نظّم ، يوماً دراسياً حضرته “المجتمع”، تناول فيه دور قيم الاعتدال والتسامح في مواجهة التطرف، قدّم له رئيس المركز رضوان المصمودي، وحاضر فيه كل من د. منير رويس، مدير المعهد العالي لأصول الدين، ود. عفيف الصبابطي، أستاذ الحديث في جامعة الزيتونة، ود. محمّد الشتوي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول الحضارات والأديان المقارنة، ود. بثينة الجلاصي، أستاذة الحضارة الإسلامية.
تهديد للمستقبل
اعتبر مدير مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، د. رضوان المصمودي التطرف على جانبي الوسطية تهديداً للمستقبل المحلي والإقليمي والدولي، ويتغذى أحدهما من الآخر، مشيراً في هذا الصدد إلى حالات التطرف والتطرف المضاد الذي عرفته بلادنا والمنطقة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد ثورات “الربيع العربي”، حيث شاهدنا جرأة على الدين، وجرأة على الدم المحرم من قبل بعض المجموعات المتطرفة، مؤكداً أن ظاهرة الإرهاب تهدد مستقبل البلدان التي تبتلى به، منوهاً في ذات الوقت بالقدرات الدفاعية الثقافية والأمنية والعسكرية التي تطورت في الفترة الأخيرة، رغم أن التصدي بالقوة المسلحة للإرهاب يأتي كخط أخير حيث يتصدر الفكر المعتدل والمساجد والدعاة والمفكرين للغلو والتطرف من الجانبين، ويؤكدون أن الفكر لا يواجه سوى بالفكر والحجة بالحجة.
واجب العلماء والباحثين
من جانبه، أشار د. منير رويس، مدير المعهد العالي لأصول الدين، إلى أهمية تقديم الفكر على المعالجة الأمنية، لأن المسألة في أساسها فكرية، مؤكداً ضرورة تقديم فكر راسخ في مرجعيته، مستجيباً لقضايا العصر، ونشرها في المجتمع مروراً بالجامع والجامعة على حد تعبيره، وأوضح بأن اليوم الدراسي الذي يقيمه مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، بالتعاون مع جامعة الزيتونة والمعهد العالي لأصول الدين، يأتي في إطار الإشعاع الأفقي والعمودي وعلى المستويين الأكاديمي والشعبي لنشر فكر الاعتدال والوسطية، الذي هو وسط بين تطرفين، وتوجيه الناشئة لحسن التعامل مع الآخر، والفكر الآخر من خلال نماذج من الفكر الإسلامي الحديث.
الوسطية هي الحل
حول هذا المفهوم، قدّم د. عفيف الصبابطي لمحة عن مفهوم الوسطية، انطلاقاً من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة: 143)، عارضاً ما قيل في الوسطية التي هي وسط تحيط به المتناقضات، كما يعني المكان المنيع والآمن، وفي كلام العرب: تطرفت الشمس أي مالت للغروب، وتطرفت الناقة عندما تذهب لأطراف الحمى، ولذلك مدح المولى في القرآن أمة الإسلام، واعتبرها “خير أمة أخرجت للناس”.
وقال: إن من يحب الله يحب خلقه، ولا يؤذيهم، وحب الخلق مطية لحب الله، كما أن الصدق والوفاء والخلق من التسامح والاعتدال الذي وصف به المولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4}) (القلم)، ولذلك جاء النبي ليتمم مكارم الأخلاق لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، ولا شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق”، وفي الحديث: “والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تتحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وتحدث الصبابطي عن ثلاثة مبادئ للوسطية حسب تقديره وهي، كف الأذى، والصبر على الأذى، والإحسان للآخر، ومن الإحسان القول الحسن؛ (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83)، وملاقاة الناس بوجه طلق، والكلمة الطيبة صدقة، والإحسان مادي ومعنوي؛ “من نفّس عن مسلم كربة من مرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب الآخرة”.
العلم في مواجهة التطرف
وتناول د. محمد الشتوي، مسألة التكوين العلمي في مواجهة المتطرفين عن يسار ويمين الوسطية، فقد تقمص من هم في مستوى ما علم من الدين بالضرورة، دور العلماء ومصاف العلم وهو فرض الكفاية، وهو ما يفهم من قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران: 104) وهم المقصودون في قوله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”، وأشار إلى أن الغالين والجاهلين ينسبون للإسلام أشياء ليست منه لجهلهم بالإسلام ومقاصده، وهم في الفسطاطين المتطرفين؛ فسطاط الإفراط، وفسطاط التفريط، وكلاهما ينعت العلماء بالجهل والتخلف والضعف في مواجهة أحدهما، تالياً قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83).
نماذج معاصرة
إلى ذلك قدمت د. بثينة الجلاصي، نماذج حية عن دور علماء الزيتونة المعاصرين في مواجهة التطرف الخارجي، والتطرف اللائكي المعادي للدين وإن تسربل بالاجتهاد الذي هو ليس أهلاً له، وذلك من خلال أشرطة فيديو مسجلة لعلماء وخطب الجمعة تؤكد أن هناك دوراً كبيراً يؤديه العلماء بالصوت والصورة والتاريخ والساعة في الجامعة والجامع والمجتمع.