عرف التعديل الحكومي في المغرب هزات كبيرة زعزعت المشهد السياسي المغربي، وكان له ارتدادات قوية، ومن بين تلك الهزات مغادرة حزب التقدم والاشتراكية، الحليف الإستراتيجي لحزب العدالة والتنمية.
ويرى مراقبون أن التقدم والاشتراكية الذي يرأسه الوزير السابق نبيل بن عبدالله، وبالرغم من تمثيله بعدد صغير نسبياً في البرلمان وتوجهه الاشتراكي، كان تحالفه مع العدالة والتنمية في إطار التدافع السياسي بعض الأثر في استمرار هذا الأخير في تصدر المشهد السياسي خلال رئاسته للحكومة منذ عام 2011م، وعدم تركه وحيداً في وجه خصومه السياسيين.
في الوقت الذي عزت وسائل الإعلام المغربية سبب مغادرة الحزب لعدم رضاه على المنصب الوزاري الوحيد الذي اقترح عليه في إطار التعديل الحكومي، يرجع القيادي في حزب التقدم والاشتراكية عبدالسلام الصديقي ذلك لأسباب سياسية.
ويوضح في تصريح لـ»المجتمع» أن الحزب ومنذ مؤتمره الوطني العاشر المنعقد في مايو 2018م، طالب بنفس ديمقراطي جديد، والإسراع في القيام بالإصلاحات الضرورية استجابة لمطالب الساكنة، وإعادة الثقة في المؤسسات والأحزاب السياسية، وكانت الفرصة مواتية للتذكير بذلك خلال التعديل الحكومي.
ويؤكد الوزير السابق أنه بعدما تحدث الملك في خطابه الأخير عن ضرورة إشراك كفاءات جديدة، والقيام بإصلاحات تروم محاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية، كان الحزب ينتظر أن يفتح النقاش أولاً حول التوجهات الاقتصادية، وطبيعة الإصلاحات التي ينوي القيام بها، وإعطاء دفعة قوية للمسار الديمقراطي، لكن ذلك لم يحدث.
تأثير المغادرة
يذهب مراقبون أن خروج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة سيساهم في عزل حزب العدالة والتنمية وإضعافه، لا سيما بعد تصدره للمشهد السياسي لفترتين متتاليتين.
ويستند هؤلاء إلى مجموعة من الأحداث التي تذهب في هذا الاتجاه، منها تقليص عدد أفراد الحكومة، وعدم تناسبية عدد الوزراء مع التمثيل البرلماني، وإبعاد عدد من القيادات البارزة من التشكيلة الحكومية التي كان لها الأثر في انتشار الحزب عمودياً وأفقياً بفضل خبراتها في التواصل مع الساكنة، وتسريع عدد من الأوراش الكبرى.
وبدأ ذلك التضييق، بعدم تمكين الأمين السابق لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بن كيران من تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2016م، والحرب الشرسة على مجموعة من رموز الحزب في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المغربية.
لكن الإعلامي والمحلل السياسي، حسن بويخف، يرى غير ذلك، مبرزاً في تصريح لـ»المجتمع» أن أصحاب نظرية عزلة حزب المصباح (العدالة والتنمية) استصحبوا نفس مرحلة تشكيل أول حكومة في ظل الدستور الجديد وما قبلها، حيث كان حزب المصباح القوة الصاعدة التي تنافس جميع الأحزاب، والذي كسر التنافس بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وكان طبيعياً أن تسعى تلك الأحزاب، إضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، إلى عزله في سبيل إضعافه.
ويضيف أن تشكيل الحكومة الأولى بعد تعديل الدستور التي قادها حزب المصباح بعد انتخابات جرت في سياق خاص يتعلق بإعادة ترتيب موازين القوى في المشهد الحزبي.
ويبرز أنه في هذا المرحلة، وخلال وجوده في الحكومة الأولى التي قادها حزب المصباح، أدى حزب التقدم والاشتراكية فعلاً دوراً سياسياً ذا طبيعة إعلامية بالخصوص، في إضعاف مناورات عزل حزب المصباح، لكن وبعد أن تكرس حزب العدالة والتنمية كأول قوة حزبية بعد انتخابات عام 2016م، أصبح الأمر الواقع يفرض على جميع الأحزاب التعامل معه.
ويشدد بويخف على أن الوضع المتقدم للحزب محمي بالدستور وليس بشيء آخر، ولقد تتبع الجميع محطة عرقلة تشكيل الحكومة عام 2016م، الذي صنعته السلطوية ودام قرابة 6 أشهر، والذي يمثل أعلى درجات الحصار التي يمكن أن يقع الحزب ضحيتها.
ويخلص بويخف إلى أن خروج التقدم والاشتراكية من النسخة الثانية من حكومة د. سعد الدين العثماني لن يترتب عنه أي حصار لاعتبارات موضوعية تتعلق بحجمه، حيث إن عدد نوابه في البرلمان لا يتجاوزون 12 نائباً، كما أن الوضعية العامة تفرض استقرار الحكومة ونجاحها، لذلك تحملت أحزاب التحالف الحكومي ضريبة تقليص حجم الحكومة، وفقد العديد من المناصب، ورغم ذلك فالحكومة تعمل ولا خوف على حزب المصباح من أي حصار في الظروف الحالية، ولا يمكن لحزب التقدم والاشتراكية موضوعياً أن يمنع أي حصار سواء بقي في الحكومة أو غادرها.