- فيروس كورونا القديم المعروف باسم سارس في الصين أسفر عن مقتل المئات وأثار الذعر وتسبب في هزة عنيفة للاقتصاد العالمي
- الاقتصاد الصيني كان يمثل حوالي 4٪ من الناتج العالمي الإجمالي في عام 2003؛ ولكنه يشكل الآن 16 ٪ من الناتج العالمي
- أغلق المسؤولون الصينيون مدينة ووهان والعديد من المدن الأخرى، لكن الفيروس ما زال ينتشر كالنار في الهشيم
- مستويات الديون العالمية لم تكن أبدا أعلى مما هي عليه الآن
- زيادة النزعات القومية قد يؤدي إلى صعوبة تنسيق استجابة عالمية لمقاومة المرض
- اندلاع المرض أجبر شركات صناعة السيارات في الصين على خفض الإنتاج بحوالي 15٪ في الربع الأول من العام
- الفيروس يشل المنطقة التي يتفشى فيها ثم ينتشر تدريجياً على الصعيد المحلي، ليقوض التجارة الداخلية والاستهلاك والإنتاج وحركة الأشخاص
- الوباء يمكن أن يتسبب في خسائر اقتصادية تعادل حوالي 5 ٪ من الناتج الإجمالي العالمي، أكثر من 3 تريليونات دولار.
- الدين العالمي، المتمثل في الاقتراض من قبل الأسر والحكومات والشركات، قفز إلى أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وهي أعلى نسبة مسجلة، وفقًا لمعهد التمويل الدولي
مر ما يقرب من عقدين من الزمن منذ ظهور فيروس كورونا القديم المعروف باسم سارس في الصين، وقد أسفر عن مقتل المئات وأثار الذعر الذي هزة عنيفة في الاقتصاد العالمي. ولكن فيروس كورونا المنتشر الآن في جميع أنحاء الصين يمكن أن يكون أكثر ضررًا.
فقد أصبحت الصين جزءًا لا غنى عنه من التجارة العالمية منذ اندلاع سارس في عام 2003. ثم نمت لتصبح مصنعًا عالميًا، تعمل على إنتاج منتجات هامة مثل الـــ iPhone مما أدي لزيادة الطلب على سلع مثل النفط والنحاس. وتفتخر الدولة أيضًا بمئات الملايين من المستهلكين الأثرياء الذين ينفقون مبالغ كبيرة على المنتجات الفاخرة والسياحة والسيارات. وكان الاقتصاد الصيني يمثل حوالي 4٪ من الناتج العالمي الإجمالي في عام 2003؛ ولكنه يشكل الآن 16 ٪ من الناتج العالمي.
أصاب مرض سارس 8،098 شخصًا وقتل 774 قبل أن يتم احتوائه ولكن فيروس كورونا الجديد، الذي نشأ في مدينة ووهان بوسط الصين، قتل حتى الآن أكثر من 900 شخص وإصاب أكثر من 40.000 في 25 دولة ومنطقة على الأقل. وقد أغلق المسؤولون الصينيون مدينة ووهان والعديد من المدن الأخرى، لكن الفيروس ما زال ينتشر كالنار في الهشيم.
يقول نيل شرينج كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة كابيتال إيكونوميكس: “يمكن أن يتسبب اندلاع المرض في إحداث اضطراب شديد في السوق والاقتصاد. لكن حجم التأثير سيتحدد في نهاية المطاف بكيفية انتشار الفيروس وتطوره، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل التنبؤ به، ومن المستحيل كذلك التنبؤ باستجابة الحكومات له”.
ومما يضاعف الخطر حقا أن العالم خارج الصين قد تغير تغيرا كبيرا منذ عام 2003.
فقد شجعت العولمة الشركات على بناء سلاسل التوريد التي تتجاوز الحدود الوطنية، مما جعل الاقتصادات أكثر ترابطًا. وقد استهلكت البنوك المركزية الكبرى الكثير من الذخيرة التي تنشرها عادة لمحاربة الانكماش الاقتصادي منذ الأزمة المالية في عام 2008، ولم تكن مستويات الديون العالمية أعلى مما هي عليه الآن. وقد يؤدي زيادة النزعات القومية إلى صعوبة تنسيق استجابة عالمية، إذا كان ذلك أمرا مطلوبًا.
الفيروس يتحدى سلاسل التوريد ويعطل الشركات.
أمرت مصانع السيارات بالإغلاق في جميع أنحاء الصين بعد عطلة العام القمري الجديد، مما يمنع شركات صناعة السيارات العالمية فولكس واجن (VLKAF) ، تويوتا (TM) ، دايملر (DDAIF) ، جنرال موتورز (GM) ، رينو (RNLSY) ، هوندا (HMC) وهيونداي (HYMTF) من استئناف أعمالها في أكبر سوق للسيارات في العالم. ووفقًا لتصنيفات ستاندرد آند بورز العالمية، فسوف يجبر اندلاع المرض شركات صناعة السيارات في الصين على خفض الإنتاج بحوالي 15٪ في الربع الأول. وقالت شركة تويوتا يوم الجمعة إنها ستبقي مصانعها مغلقة على الأقل حتى 17 فبراير.
كما تضررت شركات صناعة السلع الفاخرة، التي تعتمد على المستهلكين الصينيين الذين ينفقون مبالغ كبيرة في منازلهم وأثناء عطلاتهم. فأغلقت العلامة التجارية البريطانية بربري 24 متجر من أصل 64 متجرا لها في بر الصين، وحذر الرئيس التنفيذي للشركة يوم الجمعة من أن الفيروس يتسبب في “تأثير سلبي مادي على الطلب على السلع الفاخرة”. وقلصت العشرات من شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى الصين.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو تهديد كورونا لسلاسل التوريدات العالمية. فقد حذرت كوالكوم (QCOM)، أكبر شركة لتصنيع رقائق الهواتف الذكية في العالم، من أن اندلاع المرض تسبب في حالة من عدم اليقين “الكبير” حول الطلب على الهواتف الذكية، والإمدادات اللازمة لإنتاجها. وبالفعل، أجبر نقص قطع غيار السيارات Hyundai (HYMTF) على إغلاق المصانع في كوريا الجنوبية وأجبر فيات كرايسلر (FCAU) على وضع خطط طارئة لتجنب النتيجة نفسها في أحد مصانعها في أوروبا.
ويقول الاقتصاديون إن المستوى الحالي للاضطراب يمكن السيطرة عليه إذا بدأ عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في التباطؤ، وأُعيد فتح المصانع الصينية قريبًا، حيث ستكون النتيجة مجرد ضربة سريعة للاقتصاد الصيني في الربع الأول وتراجعًا في النمو العالمي. وإذا استمر انتشار الفيروس، فسوف يزداد الضرر الاقتصادي بسرعة.
وقال محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز (ALIZF) ، لشبكة سي إن إن بزنس إنه قلق للغاية بشأن الآثار الاقتصادية المتتالية المحتملة.
وأضاف: “إنه أولاً يشل المنطقة التي يتفشى فيها الفيروس”. “ثم ينتشر تدريجياً على الصعيد المحلي، مما يقوض التجارة الداخلية والاستهلاك والإنتاج وحركة الأشخاص. وإذا كان الفيروس لا يزال موجود، فإن العملية تنتشر أكثر على المستوى الإقليمي والدولي عن طريق تعطيل التجارة وسلاسل التوريد والسفر.”
خطورة الوباء
يواجه الاقتصاديون صعوبة في تحديد التكاليف المحتملة للأوبئة بسبب خصائصها الفريدة.
ومع ذلك، يمكن أن تكون الأمراض أكثر ضرراً بكثير من الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير أو التسونامي، أو غيرها من الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها والمعروفة باسم “البجعات السوداء”. ووفقا لدراسة أجراها البنك الدولي، يمكن أن يتسبب الوباء الشديد في خسائر اقتصادية تعادل حوالي 5 ٪ من الناتج الإجمالي العالمي، أو أكثر من 3 تريليونات دولار. ولا تزال الخسائر الناجمة عن وباء الإنفلونزا الأضعف، مثل فيروس H1N1 لعام 2009، تمحو 0.5٪ من الناتج الإجمالي العالمي.
وقد قال البنك الدولي في تقرير عن الأوبئة منذ عام 2013 “الوباء الشديد يشبه الحرب العالمية بتأثيرها المفاجئ والعميق والواسع النطاق” (لم يعلن فيروس ووهان كوباء من قبل منظمة الصحة العالمية).
الفيروس ليس هو العامل الدافع وراء هذه الخسائر، ولكن. بدلاً من ذلك، يعتبر الطريقة التي يستجيب لها المستهلكون والشركات والحكومات عند تفشي الأمراض الخطرة.
فمن الأرجح أن يظل الناس في منازلهم أثناء تفشي المرض لتجنب الإصابة، ويتم منعهم من السفر والتسوق والعمل. والقيام بذلك يحد من الطلب على السلع الاستهلاكية والطاقة. فالقرارات التي اتخذتها الشركات والحكومات لإغلاق المحلات التجارية والمصانع، قلصت الإنتاج.
ويقول وليام راينش، كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي أمضى 15 سنة كرئيس للمجلس الوطني للتجارة الخارجية: “هذا مستمر في النمو من حيث الحجم والاحتمال. يمكن أن ينتهي كمرض كبير وخطير. ولكننا لا يمكننا توقع ذلك الآن”.
وفقًا لـشيرنج، فإن الأوبئة السابقة أظهرت أن الاقتصاد الصيني يمتص الصدمة التي ستتلاشى بسرعة من الذاكرة إذا تم احتواء الفيروس.
ويضيف “طالما أن إغلاق المصانع لا يؤدي إلى فقدان الوظائف، فمن غير المرجح أن يكون مستوى الناتج المحلي الإجمالي بحلول هذا الوقت من العام مختلفًا تمامًا عما كان يمكن أن يكون لولا وجود الفيروس”.
ماذا يمكن ان نفعل؟
تحركت الحكومة الصينية السريعة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا والتدابير التي اتخذتها لاحتوائه.
خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الرئيسي هذا الأسبوع وضخ مبالغ ضخمة من النقد في الأسواق من أجل المساعدة في تخفيف الضغط علي البنوك وعلي المقترضين. كما أعلن المسؤولون عن إعفاءات ضريبية وإعانات جديدة تهدف إلى مساعدة المستهلكين.
ومع ذلك، فإن الصين مازالت أكثر عرضة للأزمة مما كانت عليه قبل 17 عامًا عندما تفشي فيها مرض سارس.
وقال رافي حياة كبير الاقتصاديين في بنك رابوبنك الهولندي “إن ديونها أعلى بكثير والتوترات التجارية مع شريكها التجاري الرئيسي ونموها يتباطأ باطراد منذ عدة سنوات ، مما يعطي نقطة بداية ضعيفة لمواجهة مثل هذه الأزمة”. بنك رابوبنك.
يتوقع المحللون في Capital Economics أن تعلن الحكومة عن تدابير إضافية في الأيام المقبلة. وإذا استمر انتشار الفيروس، فإنهم يعتقدون أنه سيتعين على بكين التخلي عن جهودها الطويلة الأمد للسيطرة على ديونها وضخ الأموال مباشرة في الاقتصاد.
وقد خفضت البنوك المركزية في البلدان المجاورة ومن بينها سري لانكا وماليزيا وتايلاند والفلبين أسعار الفائدة في الأسابيع الأخيرة. ويمكن لكوريا الجنوبية وتايوان أن يفعلا نفس الشيء.
لكن القوى الكبرى في العالم المالي قد أُنهِكت منذ عقد من الزمن وهي تكافح النمو الهزيل منذ الأزمة المالية العالمية. وقد أدخل البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة السلبية في عام 2014 ولم يتمكن من زيادتها منذ ذلك الحين، وبنك اليابان في وضع مماثل. وقام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالفعل بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات في العام الماضي؛ ويقول الرئيس جيروم باول إنه يراقب الوضع بعناية.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت مستويات الديون في الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية الرئيسية بما في ذلك إيطاليا، مما يحد من نطاق التحفيز المالي الكبير إذا دخل الاقتصاد العالمي في مأزق آخر. وقد قفز الدين العالمي، المتمثل في الاقتراض من قبل الأسر والحكومات والشركات، إلى أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، وهي أعلى نسبة مسجلة، وفقًا لمعهد التمويل الدولي.
ومن الأمور الحاسمة أيضًا ما إذا كانت الحكومات قادرة على تنسيق استجابتها إذا ما تفشي المرض، بشكل مثالي وبمساعدة المؤسسات متعددة الجنسيات. هذا صحيح بشكل خاص لأنه، وفقًا للبنك الدولي، فإن الاستعداد لمواجهة وباء محتمل احتمال منخفض. لكن التنسيق قد يكون صعباً في عالم يتزايد فيه التمزق وتتعالي فيه النعرات القومية الانعزالية على التعاون.
ويقول شيرينج: “من الواضح تمامًا أن المؤسسات متعددة الجنسيات تتعرض لضغط أكبر ولديها قدرة أقل علي حل المشاكل اليومية مقارنة بالعشر سنوات الماضية”. “لكن المتفائل بي يود أن يعتقد أن العالم مازال قادرا على مواجهة وباء عالمي، فما زالت المؤسسات العالمية في وضع يمكنها من الاستجابة”.
————————–
تشارلز رايلي وجوليا هورويتز، سي إن إن بزنس