في منتصف ولاية حكومة سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ينتظر المغاربة تعديلاً حكومياً أعلن عنه الملك محمد السادس في خطابة الأخير يوم 30 يوليو الماضي بمناسبة ذكرى عيد العرش، وتزامن هذا الانتظار مع إصدار المجلس الأعلى للحسابات تقريراً صادماً عن أداء عدد من الوزارات والإدارات العمومية.
يرى مراقبون أن هذا التعديل، وبغض النظر عن الأسماء «المستوزرة»، ضروري في مرحلة بات هناك شعور بالامتعاض والاحتقان من الأداء الحكومي، وعدم تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، متسائلين في الوقت ذاته عن قيمته المضافة في المشهد السياسي المغربي.
ويقول رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية جواد الشفدي في تصريح لـ«المجتمع»: إن الخطاب الملكي عندما تحدث عن التعديل الحكومي رفع السقف عالياً بطلبه من رئيس الحكومة لاقتراح كفاءات لتحميلها مسؤولية قيادة الجهاز التنفيذي بالمملكة.
في حين يبرز رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي لـ«المجتمع»، أن التعديل الحكومي يأتي في إطار الحديث الرسمي عن فشل النموذج التنموي والبحث عن آخر جديد يستجيب لحاجيات الساكنة في مجالات متعددة، ويطلق عجلة النمو، ويذهب بالاستثمار إلى أبعد مدى.
ويؤكد الشفدي أنه تسود في الوقت الراهن تخوفات حول التشكيلة الحكومية التي سيتم اقتراحها، خصوصاً أن الكفاءات التي يتوافر عليها كل حزب معروفة، إلا في حالة ما اضطرت الأحزاب المشكّلة للحكومة إلى صبغة أشخاص من خارج تنظيماتها، ومنحها قبعة سياسية لتمكينها من الظفر بحقيبة وزارية.
ويتوقع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أن يتم التعديل بدون عرقلة، مبرزاً أن «الكفاءات» التي تحدث عنها الخطاب الملكي، ستعرف مشاركة كل الأحزاب الستة المكونة للائتلاف الحكومي.
ويذكر الباحث في العلوم السياسية والإعلامي عزيز العطاطري، في تصريح لـ«المجتمع»، كيف أن هذه الحكومة عرفت مخاضاً عسيراً في الولادة، مؤكداً أن بعض الأحزاب الحكومية ستسعى لتحقق مزيداً من المكاسب، سواء من الناحية التكتيكية التي يقصد بها نتائج الحقائب، أو الإستراتيجية المتمثلة في إعادة فرض شروط وقواعد جديدة في منتصف ولاية الحكومة بناء على متغيرات طارئة.
ويضيف العطاطري أن الحكومة كانت لها القابلية للتعديل والتحكم في تشكيلتها منذ البداية؛ مما يؤشر اليوم على أن المحدد الأساسي في طبيعة التوليفة الحكومية المقبلة هو البعد التكتيكي الذي من شأنه أن يحقق مكاسب سياسية للأطراف الحكومية خلال ما تبقى من الولاية الحكومية، والبعد الإستراتيجي الذي يحكمه نتائج ومخرجات انتخابات عام 2021م، التي تشكل بالنسبة للأطراف الحكومية الأخرى رهاناً مصيرياً من شأنه أن يحدد مستقبل كل حزب وقياداته التاريخية ومكانته وموقعه داخل البنية الحكومية.
ويتزامن قرب التعديل الحكومي بصدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ويلاحظ الشفدي أن الإعلام ركز على بعض الملفات، وعلى أشخاص بعينهم، ويبقى هذا التركيز غير بريء، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها تقرير المجلس بهذا الشكل، لأن المحاسبة غالباً ما ينقصها شيء من الحزم مقارنة مع حجم الخروقات التي تأتي في تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
ويضيف الشفدي أن هذا التقرير لن يكون مؤثراً على التعديل الحكومي، الذي سيطغى عليه جانب تسيير أعمال الحكومة والذهاب بالبلاد إلى انتخابات عام 2021م بأقل الأضرار، وتجنب ارتكاب أخطاء ذات طابع اقتصادي واجتماعي لتجنب ما وقع بكل من الحسيمة وجرادة.
فيما يبرز العطاطري أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات شكلت آلية لتقويم وتصحيح الفعل العمومي من خلال عدد من الآليات، أبرزها، استناداً إلى دستور عام 2011م، ربط المسؤولية بالمحاسبة، بيد أن هذه الآليات محط نقاش عمومي، خصوصاً من قبل هيئات المجتمع المدني والسياسي.
بدوره، يعتقد الغلوسي أن هذا التعديل الذي يأتي في سياق انتخابات عام 2021م، وترتيب المشهد السياسي المقبل، ليس كافياً؛ لأن المغرب يجب أن يسير بسرعة في اتجاه استغلال جميع الفرص لتسريع الاستثمار، وخلق أجواء الشفافية والمنافسة الشريفة، كما أنه في حاجة إلى نقاش عمومي ووطني، وبعده إجراءات سياسية شجاعة تستجيب للتحديات المطروحة على جميع المستويات، في قضايا مصيرية مثل الصحة والتعليم وغيرها.