في حوار خاص مع مجلة المجتمع تحدث الناشط المغربي أ. د. أحمد ويحمان -المنتخب حديثا منسقا عاما لـ”تنسيقية مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع” عن أهداف التنسيقية وأولوياتها في المرحلة الراهنة، وذلك في ظل التطورات الأخيرة الممثلة أساسا في هرولة دول عربية إلى التطبيع مع “حكام تل أبيب”.
وقد أبرز ويحمان –وهو أيضا رئيس “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” (منظمة غير حكومية)- تعامل التنسيقية مع تنوع مكوناتها التي تضم هيئات ونشطاء مناهضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني يمثلون 20 بلدا عربيا وإسلاميا، ومرامي إعلان التنسيقية العالمية سنة 2021 “عام فلسطين لمقاومة التطبيع”، وتفعيل العمل بميثاق الأمة الرافض للتطبيع الذي أطلقته التنسيقية الصيف الماضي، كما أشار الأكاديمي المغربي إلى موقفه من سلوك رئيس الحكومة المغربية الأخير، وقيادات الصف الأول المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية الذي تعتبر مناهضة التطبيع أحد الثوابت الرئيسية التي قام عليها.
وتتجه التنسيقية، حسب إعلانها الأخير، إلى عمل عالمي قوي وموحد في مواجهة العدو الصهيوني ومقاومة التطبيع لتعزيز الصمود وتثبيت الوجود للشعب الفلسطيني المناضل، وصولا لنبذ الكيان الصهيوني ودحره عن أرض فلسطين والوطن العربي والإسلامي بأسره.
وفيما ما يلي الحوار كاملا:
1- كيف تقدمون أنفسكم لقراء مجلة المجتمع؟
+ باسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
تحية لكم ولقراء مجلة “المجتمع” ولكل أهلنا في الكويت الذين شرفونا، شعبا وبرلمانا وقيادة، بموقفهم من الاختراق الصهيوني والموجة التطبيعية المخزية الأخيرة، وعبروا بذلك عن نبض شعبنا العربي الأبي في الخليج وشبه الجزيرة العربية.
أما بالنسبة للسؤال، فأقدم نفسي بما كتبته ببطاقتي الشخصية:
أحمد ويحمان.. إنسان من المغرب.
2- انتخبتم منسقا عاما لتنسيقية عالمية لمناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع، كيف تم ذلك؟
+ تم ذلك بأن حضرت لاجتماع الهيئة العليا للمساهمة في التداول بشأن تحديد إستراتيجية تحرك التنسيقية وبلورة برنامج عملها.. وعند توزيع المهام داخل الهيئة العليا للتنسيقية، فوجئت بترشيح اسمي للمنسقية العامة وفوجئت ثانية بحصول الإجماع على ترشيحي بعد سحب الأخ طارق الشايع من الكويت ترشيحه للمهمة ذاتها.. وهكذا حوصرت بإجماع لم يترك لي أية فرصة للاعتذار بأن لم يعترض علي أحد لأتخذه ذريعة لذلك.
لم أسع لها.. وتمنيت لو لم أحملها.. لكننا لسنا ممن يجبنون أمام المسؤوليات..
سنغتنم فرصة قرار محكمة الجنايات الدولية لإطلاق حملة عالمية تفضح فاشية الكيان الصهيوني
وها نحن نتوكل على الله.. وهو الموفق بحوله وقوته..
3- تتكون التنسيقية العالمية لمناهضة الصهيونية من عدة جهات مختلفة ومتنوعة فكريا وسياسيا.. كيف نجحتم في إطلاق التجربة؟ وكيف ستدبرون هذا التنوع؟
+ عندما تخلص وتصدق النيات، فلا يمكن لأي عمل إلا أن يبلغ مراميه.. وهكذا تم رسم الإستراتيجية ومعالم الطريق لهذه المبادرة فانطلقت.. وعسى أن يوفقها الله فتتحقق أهدافها، على أيدي مؤسسيها أو من يأتي بعدهم.. ورحم الله الشاعر والمناضل الكبير الحبيب الفرقاني الذي قال:
نبني قواعدها ونرسي أسها *** وعسى يكملهن جيل صاعد
هذا عن انطلاق المشروع.. أما كيف سندبر هذا التنوع واختلاف المرجعيات والمدارس الفكرية والسياسية للمجتمعين حول هذا المشروع، فسوف نحرص دوما كلما ظهر مشكل من المشاكل -وهي أمور واردة وعادية نظرا لطبيعة العمل في مثل هذه المجالات وفي مثل هذه السياقات المرتبطة بهذه الظرفية التي نعيشها- سوف نحرص على رد الأمور إلى أساس ما توافقنا عليه، ويشكل محور الرؤية والإستراتيجية لبرنامج عملنا الذي سطرناه ونعمل على تنفيذه.. نقصد؛ مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع.
فلا شيء خارج هذا يهم ويعني التنسيقية.. لا مجال للحساسيات الفكرية والسياسية في التنسيقية.. والشيء الوحيد الذي يعنيها في الانتساب والنضال في إطارها هو مدى قناعة واستعداد أية هيئة أو شخصية أو أي مواطن من مواطني العالم لمواجهة الصهيونية بما هي فكر وحركة ونظام احتلالي وعنصري وكذا لمقاومة التطبيع مع هذا الفكر وهذه الحركة وهذا النظام.
كل من يؤمن ويعمل بهذا، على امتداد العالم، فمكانه ودوره محفوظ بالتنسيقية.. ولا مكان عندنا لبعض ما هو سائد في كثير من الإطارات الأخرى من قبيل سني- شيعي.. عربي – كردي – درزي – أمازيغي… إلخ.. كل هذا لا يهمنا في التنسيقية، وإنما الإيمان والاستعداد للنضال من أجل الحق والإنصاف والعدل للشعب الفلسطيني وكفاحه العادل ضد البغي والعدوان وجرائم التطهير العرقي والعنصرية الصهيونية.. هذا ما يهم عندنا.
4- ما أولويات المرحلة بالنسبة للتنسيقية في ظل التطورات الأخيرة في مسار التطبيع؟
+ لقد اعتمدنا، في التنسيقية، التزاما مركزيا أطرناه بإعلان “2021 سنة فلسطين ضد التطبيع”؛ فتحت هذا الشعار، سننظم بحول الله، مجموعة من الفعاليات المشتركة بمختلف الساحات لندين ونفضح التطبيع والمطبعين ونتفاعل مع أوسع الجماهير الشعبية للتحسيس بمخاطر الاختراق الصهيوني ومخططاته التخريبية التي لم تعد تقتصر على ما يعانيه منها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، وإنما هي شاملة، ولا تستثني أي قطر من أقطار الأمة العربية والإسلامية.
سيحظى بالأولوية عندنا فضح الطابع العنصري لنظام الأبارتهايد بتل أبيب. وسنسعى للعودة إلى العمل بالقرار الأممي الذي اعتبر لسنوات طوال الصهيونية شكل من أشكال العنصرية.. وسنغتنم فرصة قرار محكمة الجنايات الدولية لاعتبار ولايتها القضائية على جرائم الحرب الصهيونية لإطلاق حملة عالمية تفضح فاشية الكيان الصهيوني وتحمله مسؤولية المجازر التي اقترفها على مدى العقود التي استفاد فيها من رعاية القوى الاستعمارية الكبرى ليكون بعيدا عن المساءلة ويفلت، دوما، من العقاب !
سيكون من أولوياتنا أيضا فضح المطبعين وخلفياتهم والمبررين لهم من المتزلفين أو الجبناء المرتجفين من ضياع امتيازات المواقع والمنافع. وكذلك التعريف بمخاطر الاختراق الصهيوني وشرح معاني التطبيع بما هو غدر للشعب الفلسطيني وتزكية لمجازره وخيانة للمقدسات ولشعوب الأمة.
هذه هي أولوياتنا التي سنعمل، بإذن الله، على بلورة وتنفيذ مشاريعها، موضوعاتيا، في إطار شعارنا: “2021 سنة فلسطين لمقاومة التطبيع”.
إذا كانت سنة 48 تؤرخ لنكبة فلسطين، فإن أواخر سنة 2020 ستؤرخ لنكبة المغرب
5- عرف التطبيع بالمغرب تطورا كبيرا جدا بعد البلاغ الملكي لـ10 ديسمبر 2021 وتوقيع اتفاق 22 ديسمبر. كيف تقرؤون هذا التحول الكبير؟
إذا كانت سنة 48 تؤرخ لنكبة فلسطين، فإن أواخر سنة 2020 ستؤرخ لنكبة المغرب؛ ذلك أن الذي نحن بصدده اليوم ليس مجرد تطبيع “عادي” (مع أن أي تطبيع لا يمكن أن يكون عاديا، وكله مدان) كما هو متعارف عليه في المشرق العربي؛ بعثة دبلوماسية هنا وبعثة دبلوماسية هناك.. مثلما هو الأمر في مصر والأردن.. وإنما نحن بصدد نقل دولة “إسرائيل” إلى منطقة المغرب العربي، انطلاقا من المغرب الأقصى.
وأدعوك للعودة للكتاب الذي أصدرناه في المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وطبعته الثانية في الأكشاك منذ أسابيع.. فالكتاب موثق، يتحدث عن المخطط التخريبي الصهيوني المرسوم للمغرب والقاضي بتقسيمه إلى عدة كيانات بخرائطها وأعلامها.. وأناشيدها الوطنية.. عودوا كذلك إلى أحد المقالات الذي نشرناه بعد أيام من إعلان التطبيع تحت عنوان: “تأسيس دولة إسرائيل الجديدة بالمغرب.. هل عادت الحركة الصهيونية العالمية إلى خطة 1903؟” حيث كشفنا عن مخطط كان يفاضل لبناء الوطن القومي لليهود بين أوغندا بشرق إفريقيا والأرجنتين بأمريكا الجنوبية والمغرب قبل الحسم لفائدة “أرض الميعاد = فلسطين “.
6- هل تعتبرون اختياركم من قبل ممثلي 20 دولة هو اعتراف بجهود المرصد المغربي لمناهضة التطبيع وبالتجربة المدنية المغربية في مواجهة التطبيع؟
+ ربما يكون الأمر كذلك.. وتحية لمناضلات ومناضلي المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وعلى رأس الجميع، فارسه المجاهد، الكاتب العام، الصديق عزيز هناوي.
7. كيف نظرتم تورط قيادة حزب “العدالة والتنمية” في التطبيع الرسمي مع العلم أن عدد من مناضلي هذا الحزب هم من مؤسسي المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ؟
+ بداية نؤكد أن هناك عددا كبيرا من أطر ومناضلي حزب العدالة والتنمية هم من مؤسسي المرصد المغربي لمناهضة، بل ومن قادته من الصف الأول، ومنهم رئيس الحكومة نفسه وكذا وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان.. وفريقه البرلماني هو أول من وقع على مقترح قانون تجريم التطبيع.. ولذلك كانت مصيبتنا في سقوط قيادته مركبة بالنسبة إلينا.
لقد صعقنا بما حصل، خاصة أن رئيس الحكومة، قبل أيام من التوقيع على هذا الاتفاق كان يتحدث عما سماها الخطوط الحمراء، وفصل فيها قائلا؛ فلسطين خط أحمر، والقدس خط أحمر، والأقصى خط أحمر.. وقال بأن تطبيع المغرب مع العدو الصهيوني غير وارد في حساب الدولة والحكومة المغربية لأن ذلك يشجع الاحتلال على مواصلة انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني… إلخ.
لذلك بقدر ثقتنا في هذا الحزب وقيادته جاءت خيبتنا بقبوله وخضوعه للابتزاز.. لم نطلب من قيادة حزب العدالة والتنمية أن تثور في وجه الضغوط، مع أن هذا واجب وطني وشرعي وأخلاقي، لكن كان عليها، على الأقل، أن تعتذر ولا تشارك في هذه الفضيحة.
لم نطلب من قيادة “العدالة والتنمية” أن تثور بوجه الضغوط لكن كان عليها أن تعتذر ولا تشارك بهذه الفضيحة
نحن نعرف الضغوط وحجمها، وكنا نفهم وسنتفهم المناورات، لكن عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية وبعمق المعتقد الروحي ومقدسات المغاربة؛ مسرى رسول المغاربة ومليار ونصف المليار في الأمة الإسلامية.. هنا لا مجال لأي تفهم ولا لالتماس أي عذر لأحد.. ولذلك لم نتردد في إدانة توقيع قيادة حزب العدالة والتنمية على هذا الفعل المخزي والشنيع.
لقد قصرنا الإدانة على الأمين العام للحزب وعلى الوزراء المطبعين ودافعنا عن الحزب ودافعنا عنه تهمة التطبيع، وفاء لعطائه في مجال مواجهة الاختراق الصهيوني، وأملا في تصحيح الخطيئة في المجلس، الذي يعتبر بمثابة السلطة التقريرية (برلمان الحزب).. لكن البيان الختامي للمجلس الوطني جاء مخيبا للآمال هو الآخر لأنه عجز عن تضمين بيانه جملة واحدة من كلمتين كان الجميع يقبل بهما كحد أدنى وهي “ضد التطبيع” لا أكثر..
لكن يبقى اعتزازنا بقطاعات واسعة في الحزب عبرت عن موقف واضح من التطبيع ورفضه وإدانته؛ مثل: حركة التوحيد والإصلاح، والشبيبة، والقطاعات النقابية والشبابية ومنظمة التجديد الطلابي.. وهي أساس الحزب في الحقيقة..
8. كيف تنظرون إلى الربط بين التطبيع وقضية الصحراء المغربية؟
+ هو أسوأ ما يمكن أن يلحق بأثمن قضية وطنية مرتبطة باستكمال الوحدة الترابية للمغرب؛ فالشعب المغربي حرر صحراءه بمسيرة شعبية سلمية أبهرت العالم.. وقدم تضحيات جساما في سبيل تنمية أقاليمه بحجم الاستثمارات والاعتمادات المالية التي خصصها، على مدى عقود، لأجل ذلك.. وعندما تم الاعتداء عليه وتم استهداف وحدته قدم أبناء بسطاء الشعب من الضباط الجنود أرواحهم ودماءهم الزكية للحفاظ على استقلالها ووحدتها.. وفي الأخير يأتي من يضرب عرض الحائط بكل هذه التضحيات ويرهن السيادة بهذه الأقاليم المرورية بدماء الشهداء بتغريدة رئيس البيت الأبيض في ساعاته الأخيرة وبمجرم حرب الكيان الصهيوني الذي لا تفرقه عن الزنزانة كفاسد، إلا أشهر معدودات.
إن ربط الصحراء المحررة بالأمريكان والصهاينة، هو أكبر إساءة إلى ملف الصحراء.. والحال هو أن “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها” كما يقال.
9- صار اسمكم مقرونا في المغرب بمؤسسة المرصد المغربي لمناهضة التطبيع الصهيوني.. كيف تقيمون تجربة المرصد وما مدى أثر دوره؟!
ربط الصحراء المحررة بالأمريكان والصهاينة هو أكبر إساءة إلى ملف الصحراء..
الحقيقة أن المرصد قام بدوره في فضح المخطط التخريبي الصهيوني الخطير المرسوم للمغرب، وكشف عن أجندة هذا المخطط وأدواته وشبكة الصيانيم وصيانيم الصيانيم.
والصيانيم هم اليهود عملاء الموساد في مختلف أنحاء العالم، وهي كلمة عبرية مفردها صيان؛ أي اليهودي عميل الموساد وصيانيم الصيانيم هم المناولين (العطاشة) في العمالة.. أي عملاء العملاء. وقد كشفنا عن شبكتهم التي يشتغلون فيها وتسمى “محبي إسرائيل في المغرب الكبير”، كما كشفنا أنشطة الشبكة وتسلل الكيان في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والخدمات والمال والأعمال والبحث العلمي والمجال الطبي والفن والسينما والموسيقى… إلخ؛ بل إلى الأوقاف والشؤون الإسلامية!
المرصد قام، وما يزال يقوم بدوره في الفضح والمواجهة.. لكن ما أصبح عليه المغرب اليوم أكبر من أن يتحمله المرصد ولا غيره من الائتلافات؛ ذلك أن المطروح على المغرب اليوم هو مصيري وهو: وجوده ككيان.
ولذلك، فالسؤال المطروح، مع هذا المستوى الذي بلغناه من الاختراق، وبعد العد العكسي لأجندة تفجير المغرب الذي بدأ بالإعلان الرسمي للتطبيع، هو: هل سيبقى هناك كيان ودولة اسمه المغرب في الأفق المنظور؟!
سؤال جدي ووجودي، وليس فيه أي مبالغة.