لا يختلف اثنان على أهمية التعليم، إنما الكلام يدور حول آليات التعليم والتعلم، فمنذ آلاف السنين والتعليم يتغير أسلوباً وشكلاً ومحتوى بحسب الخبرات التراكمية، والتجارب الميدانية، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه، خبرات شارك فيها فلاسفة وعلماء دين وعلماء نفس واجتماع وتربية.. ومع ذلك، فما زالت تعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات التربوية في العالم للخروج بأفضل سبل ونظم التعليم.
وكلما ظهر جديد نسف ماضيه، فكما بدأ تركيز العملية التعليمية على المنهج، ثم المعلم، ثم الطالب، بدأت عودة جديدة للمعلم والمنهج.. وهكذا، بمعنى أنه لا توجد قاعدة نهائية في التعليم والتربية، إنما هي متجددة بتجدد الزمان والمكان والبشر.
ونتيجة لذلك، أصبحت كل جامعة عالمية تضع لها معايير خاصة بها لتقييم مستوى التعليم ومخرجاته، حتى أصبحت منظمتا «اليونسكو»، و«البنك الدولي»، متأخرتين عن التقديرات العالمية، واتسعت الاختلافات بين التربويين الأصوليين والمناهج والنفسانيين؛ كل يثبت رأيه ونظريته.
وتركز كل هذه التنافسات على المنتج النهائي؛ وهو طالب متميز متفوق علمياً، لديه مهارات وقدرات متنوعة، لكنْ قليل من عالج مشكلة الطلبة ضعاف التعلم، والمعلم ضعيف التعليم، وقليل من ركز على تنمية القيم والأخلاق بشكل أساس، فالتعليم بلا أخلاق لا قيمة له.
ولطالما أصبح التعليم وظيفة لا مهنة، فلن نحقق الأهداف المرجوة، فكل من يحمل شهادة يستطيع العمل بها معلماً، لكن من منهم حاز حقاً على ترخيص (License) لذلك من جهة معتمدة، كما هي الحال مع الاجتماعيين والنفسانيين؟!
النماذج التعليمية المتميزة في العالم كثيرة، وكل يدعي الأفضلية، فقد سمعنا عن تفوق اليابان تعليمياً بعد تدميرها في الحرب العالمية الثانية، وظهرت الفصول الدراسية وسط الأنقاض تحدياً نحو العلم، فغرسوا قيمة مهمة في الأجيال، وسادوا العالم صناعياً.
وأعادت سنغافورة البناء التعليمي من جديد بأسلوب مدهش، يلبي جميع قدرات الطلبة، واحتياجات المجتمع.
وتنافست الدول الإسكندنافية في تصدر دول العالم تعليمياً، من خلال تخفيض سنوات الدراسة، وتقليل الحصص التعليمية، وزيادة ساعات اللعب والأكل والراحة!
وترك التعليم البريطاني مساحة كبيرة لإدارة المدرسة لاختيار نمط التعليم، والمناهج الدراسية، والكتب المدرسية، وتعيين المعلمين، (قانون بتلير 1944م).
أما دولة الإمارات ودولة قطر، فقد اختصرتا الطريق نحو تعليم أفضل، باختيار أرقى المؤسسات التربوية عالمياً، لتدرس واقعهما الحاليين، وتضع تصوراً لمستقبل أفضل؛ فتصدرتا الدول العربية، وبالاتجاه صعوداً نحو العالمية.
وما نحن ببعيد عن ذلك التنافس والتطور، فكم نفخر باستعانة البنك الدولي وجامعات غربية عريقة بأساتذة عرب ومسلمين في أبحاثهم ومؤتمراتهم، ومنهم د. علي الكندري، ود. غازي الرشيدي (مشاركان بمقالين بهذا العدد).
وظهرت أساليب عدة تدعم العملية التعليمية، كالتعليم باللعب والضحك، وبالقصة والرواية، والتعليم بالقدوة.. وغير ذلك، وكم نحن بحاجة لاستخدام علم «أنماط الشخصية» في التعليم، الذي أدعو لتدريب المعلمين عليه ليكون جزءاً من الشهادة أو الترخيص.
وأمام هذا التمايز الكبير في عالم التربية والتعليم، أستمتع باستشهادات المختصين بتراثنا الإسلامي المليء بالأقوال والتوجيهات العميقة، ومنهم د. إبراهيم الخليفي، ومن الأقوال الرائعة في التعلم للإمام سفيان بن عيينة (شيخ الإمامين الشافعي، وابن حنبل): «أدوات التعلم خمس: الاستماع، والفهم، والحفظ، والتطبيق، والنشر».
يعيش في الغرب ملايين المسلمين، وعليهم استثمار هذه الفرصة للاستزادة من خبرات التميز التعليمي عندهم، ونقلها لأجيالهم ومدارسهم، وعلى وزارات التربية الاستفادة من خبرات الأكاديميين والميدانيين في تحفيز المعلمين، والارتقاء بأدائهم، حتى نحقق نتائج إيجابية على أرض الواقع، فمن يرفع راية الارتقاء بالتعليم؟!>