لا نزال مع بعض المشكلات التي تواجه الحركة الإسلامية، والتي نلتمس في تحديدها، تكوين رؤية عامة حول أهم العقبات والمشكلات التي تحول بين الحركة وبين ساحات حراكها الأساسية، ممثلة في الجمهور.
ذلك الجمهور الذي هو أداة التغيير الرئيسة، والذي هو – أي التغيير على أسس المشروع الحضاري الإسلامي – هو الهدف الرئيس للحركة الإسلامية، وكذلك هو – أي الجمهور هذه المرة – الساحة الرئيسة لهذا الحراك الرامي إلى التغيير والإصلاح.
وفي هذا الصدد، نقف أمام مشكلة اتصال مهمة بين الإعلام الحركي، وخصوصًا الشبابي الطابع والمحتوى منه، وبين الجمهور المستهدف بالخطاب.
فالكثير من قنوات التواصل والاتصال التي تنتمي للحركة الإسلامية، أصبح خطابها في الغالب موجَّهًا للإطار الداخلي، وليس للجمهور العام.
ولا يقف الأمر عند مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما يمتد الأمر إلى المواقع الإلكترونية الحية، والقنوات الفضائية، وحتى وسائل الإعلام المباشر؛ مثل المؤتمرات والندوات، وما اتصل بذلك.
وهذا ليس عيبًا على إطلاقه؛ فمن المفترض أنه من بين أهداف الإعلام الحركي، مخاطبة الصف بالأمور التربوية والرؤى السياسية فيما يخص حدثًا ما، أو تنويره بشأن قضية ما.
ولكن المشكلة الرئيسة التي نناقشها في هذا الحيز، هي أن يقف الخطاب الإعلامي في الأمور التي من المفترض أن تخاطب بها الحركة الإسلامية، الجمهور العام، لأهداف سياسية واجتماعية تتعلق بقضية التغيير وكذا؛ أن يقف الخطاب ومحتواه عند حدود الصف الحركي؛ لا يتجاوزه.
هذا يجعل الجهد بلا طائل، في مقابل أنه من أولى أولويات المرحلة الراهنة، في ظل استحقاقات الأزمات المتتالية التي تواجهها الحركة الإسلامية في سياق “الربيع العربي” وتبعات ثورات الشعوب التي استهدفت منظومة الفساد والاستبداد ومصالح قوى الاستكبار العالمي، في أوطانها.
فمن أهم “جهود” الأنظمة والدول والحكومات، للتدافع ضد مشروع التغيير والإصلاح الذي حمله الإسلاميون، هو العمل على فصلهم عن الجمهور، والسعي إلى شغل المساحات التي تراجعت الحركات الإسلامية عنها بفعل الحرب التي استُخدمَتْ فيها مختلف الأدوات السياسية والإعلامية والأمنية، وحتى العسكرية الصريحة.
وشمل ذلك تشويه الحركات الإسلامية، والمشروع الإسلامي برمته، مع ربطه بـ”الإرهاب”، و”تخريب الأوطان”، وغير ذلك من الأمور السلبية التي وقرت في الصورة الذهنية لـ”الإسلاميين” بالكامل من دون تمييز بين تيار وآخر.
ولذلك، فهي بالأساس، كما تقول مراجع الحرب النفسية؛ معركة على قلوب وعقول الجماهير، وبالتالي، ومن باب أولى ألا يكون الخطاب الإعلامي للحركة الإسلامية واقفًا على أعتابها فحسب.
فمن المنطقي والبديهي، أن الصف الحركي مؤمن تمامًا بما تقوله الحركة من آراء، ويتبنى ما تتبناه من مواقف.
فهو ليس بحاجة إلى إقناعه بإجرام هذا النظام، أو ظلم ذاك، أو تنويره بواقع هو يعيشه في وطنه من ظلم أو فقر أو غير ذلك من مظالم.
ولكن مَن هو بحاجة للتنوير وللمعلومات وكذا؛ هو الجمهور العام؛ هو الذي يجب أن تخاطبه وتسعى إلى استعادة الأرضية التي فقدتها الحركة الإسلامية لديه في السنوات الأخيرة كما تقدم.
وهناك عدد من الأسباب التي تقف خلف هذه الحالة:
السبب الأول: ضعف الرؤية والمهنية لدى الكثير من الشباب الذين يتحركون في الفضاء الإعلامي باسم الحركة الإسلامية، وعدم وجود إطار ناظم لهم، يعمل على تجميع جهدهم وتوجيهه، وتصحيح مساره، وتعيين المطلوب بدقة إزاء الجمهورَيْن؛ الحركي الخاص، والجماهيري العام.
السبب الثاني: غياب التناول الواقعي للقضايا المطروحة، والاكتفاء في كثير من الأحيان، بالتناول القيمي للأمور، وهو أمر لافت للنظر في داخل إطار من المفترض أنه “حركي”، والحركية تعني رؤية الواقع كما هو، بكل سوءاته، ولكن مع السعي إلى تغييره وفق النظرة القيمية التي تنطلق منها الحركة الإسلامية، والتي تستند إلى الشريعة الإسلامية بالأساس.
وحتى هذا السعي للتغيير، يجب أن يتسم بالواقعية بدوره، ولا ينفصل عن مقتضاه في التعامل.
وهذه الحالة من اللاواقعية، أمام الجمهور العام، لا تعبر لديه عن قصور في أداء الحركة الإسلامية الإعلامي فحسب، ولكنه يراها كذلك بشكل أخطر؛ حيث يراها تعبر عن حالة من غياب الرؤية للواقع وكيفية إصلاحه، لدى الحركة الإسلامية، وهو ما يقود إلى مزيد من الانفصال بين الحركة والجمهور العام.
ويشمل ذلك في جانب منه، اكتفاء الكثير من المصادر الإعلامية والشخصيات الناشطة بمجرد النقد القيمي والسخرية من دون محتوىً حقيقي لتناول المشكلات التي يتم نقدها، سواء أكانت أوضاعًا اقتصادية أو سياسات تتبناها الأنظمة والحكومات الموجودة في بلدانها.
فمن المفترض أن الرؤية البنَّاءة تتضمن الأمرَيْن معًا؛ النقد أو حتى السخرية، والحلول، وليس الأول فحسب، وهذا الذي يضمن أن يتابعك الجمهور؛ لأنهم يريدون أولاً معرفة كيف يتعاملون مع مشكلاتهم، وثانيًا، يريدون أن يختبروا –كما تقدم– قدرة الحركة الإسلامية على تقديم بدائل.
السبب الثالث: وهو من بين الأمور التي يجب بالفعل أن تكون أمامها وقفة؛ حيث هي لا يليق بوسط إسلامي، ينطلق في صيروراته من الشريعة وأخلاقياتها، هو لجوء بعض المصادر والشخصيات المحسوبة على الحركة الإسلامية، إلى شيء غير يسير من التضليل، تحت بند التشهير بالأنظمة وممارسة التشويش عليها.
ولقد خلق ذلك أزمة من أسوأ ما يمكن بالنسبة للحركة الإسلامية لدى الجمهور في هذه الفترة الحساسة من تاريخها، وهي أزمة المصداقية.
فعلى أبسط تقدير لا يمكن قبول ممارسة الكذب من “إسلاميين”، وبالتالي؛ فإن هذه الحالة لا تطعن فحسب فيما تقدمه المادة الإعلامية على الوسائط المحسوبة على الحركة الإسلامية، وإنما، وهو الأخطر؛ تنزع الأساس القيمي والأخلاقي الذي تستند إليه الحركة الإسلامية في صراعها مع أنظمة الفساد والاستبداد الحاكمة.
وفي النهاية، وبالرغم من أنها مشكلات كما نراها، متعددة؛ فإنه من الممكن علاجها على المديَيْن المتوسط والطويل، بشيء من الجهد والعمل الجاد، الذي يعمل على ضبط المحتوى المقدم، وتجميعه في جهد موحَّد متعدد الاتجاهات والمستهدفات، وتنقية الصورة من التشويش الذي رافق الأداء في المرحلة الماضية، من أجل انطلاقة جديدة تعمل على تقديم أوسع وأشمل للحركة الإسلامية ومستهدفاتها في المرحلة الراهنة وفي المستقبل الذي يتطلب – في واقع الأمر – الكثير من العمل الشاق!.
المصدر: موقع “بصائر تربوية”.