تفزع وتروع الإنسان بغير حق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً”، ولو كان ذلك بالمزاح والدعابة، جاء في الحديث أن الصحابة كانوا في مسيرة في سفر وكان أحدهم على راحلته فخفق، أي نعس، فلحظ ذلك بعض أصحابه فأخذ سهماً من كنانته حتى يبحث عنه فلا يجده فيفزعه، فانتبه الرجل ففزع ولاحظ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً”؛ أي يدخل عليه الفزع ولو كان مازحاً معه وهذا وجه آخر من وجوه الحرمة.
ووجه ثالث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كبرت خيانة، كبرت خيانة، أن تحدث أخاك بحديث هو لك مصدق وأنت به مكذب”، الرجل الذي يسمعك طيب القلب مسالم يسمع لك أن هذا كلام صحيح ويأخذ الأمر مأخذ الجد وأنت تكذب عليه، أنت تخون صاحبك بهذا، فهذا وجه ثالث من أوجه الحرمة في هذه القضية.
وجه رابع هو أن هذه العادة تقليد لغيرنا، تقليد أعمى ننقل عن الغربيين الغث والسمين والهزل والجد والطيب والخبيث وما يليق وما لا يليق، وهذا لا يناسب أمة جعلها الله أمة وسطاً وجعلها شهيدة على الناس، بوأها مكان الأستاذية للبشرية، ولذلك جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”، لا ينبغي أن يشيع الكذب في الحياة الإسلامية.
الحياة الإسلامية تقوم على الصدق ولا تقوم على الكذب والزيف، المسلم صادق هو صادق في نفسه وصادق مع أهله وصادق مع الناس أجمعين، صادق مع من يسالم وصادق مع من يحارب، هو صادق في كل حالاته، فإن الصدق خصلة من خصال الإيمان.
كان محمد صلى الله عليه وسلم مشهوراً بالصدق في الجاهلية والإسلام وحينما جمع الناس عند الصفا وقال لهم: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالواد تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟”، قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً، لم يكذب قط، وقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، الأنبياء من أول أوصافهم الصدق والأمانة، كل الأنبياء صادقون أمناء، وينبغي أن يكون أتباع الأنبياء صادقين، صادقين في أقوالهم وأفعالهم وأمور حياتهم كلها، ولذلك إذا شاع الكذب في الحياة فليست هذه حياة إسلامية.
نحن نرى حياتنا الآن للأسف الشديد تقوم على الكذب في أمور كثيرة، الحياة السياسية تقوم على الكذب وعلى الخداع والزيف، والحياة الاجتماعية تقوم على الكذب والحياة التجارية تقوم على الكذب، انتشر الكذب بين الناس، وأصبحوا يقولون هناك كذب أبيض لا يضر شيئاً، فيخترع له عذراً من الأعذار وهو غير صحيح، ويقول: هذا لا يضر، لا، إنه يضر ويضر كثيراً وكثيراً، لا ينبغي أن يلجأ المؤمن إلى الكذب.
——-
* المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.