يحيى إسماعيل: ما يُحاك ضد الأزهر استكمال لمخطط قديم بدأ منذ عهد محمد علي
هل يمكن أن نطلب مراجعة الإنجيل؟ وهل سيقبل المسيحيون هذا؟
شومان: هناك حاجة لخطاب فكري جديد يعي الفرق بين التجديد والتبديد
الشريف: النظام الحالي يريد تبعية الأزهر له وعدم استقلاله واعتبار شيخه موظفاً في الدولة
أمين الدعوة بالأزهر: بدلاً من الهجوم على الأزهر تكاتفوا معه لتنهض البلاد والعباد
عضو جبهة علماء الأزهر: إذا سقط الأزهر سقطت مصر والعالم الإسلامي
شهد الأزهر شيخاً ومؤسسة ومناهج، حملة شرسة في الفترة الأخيرة خاصة بعد تفجيرات كنيستي طنطا والإسكندرية، وهو نفس السيناريو الذي حدث تقريباً عقب تفجيرات الكنيسة البطرسية بالقاهرة، وعقب كل عمل إرهابي يتم فتح النيران على الأزهر، باعتباره المسؤول عمّا يجري من عنف، هنا وهناك؛ حيث بدأت وسائل الإعلام المصرية حملة شرسة على شيخ الأزهر ومطالبته بالاستقالة، في رسالة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فضلاً عن المطالبة بتغيير مناهجه، بل وانتقاد آيات قرآنية بزعم أنها تفرّق بين الأمة.
وقابل هذه الحملة المشبوهة حملة مضادة رفضت النيل من الأزهر، معتبرة إيّاه المؤسسة الوسطيّة التي تمثّل حائط صد أمام أي فكر متطرف، وليس العكس كما يدّعي من يهاجمون الأزهر، واعتبروا هذا الهجوم بهدف النيل من العقيدة الإسلامية من خلال الأزهر، خاصة عندما نال الهجوم والتطاول آيات من القرآن الكريم، والمطالبة بتغيير مناهج الأزهر، وهو ما عبّر عنه عدد من الرافضين لهذه الهجمة، في سياق هذا التحقيق الذي أجرته مجلة المجتمع والذي يتناول أسباب الهجوم وتوقيته والهدف منه.
مؤامرة على الإسلام
في البداية، يقول د يحيى إسماعيل – أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر-: إن ما يُحاك ضد الأزهر هو استكمال لمخطط قديم بدأ منذ عهد محمد علي بالسطو على أوقاف الأزهر، ثم التدخل في شؤونه واختيار قيادته، واستكمل المسلسل في عهد عبد الناصر فيما سُمّي بتطوير الأزهر، وما جرى بعد ذلك من تغيير لمناهج وإدخال العلوم غير الدينية، من خلال كليات علمية في محاولة للالتفاف على مناهج الأزهر الدينية، وهي رسالته الحقيقية من خلال كلياته الدينية، ثم استمرت الحملة حتى وقتنا هذا، وإن كانت بلغت ذروتها في عهد الشيخ محمد طنطاوي، حيث تم إلغاء سنوات من المراحل الدراسية، وبالتالي حذف مناهج هذه السنوات بالإضافة إلى حذف مناهج من مراحل أخرى، ثم وصلنا إلى ما نحن بصدده الآن والضغط باتجاه مزيداً من التنازل وتجريد الأزهر من رسالته ودوره.
وحول مناهج الأزهر قال الشيخ يحيى: إن مناهج الأزهر أصلاً تم إخلاؤها من مضمونها، سواء بتغييرها المناهج أو بحذف كم كبير منها، وبالتالي لا يوجد مناهج أزهرية حقيقية لتخضع لمزيد من الحذف، ولكن يبدو أن هناك من يريد أن ينهي قصة التعليم الأزهري من الأساس تحت دعوى احتواء المناهج على مضمون متشدد أو متطرف وهذا ليس صحيحاً.
وأضاف أستاذ الحديث بالأزهر: إن الأمر وصل إلى تجرؤ البعض بل والتبجح بتعليقهم على كتاب الله، وامتعاضهم بل ورفضهم لسورة الفاتحة، وتفسير آية (ولا الضالين)، وهذا شيء خطير لأنه يعد ردة والعياذ بالله، بل كفر لأنه لا يمكن أن ننكر آية من القرآن أو تفسيرها طبقاً للأحاديث الصحيحة، وهل يمكن أن نطلب مراجعة الإنجيل مثلاً؟ وهل سيقبل المسيحيون هذا؟ هذه أسئلة مطلوب الإجابة عليها، حسب إسماعيل.
وبالتالي لا يمكن قبول مثل هذا الكلام، ولكن الأصل في القصة كلها هي المؤامرة على الدين الإسلامي من خلال الهجوم على الأزهر ومناهجه.
مطلوب تجديد الخطاب الفكري
من جانبه، أكد عباس شومان وكيل الأزهر الشريف أنه لا علاقة بين الهجمات الإرهابية والمناهج التعليمية، وإن كان تطويرها الدائم مطلوبًا لمواكبة العصر، مؤكداً على أن الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، وعدم التفريط في الثوابت المتفق عليها تمثّل سمات أساسية في المنهج الأزهري، لافتاً إلى أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة من أخطر مراحله التاريخية، وعلى شعوب المنطقة مسلمين ومسيحيين أن يدركوا أننا إما أن نكون أو لا نكون، لأنه إذا دخل أحد بيننا فلن نكون.
وأكد شومان أن على المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية أن تعمل مع الأزهر في إطار خطاب هادف يناسب العصر ويدعم جهود المؤسسات الأمنية والعسكرية لتوفير الأمن وبسط السلام خاصة أن هناك حاجة لخطاب فكري جديد يعي الفرق بين التجديد والتبديد ويدرك خطورة المرحلة ويعلي المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو الانتماءات السياسية أو الفكرية، مشدداً على أن الأزهر أسبق المؤسسات على الإطلاق في استشعار الأخطار وأكثرها عملاً لوحدة الصف ولمّ الشمل، ومواقفه ودوره لا يقبل المزايدة، حسب قوله.
الهدف تدمير مصر
ووصف الكاتب الإسلامي خالد الشريف المتحدث باسم حزب البناء والتنمية هذه الحملة على الأزهر بالهمجية، وأنها تأتي في إطار خطة تدمير مصر، فمعروف على مر العقود أن رفعة ومكانة الأزهر كمنارة علمية ومؤسسة عالمية تصب في صالح الدولة المصرية، فمصر لو أرادت صدارة وريادة العالم فمن خلال الأزهر تتصدر العالم، وتقود الدول الإسلامية لأن الأزهر رمز الوسطية ومنارة العلم التي يذعن لها الجميع، بل إن تقوية ورفعة الأزهر وإفساح المجال لعلمائه سيقضي على التطرف والإرهاب في مصر وغيرها.
وأضاف الشريف: “لكن النظام الحالي ومن حوله يريدون تبعية الأزهر وعدم استقلاله واعتبار شيخه موظفاً في الدولة وبوقاً لهم وقد سرقوا أوقافه وقلّصوا دوره بعد ثورة 52 واليوم يريدون سحقه وتدميره”.
وأوضح الشريف: بالنسبة لمناهج الأزهر ليس بها تطرف ولا إرهاب بل تحتاج إلى تطوير وتقوية واهتمام بالمدرس وعناية بالطلاب؛ فهي تحتاج إلى دعم ورعاية وليس نسف وقتل من أبواق علمانية تكره الإسلام وأهله، ولن تنجح خطتهم، فالأزهر يعيش في وجدان المصريين وهو رمز عزتهم وسر قوتهم، وأطالب بمؤتمر وطني لدعم الأزهر وشيخه في تلك المحنة لمواجهة التطرف العلماني وقوى الظلام التي تسعى لتدمير الدولة المصرية والأزهر.
حقد دفين
أما الشيخ محمد زكي – الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر- فقال: إن كل هجوم موجه للأزهر الشريف ناتج عن “حقد دفين” لهذه المؤسسة الدينية العريقة، وإن الأزهر بُح صوته في قضية تجديد الخطاب الديني والجهود الكبيرة التي يبذلها من أجل هذه القضية بتعديل المناهج الدراسية والقوافل الدعوية المستمرة التي يطلقها والتواصل المباشر مع المواطنين، ولكن وسائل الإعلام لا تنظر إلى كل ذلك وتهتم ببرامج عديمة الجدوى في الضلال والزور ونشر الجنس والفحش.
وأضاف الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر: أن باب الأزهر مفتوح دائماً للتعاون مع مختلف الجهات المعنية في الدولة بتجديد الخطاب الديني، لأنه ينبغي أن تكون تلك الجهات على قلب رجل واحد للتصدي والدفاع عن البلاد ضد الإرهاب والتطرف، مضيفاً: “بدلاً من الهجوم على الأزهر ضعوا أيديكم في أيدي الأزهر لتنهض البلاد والعباد”.
منبر الوسطية
ورأى الشيخ أحمد همام – عضو جبهة علماء الأزهر- ما يتعرّض له الأزهر خيانة ومؤامرة عليه وعلى شيخه رغم اختلافه معه، مطالباً شيخ الأزهر بالتصدي لهذه الحملات والوقوف في وجهها والثبات أمام هذه الحملة وعدم التراجع أو الانصياع للأهداف الخبيثة وراء هذه الحملات لأنه إذا سقط الأزهر سقطت مصر والعالم الإسلامي، ولابد أن يخرج شيخ الأزهر على الرأي العام الإسلامي ويكشف له الأخطار الحقيقية التي يتعرض لها الأزهر، ويطالب المسلمين بالدفاع عن الأزهر والانتفاض ضد الحملة والغيرة عليه، لأنه يمثل جوهر الوسطية الإسلامية.
وأضاف الشيخ همام: أما ما يُقال عن مناهج الأزهر فهو مرفوض تماماً لأنه لا يمكن أن تكون هذه الحملة على مناهج تم حذف جزء كبير منها خاصة في المرحلة الإعدادية التي حُذف جزء كبير من مناهجها، وبدأ ذلك في عهد شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي، وهو الذي قام بتخفيض عدد سنوات الدراسة، حيث تم حذف السنة الرابعة في المراحل الإعدادية والثانوية، وبالتالي انعكس هذا على حجم المناهج بالتأكيد، وتم حذف مناهج هذه السنوات، وليس صحيحاً أن المناهج تحض على الإرهاب أو التطرف، بل بالعكس، الأزهر منبر الوسطية، وهذا ينعكس بالطبع علي مناهجه، إلا إذا كانوا من ينتقدون المناهج يريدون حذف آيات القران والأحاديث الدينية الصحيحة فهذه قصة أخرى.