لاحظ محللون أن الحكومة المصرية تتجه لبيع شركات ومشاريع بنية أساسية استدانت من قبل لإنشائها، وذلك في سبيل سداد ديون ضخمة بلغت نسبتها 89% من الناتج المحلي لتلتهم معظم الميزانية المعدة للعام المالي الذي يبدأ في يوليو القادم.
وقال وزير الكهرباء محمد شاكر في تصريحات صحفية له قبل أيام: إن وزارة الكهرباء لم تبت بعد في العروض المقدمة لشراء محطات كهرباء سيمنز العملاقة، التي لا تزال الحكومة تسدد ديون إنشائها.
وذكر أنه في حال إتمام الصفقة، فسوف يتم توقيع اتفاق شراء طاقة مع “إدرا أو زارو” اللتين تعرضان شراء المحطات، وسوف تبيع الشركة المشترية الكهرباء للحكومة وتعمل بجانب شركة سيمنز في إدارة المحطات.
واعتبر شاكر أن مثل هذه الصفقة ستجلب تمويلاً لمصر التي خفضت دعم الطاقة، وخفضت قيمة عملتها لإنعاش الاقتصاد.
وبحسب وكالة “بلومبرج”، عرضت شركات عالمية شراء ثلاث محطات من مصر لتوليد الكهرباء اشتركت في تأسيسها شركة سيمنز.
وتكلفت المحطات الثلاثة نحو 6 مليارات يورو (6.7 مليار دولار) وتم تمويلها بشكل رئيس من قبل مجموعة من المقرضين الدوليين.
وقالت صحيفة “الشروق” القاهرية: إن قناة السويس تأخرت عن سداد 450 مليون دولار تتمثل في ثلاثة أقساط، في ديسمبر 2017، ويونيو 2018، وديسمبر 2018م، مؤكدة أن وزارة المالية ستتحمل مديوناتها أمام البنوك الدائنة، لكن سرعان ما نفى مجلس الوزراء هذا الخبر.
وفي سياق مواز، قال محافظ البنك المركزي طارق عامر: إن برنامج الطروحات الحكومية للبيع لهذا العام يشمل شركات ومؤسسات تبلغ قيمتها نحو 430 مليار جنيه (الدولار بنحو 16.70 قرش).
تطور خطير
ويمثل الاتجاه لبيع مشاريع بنية أساسية ومزيد من المؤسسات العامة تطوراً نوعياً لافتاً، برأي محللين، لا يؤشر فقط على وضع خطير لمستوى الديون والعجز عن سدادها، ولكنه ينذر أيضاً بسياسة أخطر في علاج أزمة الديون بما يفضي لتمليك الأجانب مفاتيح عصب الاقتصاد المصري.
وتجاوزت الديون حدود الأمان، بحسب أرقام البنك المركزي الأخيرة، التي أظهرت ارتفاع إجمالي الديون الداخلية والخارجية إلى 311.5 مليار دولار.
ونهاية العام الماضي عقدت اللجنة الاقتصادية بالبرلمان اجتماعاً لمناقشة أسلوب الحكومة في إدارة القروض التي تحصل عليها مصر من جهات تمويل خارجية، وطلبت اللجنة من الحكومة إرسال تقرير شامل عن القروض السابقة التي حصلت عليها مؤسسات الدولة خلال السنوات الأخيرة.
وردت وزيرة التعاون الدولي سحر نصر بأن الاقتراض الحكومي الخارجي “استثمار للمستقبل”، وتابعت أمام اللجنة: إن الوزارة وضعت إجراءات تتضمن إعداد “دراسات جدوى قبل الشروع في إبرام أي اتفاقية للاقتراض، لضمان القدرة على السداد، ورفض أي اقتراض لا يحقق عائد وتنمية حقيقية وذي قدرة على السداد”.
ويرى خبير الاقتصاد الدولي د. أشرف دوابه أن السياسة العامة للدولة المتمثلة في الإفراط في الديون وترقيع الديون هي الخطر الحقيقي على البلاد، وفي سبيل معاجلة الأزمة بدأت الحكومة تتجه لبيع الأصول، “مثل من يفلس ويبدأ يبحث عن بيع ممتلكاته”.
ولفت دوابه إلى أن الحكومة اتخذت هذه السياسة من البداية من أجل مشروعات مظهرية ولا تحقق قيمة مضافة حقيقية سواء للعاصمة الجديدة أو مشروع قناة السويس.
وطالب دوابه الحكومة بأن تغير سياساتها كلياً بإعادة جدولة الديون ومحاولة التفاوض مع الدائنين، مع منح القطاع الخاص مجالاً للحركة، مستدركاً: ولكن ذلك لن يتحقق في ظل إستراتيجية الاستدانة بلا نهاية ومن أجل مشاريع بلا قيمة مضافة.
ونبه الأستاذ بجامعة أوكلاند مصطفى شاهين إلى خطورة التقرير الذي أوردته وكالة “بلومبرج” الأمريكية من أن الحكومة في مصر ستقوم ببيع شركات الكهرباء التي تم تنفيذها من قبل شركة سيمنز الألمانية أخيراً التي اقترضت الحكومة قرابة 7 مليارات دولار لإنشائها.
خطوة جيدة
ورأى شاهين أن الأمر يعكس خطورة تمليك شركات أجنبية لمرافق احتكارية، فالمحتكر يستطيع رفع الأسعار للخدمة التي يقدمها وفق أهدافه الربحية.
الأمر الآخر الخطير -في تقديره- هو مدى مأزق المديونية الخارجية التي أوقعت البلاد فيها أجهزة الحكم في مصر التي جعلت الحكومة تبيع مرافقها لسداد الديون.
بالمقابل، قال محلل الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرميس، محمد أبو باشا: إن طرح شركات كهرباء للبيع يقلل من التزامات مصر في سداد الديون، لأن هذه المحطات تم تمويلها من البنوك العالمية، مضيفاً في تصريحات صحفية أنه في حالة شراء هذه المحطات فسوف تتحول المديونيات والالتزامات إلى الشركات التي ستشترى المحطات بدلاً من الحكومة.
وتابع: إن عملية البيع ستقلل الضغط على قطاع الكهرباء، كما ستقلل من فاتورة الأقساط والفوائد، والالتزامات على الدولة.
وأوضح الخبير الاقتصادي هاني توفيق أن الإيرادات المتوقعة من بيع محطات الكهرباء لمستثمرين أجانب تبلغ نحو 6.5 مليار دولار، تعمل على خفض الدين الخارجي، وهي برأيه “خطوة جيدة لتخلى الدولة عن دور الإدارة، والتركيز على التخطيط والرقابة وحماية المستهلك”.