في فجر يوم الخميس الموافق 2 أغسطس 1990م، انطلق صوت «الإذاعة الكويتية» بنداء «كويت العرب يستنجد بكم.. ولو أننا قصرنا ولو بجزء من واجبنا تجاه العرب لعذرناكم»، ولكن –للأسف- كان الواقع مختلفاً عن النداء؛ فأمة العرب لم تكن بحجم مأساة الغزو العراقي للكويت، بل على العكس تماماً اختلفت في مواقفها، وتنوعت كل دولة بحسب قناعتها وبحجم مصالحها ووجهات نظرها.
أما دول الخليج، فكانت تستشعر الموقف، وتعتبر الكويت جزءاً من منظومتها، فكل ما يحدث في الكويت ممكن أن يحدث بها، وكل ما يصيب الكويت ممكن أن يصل إليها؛ فمنظومة دول الخليج تتشارك المصالح وكذلك المصير الواحد، والاقتصاد متقارب، والمواقف السياسية متباينة، والتهديدات واحدة، والتاريخ مشترك ومتداخل حتى على مستوى الشعوب، فكثير من عائلات دول الخليج متجذرة ومتوزعة بعدة دول خليجية.
لذا، كانت دول الخليج الحاضنة للكويت خلال أزمة الغزو العراقي؛ ففتحت حدودها لأهلها، وسيَّرت أراضيها لتكون الانطلاقة لتحريرها، وكانت الجيوش الخليجية في مقدمة التحالف الدولي لعودة شرعيتها، وسخَّرت مطاراتها لانطلاق الضربة الجوية، وعرَّضت دول الخليج -خاصة المملكة العربية السعودية- نفسها لمخاطر الحرب، ودفعت بذلك ثمناً غالياً من أمنها، وعرَّضت أجواءها وأراضيها للقصف من قبل القوات العراقية.
وفي تاريخ 26 فبراير 1991م، يسدل الستار على مشهد الغزو العراقي للكويت، وذلك بتحرير الأراضي الكويتية ودخول الجيوش الخليجية والعربية والدولية وعلى رأسها الجيش الكويتي والسعودي للأراضي الكويتية.
وبما أن السياسة تخضع للمصالح والمفاسد وللصراعات والاتفاقيات وللاجتهادات وللجمود، فأصاب العلاقات الخليجية من الخلاف ما أصابها، ولم تكن صورة العلاقات الخليجية في السنوات الأخيرة بالصورة الوردية الجميلة مثلما كانت أيام الغزو العراقي لدولة الكويت؛ فحدثت مقاطعة دولة قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين، التي استمرت لعدة سنوات.
واليوم، وفي الكويت، وفي هذه الأيام التي نحتفل فيها بذكرى تحرير الكويت، ونستذكر مَنْ وقف معنا في معركة التحرير وعلى رأسهم دول الخليج، وفي الوقت نفسه نحتفل بانتهاء المقاطعة الخليجية وعودة قطر لدول الخليج وعودة دول الخليج لقطر، وكنا نعلم وندرك ومنذ أول يوم من المقاطعة أن المصالحة قادمة، وأن الخلافات سوف تنتهي، وأن السياسات سوف تتغير وتعود لأصلها؛ وهو التعاون والألفة والمحبة.
وبما أن الكويت تقف على مسافة واحدة من كل دول الخليج؛ لذا حملت راية المصالحة الخليجية، وقدَّم صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، الأمير السابق للكويت، كل ما يملك لتحقيق المصالحة، وبحمد الله تمت.
اليوم كما نحتفل بذكرى التحرير، نحتفل –كذلك- بتحقيق المصالحة الخليجية، فدول الخليج صاحبة الفضل والدعم لعودة الشرعية الكويتية في عام 1991م؛ فحق علينا أن نفرح تقديراً وحباً لدول الخليج.
نقطة أخيرة:
العالم اليوم يتجه لبناء تحالفات وعقد مشاركات لتحقيق مصالح مشتركة، ودول الخليج بسبب صغر حجمها الجغرافي والسكاني تحتاج أكثر من غيرها لتحقيق منظومة مشتركة اقتصادية وسياسية وأمنية خاصة في عالم مليء بالتهديدات والاضطرابات.