نحو مائة ألف مدخل معجمي، مرتبة ترتيباً تاريخياً من أقدم نقش أو نص حتى عام 200هـ، تضمها المرحلة الأولى أو التأسيسية لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، التي تم تدشينها مؤخراً في قطر، ليشكل المعجم مشروعاً للأمة، يصون هويتها، ويحفظ لغتها الفصحى.
يتناول د. عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في حديثه لـ»المجتمع»، الأهمية التاريخية لهذا المشروع الكبير، وأهم ما يميزه، بالإضافة إلى حديثه عن مستقبل هذا المعجم وانعكاساته على أبناء اللغة العربية، وما يتمايز به عن غيره من معاجم اللغات الأخرى.
ما الأهمية التي تميز بها معجم الدوحة التاريخي للغة العربية؛ ما يجعله مشروع أمة؟
– تكمن أهمية المعجم في أن الأمة أصبحت بوجود معجم تاريخي للغتها قادرة على أن تجمع تراثها الأدبي والديني والعلمي والثقافي المبثوث في النصوص جمعاً واحداً، وينبني على ذلك أن الأمة العربية أصبحت قادرة على إضفاء طابع النظام على فكرها في سيرورته التاريخية، كما انعكس في مرآة لغتها.
وأؤكد أن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يجمع لغة هذه الأمة بألفاظها ومبانيها، على خط الزمن منذ أن كانت إلى يومنا، خاصة أن صفة الأمة تكتسب مشروعيتها من الناحية التاريخية، علاوة على اكتساب صفتها من الناحية اللغوية والواقعية.
من هنا، فإن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ينفرد بإنجازه على غير منوال سابق في اللغة العربية، بإعداد زهاء مائة ألف مدخل معجمي، مرتبة ترتيباً تاريخياً من أقدم نقش أو نص إلى عام 200هـ، وهذه مرحلة تأسيسية للمعجم.
ما مدى تأثير هذا المعجم على مستقبل الناطقين باللغة العربية؟
– المعجم يقدم ذخيرة مهمة من ألفاظ اللغة العربية التي قد تكون أُهملت في الاستعمال أو تناساها الناس أو لا يعرفون دلالاتها، أو التطورات الدلالية التي لحقتها والمعاني التي رصدتها، ولذلك فهو خزان لهذه اللغة يحفظها، كما أنه خزان للاستفادة منه في المستويات البحثية والتعليمية، فضلاً عن أنه يفتح أفقاً جديداً في اللغة العربية بمجال صناعة المعاجم وفق معايير ومبادئ الصناعة المعجمية المعاصرة.
هل هناك خطة إعلامية للتعريف بمعجم الدوحة التاريخي في العالم العربي؟
– نعم.. هناك خطة للتعريف بالمعجم ليس في العالم العربي فقط ولكن في الغرب أيضاً، وسوف نتعرف من خلال البوابة الإلكترونية على التفاعل مع المعجم، ويمكن للباحثين إبداء آرائهم وأفكارهم التي تضيف للمعجم.
وأؤكد أن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية طفرة، وهو متاح للجميع، ولكن مع ضرورة التسجيل بالبوابة الإلكترونية، وقد نتخلى عن هذا التسجيل، ليصبح متاحاً دون أي قيد، لكن حتى الآن سيظل التسجيل مطلوباً لمن يريد أن يتفاعل مع المعجم، أو يعلق بملاحظات، وهذا أمر مهم للغاية.
وفي هذا السياق، نسعى إلى أن نتفاعل مع الجمهور، والعلماء المهتمين باللغة العربية، وأن يكون لهم نصيب في المشاركة، لكننا لا ندعي الكمال، ونريد من كل المهتمين والباحثين والخبراء أن يشاركوا في تطوير هذا المعجم، بإضافة كلمة جديدة أو تاريخ دقيق.
هل يعني هذا أن هذا المعجم متاح للإضافة من قبل النخبة والمهتمين عموماً؟
– نعم، فنحن نرحب بكل هذا، ونعده عملاً مهماً، وهذا أيضاً كان من جوانب تسمية المعجم بـ»معجم الأمة»، لأنه عمل جامع متاح للجميع، وأريد التوضيح بأن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية عمل تأسيسي منفتح على المراحل الموالية، وقابل للتحديث المستمر، ومفتوح أمام مشاركة العلماء والباحثين باقتراح التصويب والتعديل والإغناء.
ما عدد الفريق الذي اشترك في إعداد هذا المعجم؟
– شارك في هذا المشروع قرابة 300 باحث من أساتذة الجامعات المختصين في الدراسات اللغوية واللسانية العربية ينتمون إلى عدد من الدول العربية.
ويضم المعجم مواد المرحلة الأولى الممتدة من أقدم نقش عربي موثق إلى حدود نصوص العام 200هـ، والمتضمنة لزهاء مائة ألف مدخل معجمي بناء على مدونة مهمة من النصوص العربية، كما سبق أن أشرت.
واعتمدت هذه المشاركة على اختيار الكفاءات وممارسة الحوار العلمي الجماعي الذي يعلو على الحساسيات الفردية أو العقد المحلية أو القُطرية، وكان ذلك كله كفيلاً بتحقيق المشاريع الكبرى التي ليست مفيدة للعرب فقط، ولكن للإنسانية جمعاء؛ فلقد تم إنجاز هذا المعجم خلال 5 سنوات، وفي هذا دليل واضح على الوتيرة التي تم الاشتغال بها لإنجاز هذا المشروع الكبير.
وأؤكد أن المشروع مهم على مستويات عديدة؛ فهو دليل على عدم استحالة أي شيء إذا حسنت النوايا، وتوافرت الإرادة، خاصة إذا كان التصميم جاداً، ويحظى بمتابعة دقيقة.
كيف يمكن تصنيف المعجم بالنسبة للسياق العالمي والخاص بالمعاجم التاريخية العالمية؟
– لا شك أن هناك أوجه ائتلاف واختلاف بين معجم الدوحة للغة العربية والمعاجم التاريخية لبعض اللغات العالمية، غير أن معجم الدوحة يتفرد بالعديد من المبادئ المنهجية والخصائص والوظائف وتقنيات الصناعة المعجمية وإدارة الإنتاج والنشر وغيرها.
ولا شك أنه بتدشين هذه المرحلة من معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، فإننا نكون قد غطينا سبعة قرون من عُمْر اللغة العربية، ما بين القرن الرابع قبل الهجرة النبوية، حتى القرن الثاني بعدها، وهذا بعث جديد للأمة بأن أصبح لها معجم تاريخي للغتها؛ وهو ما يجعلها قادرة على أن تجمع تراثها الأدبي والديني والعلمي والثقافي المبثوث في النصوص.
ونحن أمام مشروع يستحق جل العناية والاهتمام باعتباره مشروعاً حضاريا يعزز مكانة اللغة العربية، ويجدد مجالات البحث والدراسة في حقولها العلمية كافة، وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه المشروعات التي تدعم اللغة العربية في زمن تواجه فيه تحديات متنوعة، وتتطلب منا حمايتها والمحافظة عليها باعتبارها رمز هويتنا وأساس وجودنا.
كيف يمكن الاستفادة من هذا المعجم في المعاجم الأخرى المتخصصة للعلوم الإنسانية؟
– لا شك أنه في المستقبل يمكن الاستفادة من معجم الدوحة التاريخي في معاجم أخرى متخصصة في المصطلحات الشرعية والأدبية والكيميائية والفلسفية والمنطقية والجغرافية والفيزيائية والطبية، وغيرها من العلوم الأخرى التي عرفها العرب، علاوة على استخلاصنا لمعجم لألفاظ الشعر الجاهلي، وألفاظ اللباس، وألفاظ الحضارة، ومعاجم تعليمية مثل معجم الأفعال أو الأسماء، إلى غير ذلك، وكل ذلك سيساهم في استخلاصنا للمصطلحات فيما يتعلق بموضوع بعينه.