دعا الباحث في التراث الكويتي أ. فؤاد المقهوي الحكومة إلى أن تهتم أكثر بالتراث، وتضعه في بؤرة اهتمامها، خصوصاً أن هناك أناساً اقتطعوا من أوقاتهم ليقوموا بالتوثيق والحفاظ على التراث الكويتي، يتمنون وجود مكان يعرضون فيه مقتنياتهم التراثية والوثائقية، مؤكداً أن التوثيق يعد أمراً أساسياً في كل بلد متحضر.
وأضاف المقهوي، في حواره مع «المجتمع»، أن الدراما الكويتية للأسف لا تعكس الواقع الصحيح للمجتمع الكويتي القديم، داعياً كتَّاب القصة والسيناريو والحوار أن يجلسوا معهم ليرشدوهم إلى الألفاظ والمصطلحات، ومقتنيات البيوت، التي كانت موجودة في المجتمع الكويتي قديماً.
* بداية، نرحب بكم في «المجتمع»، ما أهمية التوثيق في حياة الشعوب؟
– أهلا وسهلاً بكم، وبمجلة «المجتمع».
التوثيق له أهمية كبيرة، فكل الشعوب بالعالم تهتم بتوثيق تراثهم، ولديهم وثائق تاريخية خاصة بهم، تحكي واقع بلدانهم منذ مئات أو آلاف السنين، إلى وقتنا الحاضر؛ حتى يُستفاد منها، فالتاريخ نقرؤه ونعرفه حتى نستفيد منه في المستقبل، فهذه أهمية التوثيق.
يعد التوثيق في كل بلد متحضر أمراً أساسياً؛ ويُجهَّز له مكان خاص به، والوثائق الموجودة في الدوريات والمجلدات والمجلات والكتب.. كل ذلك جزء من ثقافة البلد.
* هل يوجد اهتمام بالتوثيق في الكويت؟
– نعم، يوجد اهتمام، لكن ليس بالصورة التي نأملها؛ نحتاج مزيداً من الاهتمام أكثر مما هو عليه الآن، فهناك العديد من الأشخاص الذين يهتمون بالتوثيق، وأنا شخصياً جلست معهم، ولمست منهم اهتماماً كبيراً بالتراث، لكن ينقصهم الدعم الحكومي، فبعضهم يهتم بالتراث اهتماماً جزئياً؛ نظراً لعدم الدعم الحكومي اللازم لهم؛ فكل ما نطلبه أن تهتم الحكومة بهذه المسألة وتضعها ضمن أولوياتها.
نعم.. ترحب الحكومة دائماً بالبحث في التراث والتوثيق، لكنها لا تقدم الدعم المادي المأمول.
* ألا تقترحون على وزارة التربية وضع مادة التراث والتوثيق ضمن مناهجها؟
– هذا الموضوع مهم جداً، وأرى أن المناهج المدرسية تتضمن موضوعات عن التاريخ الكويتي، لكنْ ينقصها التنظيم والتوسع في دراسة وتقديم هذا التاريخ.
* ما رمزية الصور وأهميتها في التوثيق؟
– الصور جزء من التوثيق، وحتى نبرز الواقع التاريخي للكويت لا بد من إبراز هذه الصور التي تجسد التاريخ الكويتي الحقيقي؛ لذا نريد تعليم ذلك للأجيال الناشئة التي ليس لها معرفة بالتاريخ الكويتي، ولدينا صور للمدارس والسيارات وغيرها الكثير، حتى لا يتخيل المواطن -خاصة الأجيال الناشئة- صوراً مغايرة لواقعهم التاريخي الحقيقي.
* متى التُقطت أول صورة بالكويت؟
– التُقطت أول صورة بالكويت عام 1903م، بواسطة أحد الرحالة الروس، حينما جاءت بارجة روسية إلى الكويت، ونزل البحارة والتقطوا صوراً للشيخ مبارك الصباح، يرحمه الله، ثم بدأ التصوير في الانتشار.
* هل الدراما الكويتية تعكس الواقع الصحيح للمجتمع الكويتي القديم؟
– لا، بكل تأكيد، فمثلاً نرى في بعض المسلسلات أن رجلاً وامرأة يقفان وحدهما في الشارع، أو في المقهى، أو السوق، وهذا التصرف لم يكن يحدث مطلقاً قديماً، فكان الرجل إذا رأى أمه أو أخته بالشارع لا يتحدث معها، بل يحكي معها في البيت، وإذا أرادت زيارة أهلها، تمشي الزوجة خلف زوجها، وهي واضعة «البقشة» على رأسها، حتى يوصلها إلى بيت أهلها وينصرف، ثم يعود ليأخذها لاحقاً.
فإذا كان هذا مع الزوجة والأخت، فما بالك مع الأغراب؟! فذلك ليس من عادات وتقاليد الشعب الكويتي في القِدَم، وهو ما يتناقض مع ما يُقدَّم في الدراما حالياً.
* لماذا لا تدعون وزارة الإعلام أن تعرض عليكم المسلسلات التاريخية لمراجعة السيناريو والحوار قبل عرضها للجمهور؟
– نحن ندعو كاتب القصة والسيناريو والحوار أن يجلس معنا ونرشده إلى الكلمات التي كانت دارجة في المجتمع القديم، وكذلك بعض مقتنيات البيت (الديكور) الموجودة في ذلك الوقت؛ حتى يخرج المسلسل معبراً عن البيئة الكويتية الأصيلة بشكل صحيح، ويتمتع بمصداقية حقيقية.
* العمل الخيري يضرب بجذوره في الكويت، ألا يوجد رصد وتوثيق له في بداياته من قِبَلكم؟
– نستطيع القول: إن العمل الخيري الكويتي بدأ مؤسسياً في عام 1913م، بإنشاء أول جمعية خيرية، التي أقامها فرحان الخالد، وأطلق عليها «الجمعية الخيرية»، وهي موثقة في كتاب «من هنا بدأت الكويت» لعبدالله الحاتم، وكذلك في كتاب «من تاريخ الكويت» لعبدالعزيز الرشيد، وذكرت أيضاً في كتابي يوسف العيسى، وسيف شملان.
وتوجد أعمال خيرية قديمة جداً ترجع إلى القرن السابع عشر في عهد الشيخ جابر العيش، وسبب إطلاق التسمية (العيش) أنه كانت هناك أيام قحط، وكان الشيخ جابر يضع العيش (الأرز) في الطرق، وكل مَنْ يمر يأخذ كفايته ويمشي.
وعندما حلَّ القحط في الكويت ونجد، وجدنا يوسف الصبيح وآخرون يفتحون مخازنهم ويعطون الناس الأكل والتمر.
فالعمل الخيري بالكويت متجذر منذ أكثر من 250 عاماً، فبالرغم من صعوبة العيش وضعف الأحوال المادية، فإن الكويتيين اهتموا بالعمل الخيري، وكانوا يتكافلون فيما بينهم أيام القحط والفقر، بفتح بيوتهم لكل محتاج.
* لِمَ لا تسعون لتكوين جمعية أو مبرة تجمع الموثقين والمهتمين بالتوثيق؟
– يوجد لدينا تجمع عادي، ولكنه ليس رسمياً، وهناك جمعية تاريخية كويتية رسمية، ولديهم نشاط ثقافي من خلال عرض أعمالهم، وعمل المزادات، ويشترون من بعض الناس، ويبيعون لآخرين، ويسجلون جميع هذه المعروضات.
* تحدثْتَ في أحد البرامج عن مشاركة الكويت في الحروب العربية والقومية، هل قمتم بتوثيق هذه الأحداث؟
– بالتأكيد؛ فقد شاركت الكويت في حربي «يونيو 1967م»، و«أكتوبر 1973م»، مع الأشقاء المصريين ضد العدو الصهيوني، وارتقى شهداء كويتيون في هذه المعارك، وتم توثيق ذلك بشكل علمي.
وقبلهما كان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ولم يكن للكويت جيش نظامي حينها حتى يشترك في هذه المعركة، ولكن الشعب الكويتي وقف بجانب الأشقاء في مصر، وكل شخص تبرع بما يستطيع لمساندة المجهود الحربي المصري في مواجهة هذا العدوان، بالرغم من الفاقة التي كانت منتشرة آنذاك، وكل صور التبرعات التي قام بها الشعب الكويتي موجودة وموثقة.
* ما رأيك في تخطيط العاصمة الكويتية من الناحية التراثية؟
– لا أدري ما أقول، خصوصاً أنهم تخلوا عن كل ما هو قديم؛ فالفرجان (الأحياء) والبيوت القديمة اندثرت؛ لذا أناشد المسؤولين الحفاظ على الموجود من التراث والوثائق، كفى ما ضاع واندثر، وخصوصاً المساجد والمدارس القديمة.
* هل يوجد لديكم مشروع معين تُبنى فيه الفرجان القديمة والمساجد؟
– نعم، هناك شركة بدأت منذ 20 عاماً، قريبة من ديوانية الشملان، لكنها متوقفة الآن، وكان الأولى الاهتمام بالتراث الكويتي القديم، ونتمنى مزيداً من الاهتمام وإزالة المعوقات، حتى يتم العمل.
* من خلال خبرتك في مجال التوثيق والتراث، صِفْ لنا طبيعة الشعب الكويتي خلال المائة سنة الأخيرة؟
– يتمتع الشعب الكويتي بالثقافة والوعي، طوال تاريخه، وله علاقات خارجية ممتدة، ورحلات تجارية واسعة مع كثير من البلدان، وكانت له علاقة قديمة مع الهند وحضارتها، وقد تأثر بها كثيراً.
* كيف تهتم الحكومة بمجال التراث والتوثيق؟
– أتمنى أن تهتم الحكومة أكثر بالتراث، ويكون في بؤرة اهتمامها، خاصة أن هناك أناساً اقتطعوا من أوقاتهم ليقوموا بالتوثيق والحفاظ على التراث الكويتي، يتمنون وجود مكان يعرضون فيه مقتنياتهم التراثية والوثائقية، ويجتمعون فيه لمناقشة المستجدات في هذا الأمر، حتى يكون منارة للثقافة الكويتية.