أدى النظام التربوي دوراً رئيساً في إرساء القيم الخلقية للمجتمع، وعلى هذا الأساس؛ فإن متطلبات الحضارة الحديثة تجعل من النظام التربوي عاملاً حيوياً لتطور المجتمع.
وقد أكدت وقائع التغييرات التي شهدتها المجتمعات المختلفة عبر التاريخ بأن المجتمع الذي يقوم على نظام تربوي بالٍ ومغلق سوف يؤول، إن عاجلاً أو آجلاً إلى الزوال، أما النظام التربوي المتفتح المتجدد باستمرار لمجابهة احتياجات المواطنين ومتطلبات الحضارة الحديثة؛ فيمكن أن يؤدي دوراً تطورياً.
وعلى الرغم من أن هذه الملاحظات قد أصبحت اليوم من بدهيات الأمور، فإن البحوث الاقتصادية المتخصصة في مجال اقتصاديات التربية حديثة العهد، ولم تحظ الأفكار والآراء التي أفرزتها مشكلات الاقتصاد التربوي بالاهتمام اللازم إلا منذ فترة قد لا تتجاوز الأربعين سنة.
يقول د. منذر عبدالسلام، في كتابه «دراسة في اقتصاديات التربية»: إنّ التأكيد على حداثة الاهتمام باقتصاديات التربية لا يعني بالضرورة أنّ الفكر الاقتصادي خلال مراحل تطوره قد أهمل إهمالاً مطلقاً العلاقة بين التربية والاقتصاد، ذلك أنّ الفكر الاقتصادي كان حافلاً بالملاحظات والآراء حول التربية ودورها في الحياة الاقتصادية.
وقد بلغ هذا الاهتمام حداً يمكننا من القول: إنه قد يصعب أن نجد في هذه الأيام اقتصادياً أو مخططاً يغفل دور التربية في الحياة الاقتصادية.
ويعود سبب هذا الاهتمام المتزايد بالقطاع التربوي ودوره في التنمية الاقتصادية إلى عوامل أساسية عديدة، منها:
1- التركيز المتزايد على التنمية الاقتصادية.
2- التوسع الكبير في القطاع التربوي، سواء كانت أسباب هذا التوسع اقتصادية أو اجتماعية.
3- التأكيد على دور العامل البشري في عملية النمو الاقتصادي.
إنّ لموضوع اقتصاديات التربية، إذن، جوانب متعددة، وإنما استثمار له مردود قد يفوق مردود الأموال التي تنفق في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة.
إنّ التركيز على دور التربية في التنمية الاقتصادية لا يزال المدخل المنطقي لدراسة اقتصاديات التربية.
إنّ للتربية تأثيراً مباشراً على سلوك الأفراد فيما يتعلق بالاستهلاك، فالجهل في كثير من الأحيان يكون السبب الرئيس في التخبط الاستهلاكي، وتفشي ظاهرة الاستهلاك المظهري.
ومن المؤكد أن تحسن المستوى التربوي للفرد يساعد كثيراً في تنمية الاتجاه نحو الإنفاق السليم.
ثبت علمياً، أنّ المواهب الفردية وقابليات الفرد، لا يمكن أن تنمو بدون عناية ورعاية، ترتكز على وسائل تربوية سليمة.
وهكذا، فإن التربية بتنميتها لمواهب الأفراد وقابلياتهم تؤدي دوراً أساسياً في تطور العلوم والفنون؛ فينعكس هذا التطور على الحياة الاقتصادية؛ حيث ينتشر الإبداع والابتكار في وسائل الإنتاج والنقل والتنقيب عن الموارد غير المستغلة.
يقول د. منذر عبدالسلام: على الرغم مما للتربية من دور في التنمية الاقتصادية، فقد كان التخطيط التربوي يشكل حقلاً منفصلاً.
ونظراً لضرورة التوفيق بين الإنفاق التربوي والإنفاق في القطاعات الأخرى، فقد تكونت بين التخطيط التربوي والتخطيط الاقتصادي روابط جديدة تحكمها الأوضاع المالية العامة للدولة.
إنّ تزايد الاهتمام بالقطاع التربوي، في البلدان النامية، بسبب إدراك دور التربية في عملية التنمية، كان وراء تطور التخطيط التربوي وربطه بالتخطيط الاقتصادي.
إنّ الربط بين التخطيط التربوي والتخطيط الاقتصادي يتطلب دراسات شاملة ومتكاملة لكافة الموارد البشرية والمواد الاقتصادية.
ومعنى ذلك أنّ دراسة حجم السكان ومعدل نموه ونوعيته وحركاته وتوزيعه المهني، وربط كل ذلك بالنتائج التي تتوصل إليها دراسة الأوضاع الاقتصادية القائمة وتنبؤات المستقبل، تكون أسس تحديد العلاقة بين التخطيط التربوي والتخطيط الاقتصادي.
فالتطور الاقتصادي والتطور التربوي صنوان لا ينفصلان، والتركيز على التنمية الاقتصادية يسوق بالضرورة إلى النهوض بمستوى القطاع التربوي.
والحقيقة، إنّ الاهتمام بمشكلات التربية ليس وليد اليوم، ولكن الشيء الذي استجد هو حجم هذا الاهتمام وتطور الدراسات المتعلقة بمشكلات التنمية خاصة في البلدان التي يضمها هذا العالم المتخلف الذي ينعت بالعالم الثالث.
____________________________
(*) مستشار اقتصادي وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.