شدد عدد من الباحثين والمؤرخين العرب على أن الدولة العثمانية لم تكن استعمارية، وأن السلطان عبدالحميد الثاني ملهم الأجيال في الكفاح والنضال والصمود.
جاء ذلك خلال ندوة نظمتها هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات “IHH” التركية، أمس السبت، بعنوان “نظرة العالم الإسلامي للخليفة عبد الحميد”.
الندوة أقيمت بالعاصمة التركية أنقرة، بمناسبة مرور 100 عام على وفاة السلطان عبدالحميد، بحضور عدد كبير من الأتراك وأبناء الجالية العربية.
وشارك في الندوة، كل من الفقيه والمؤرخ الإسلامي الليبي، على محمد الصلابي، والباحث في التاريخ الإسلامي عبدالغني الأهجري من اليمن، والباحث في الشأن الفلسطيني موسى عكاري.
وقال الصلابي في كلمته: إن السلطان عبدالحميد لم يمت لأنه عاش بقيمه ومبادئه وسيرته التي تستلهم منها الأجيال كافة أنواع الكفاح والصمود والنضال والشجاعة والذكاء والدهاء وحسن الصلة مع الله.
وأوضح أنه لولا الله ثم الدولة العثمانية لكانت ليبيا وتونس والجزائر الآن دول نصارى.
وأضاف أنه كان هناك مخطط من إسبانيا والبرتغال ودول أوروبية أخرى للقضاء على الإسلام في شمال أفريقيا، مؤكدًا أن الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول (تاسع السلاطين) وسليمان القانوني (عاشر السلاطين) تصدت لهذه الحملات.
وأشار المؤرخ الإسلامي إلى أن السلطان عبدالحميد أذاق أعداء الله أنواعاً متعددة من العذاب النفسي والمادي والمعنوي.
الصلابي تابع موضحاً: التاريخ العثماني في عمومه تعرض لحملات تزوير وتشويه ممنهجة من دول على رأسها فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية وأذنابهم في الدول العربية، إضافة إلى المحافل الماسونية التي شكلها الأعداء.
ولفت إلى أن السلطان عبدالحميد استفاد من التقنية والتقدم في الكثير من المجالات عند الغرب، ونقلها إلى الدولة العثمانية مع المحافظة على المبادئ والقيم المستمدة من الإسلام والقرآن الكريم وتاريخ الأمة العظيم.
في ذات السياق، تابع قائلًا: من أهم أعمال السلطان عبدالحميد كان تطوير جهاز الاستخبارات لجمع المعلومات عن الأعداء في الداخل والخارج وللتصدي لمخططات الإنجليز والدول الأوروبية.
واستطرد: السلطان عبدالحميد كان يملك القوة العسكرية التي تستطيع أن تسحق حركة التمرد التي قام بها (أعضاء جمعية) الاتحاد والترقي لكنه فضل عدم سفك الدماء واعتزال السلطة.
بدوره، أكد الباحث اليمني الأهجري أن الخلافة العثمانية لم تكن محتلة للجزيرة العربية، التي لم تكن تمثل أي أهمية اقتصادية أو سياسية بالنسبة لدولة كبيرة وعظمى مثل الدولة العثمانية.
وأشار إلى أن الدافع الحقيقي لرغبة العثمانيين في السيطرة على أراضي الجزيرة العربية كان له بعد ديني، فقد كان يغلب عليها الصحراء، وماذا يمكن أن تمثل هذه البقعة الجغرافية من الناحية الاقتصادية والعسكرية للدولة العثمانية، لقد كانت تلتهم الإمكانات العثمانية وعبئًا كبيرًا عليها، فلم تكن وقتها تمتلك البترول.
وأوضح أنه لولا أنها كانت منفذًا للحرمين الشريفين لما أرادت الدولة العثمانية السيطرة عليها، والتي خسرت من أجل السيطرة عليها المال والنفيس والعديد من قواتها وإمكانياتها العسكرية.
في ذات النقطة، شدد على أن الهدف الرئيس (من السيطرة على الجزيرة العربية) كان المحافظة على الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة، ومن أجل أن تبقى تحت السيطرة العثمانية قدم السلطان عبدالحميد ما لا يتصوره عقل.
وأضاف: محافظة الدولة العثمانية على اليمن من خلال قتال الزيديين فوق الجبال كانت كأنها تمسك الجمرة بيدها وهذا دليل على أنها كانت ترغب في حماية المسلمين.
وتطرق الأهجري إلى الخدمات التي قدمها العثمانيون لليمن بالقول: الدولة العثمانية وخاصة في عهد السلطان عبدالحميد قدمت خدمات لليمن لم تقدمها الحكومات التي تعاقبت على السلطة حتى يومنا هذا.
وأشار إلى أن الأرشيف العثماني في اليمن مليء بالوثائق التي تثبت وجود الخدمات الصحية والمستشفيات والخدمات التعليمية التي انتشرت في مراكز المدن وكافة الأقضية.
كما تابع قائلاً: إضافة إلى إنشاء الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد صيدلية كبيرة امتلأت بكافة أنواع الدواء المتوافرة الذي كان توزع للفقراء مجانًا، وهو ما لا يحدث الآن على أيدي الحكومات اليمينة.
الأهجري لفت كذلك إلى أن السلطان عبدالحميد أنشأ مستشفى عسكريًا كبيرًا في العاصمة اليمنية صنعاء تتسع لـ370 سريرًا، كانت تقدم الخدمات الطبية للجميع، مشيرًا إلى أنه بعد انهيار الدولة العثمانية بعامين قام الإمام يحيى (حميد الدين المتوكل إمام الزيدية في اليمن) بهدم المستشفى وبناء قصر له بدلًا منها.
وتابع: الدولة العثمانية لم تكن كما يدّعي بعض القوميين العرب بأنها قوى استعمارية ودولة احتلال، بل على العكس قدمت الخدمات في كافة المناطق التي سيطرت عليها.
الباحث اليمني تابع متسائلًا: لقد أمر السلطان عبدالحميد باستقدام 83 يمنيًا إلى إسطنبول وبعدها بفترة 40 آخرين من أجل تلقي تعليمهم في كافة المجالات والعودة لليمن لإحيائها وتعميرها، فأين تهمة الاحتلال وهل تسعى الدول المحتلة لتعمير اليمن على أيدي كادر من أبنائه؟!
واختتم الأهجري حديثه بالقول: فكما أن اليمنيين القدماء علّقوا آمالًا في الخلاص من البلاء والمشقة في عودة العثمانيين، ما زال اليمنيون إلى اليوم من ضمن من يعلق الآمال على الدور التركي المعاصر.
وأوضح أن أكثر الأسماء المركبة المنتشرة في اليمن بعد عبدالله هو اسم عبدالحميد وذلك تيمنًا بالسلطان العثماني وحبهم له.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الفلسطيني موسى عكاري: إن كنا نتحدث الآن عن السلطان عبدالحميد فإننا نتحدث بحسرة وألم عن صخرة من صخور الإسلام التي وقفت أمام الغرب، دافعت عن قضية الأمة، وخصوصاً القضية الفلسطينية.
وأضاف عكاري (أسير محرر): موقف السلطان عبدالحميد في وجه الصهيونية لم يقفه أحد من زعماء الأمة منذ وفاته قبل 100 عام.
وتطرق في حديثه إلى اللقاء الذي جرى بين السلطان عبدالحميد ومؤسس الصهيونية تيودور هرتزل، وموقفه الذي سطره التاريخ من ذهب عندما رفض إعطاء اليهود فلسطين أرضًا مقابل إغراءات عديدة على غرار إلغاء كافة ديون الدولة العثمانية.
وتحدث عكاري عن اتفاق الصهيونيين والغرب على زرع دولة يهودية داخل الجسم العثماني وذلك في مؤتمر عقد عام 1907، وأنهم وباتفاقهم مع قوى الاتحاد والترقي والماسونية إضافة لبعض القيادات العربية الخائنة في ذلك الوقت، وصلوا إلى بغيتهم بعد عامين عندما أسقطوا السلطان الحميد وتمكنوا بعد ذلك من زرع ما يسمى بدولة “إسرائيل”.
ولفت إلى أن غياب السلطان عبدالحميد كان غيابًا للأمة وضياعًا للقدس.
كما لفت إلى أنه كما كان قبل 100 عام بعض الخونة، فقد عادوا بنفس الوجوه في الوقت المعاصر ليقوموا بنفس الألاعيب والمؤامرات ويقفوا مع “إسرائيل” من أجل تصفية بيت المقدس وقطع رأس المسجد الأقصى وتشييد هيكل سليمان المزعوم والقضاء على ميراث السلطان عبدالحميد.
وفي نهاية حديثه، أكد عكاري أن المشهد لم ينته بعد، فهناك مقاومة من أجل نهضة الأمة الإسلامية التي ترفض كل ما يحاك لها من ألاعيب.
والسلطان عبدالحميد الثاني (ولد في إسطنبول عام 1842 وتوفي فيها عام 1918)، هو السلطان الـ34 بين سلاطين آل عثمان، والـ26 ممن جمعوا بين الخلافة والسلطنة، فضلًا عن أنه الخليفة الـ113 بين خلفاء الدول الإسلامية المتعاقبة.
وتولّى الحكم عام 1876، وانتهت فترة حكمه عام 1909.
وعُرف عبدالحميد الثاني كأقوى وأدهى سلاطين آل عثمان؛ حيث شهدت فترة حكمه تحولات صناعية وإصلاحات دستورية مهمة، إضافة إلى إعادة هيكلة الدولة ومأسستها، وهو ما جعله في مواجهة دبلوماسية وعسكرية مع القوى الكبرى الطامعة في أراضي الدولة العثمانية.