بدأ أنصار الانقلاب في تونس ينفضون عنه، في حين هناك من يريد التقرب منه، ممن كانوا ينتقدونه، وأول المنقلبين الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبو، بل وانقلب التيار الديمقراطي برمته، الذي كانت كتلته في البرلمان تسمّى بـ”كتلة الرئيس”، وكذلك حدث تحول كبير في موقف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بعد التأييد المطلق لقرارات سعيد إلى التحفظ والانتقاد والرفض.
وكان التيار الديمقراطي بزعامة محمد عبو قد أعطوا في السابق صكاً على بياض للرئيس قيس سعيّد؛ بل إن فكرة الانقلاب كانت من بنات أفكاره، حينما دعا إلى ما قام به سعيّد من انقلاب على الدستور ونشر الجيش في المدن لكن سبحان الله مبدل الأحوال؛ فقد حذر محمد عبو -الذي وصف بعد الانقلاب مباشرة بأنه “محمد البرادعي تونس، وابن العلقمي الذي تعاون مع التتار عند غزو العراق”- من أي تمديد للعمل بالفصل (80) من الدستور الذي أعلن قيس سعيد تفعيله يوم 25 يوليو الماضي، واعتبر محمد عبو في تصريح لإذاعة “شمس إف إم”، الخاصة، مساء الأحد 1 أغسطس أن “أي تمديد للفصل (80) يُعدُ أمراً خطيراً”.
وقال عبو: إن “المجتمع الدولي بصدد مراقبة تونس”، وحذّر مجدداً من “اعتبار تونس دولة خارج الشرعية”.
ليس إلهاً
بدوره، عبر النائب بمجلس نواب الشعب عن حزب “التيار الديمقراطي” هشام العجبوني، أمس الأحد، عن رفضه وإدانته “لاستغلال وضع التدابير الاستثنائية لتصفية الحسابات أو للتعسّف في تطبيق القانون واستعراض القوة وترهيب العائلات والأطفال عند الإيقافات”.
وجاءت تصريحات العجبوني، عقب حملة المداهمات الأخيرة التي طالت نوابا تم تقديمهم للمحكمة العسكرية، وهم ياسين العياري (حركة أمل وعمل)، وراشد الخياري (مستقل كان ضمن ائتلاف الكرامة)، ومحمد العفاس (قيادي في ائتلاف الكرامة)؛ حيث أكدت أسرهم أنها تعرضت للإهانات والانتهاكات المختلفة والجماعية أثناء اعتقالهم.
وأكد العجبوني، في تدوين له على صفحته الرسمية بموقع بـ”فيسبوك” إدانته ورفضه لـ”الاعتداء على حقوق وكرامة الموقوفين وحملات التشويه ضدّ منتقدي قيس سعيد”.
وشدد على حقّ كل مواطن تونسي في التعبير عن رأيه بكل حرية، مشيراً إلى أن سعيداً ليس إلهاً حتى لا يتم انتقاده، وأكد أن كلّ ما ينشر عن انتهاكات وتعسّف في تطبيق القانون وعند الإيقاف يسيء إلى سعيّد بالدرجة الأولى.
جوقة المناشدين
النائب أيضاً عن التيار الديمقراطي لسعد الحجلاوي علّق على ما وصفها بجوقة المناشدين قائلاً: لا تُخيفنا المرحلة بقدر ما تُخيفنا جوقة المناشدين الجدد وحملة إمضاءات النخب التعيسة.
وأضاف، في تدوين على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”: مناشدو كل مرحلة هم سبب تعاسة كل مرحلة، المناشدة هي الاستعداد الفطري لدى نخبة تعيسة لقبول الدكتاتورية طوعاً.
وكان عدد من “المناشدين” قد عبّروا في رسالة مفتوحة عن دعمهم لسعيد، ومنهم ألفة يوسف (من أتباع النظام السابق)، ونجا المهداوي، ويوسف الصديق، وجليلة بكار، والفاضل الجعايبي، ووحيدة الدريدي، والأسعد الجموسي، ومحمد كوكة، والمنصف المزغني، وسلوى الشرفي، وإبراهيم اللطيف (من التيار الفرنكفوني المعادي للهوية الإسلامية).
الغريب أن أغلبهم كان من مناهضي قيس سيعد خلال حملته الانتخابية عام 2019 ومنهم من كان يعتبره متطرفاً ومتشدّداً دينياً، “لكنها أوامر باريس”، على حد قول بعضهم.
لا تصنعوا دكتاتوراً جديداً
الأستاذة الجامعية ومديرة المكتبة الوطنية د. رجاء بن سلامة رغم علمانيتها طالبت بعدم صنع إله جديد ودعت إلى “الكف عن صناعة دكتاتور جديد”؛ حيث دوّنت على صفحتها على “فيسبوك”: “مثال من بين أمثلة عديدة عن العبوديّة المختارة”، وذلك تعليقاً على صورة ضخمة لسعيد تم تعليقها في مكان عام.
وأضافت بن سلامة: يهديكم، لا تصنعوا لنا دكتاتوراً جديداً، لا تحتاجون إلى هذا، ولا نحتاج إلى هذا حتى نطبّق القانون ونضع حدّاً للإفلات منه، ونبني ديمقراطيّة حقيقيّة.
وكتب النائب عن التيار الديمقراطي سفيان مخلوفي: إن الكثيرين ممن يهللون ويطبلون أخذ الطمع منهم مأخذه، ويرون أنفسهم في الحكم إلى جانب الرئيس وليس ذلك بناء على وجهة نظر للمستقبل بل لمآرب أخرى.
وتابع أنّ الكثيرين ممن كانوا يشتمون الرئيس أصبحوا من المهللين، وهذا -في حد ذاته- مؤشر في الانحطاط الفكري والسياسي الذي لا يزال يهددنا.
وقال: إنّ عودة بعضهم إلى الفن الغنائي باسم الشعب هو تملق على الطريقة النوفمبرية الذي كرهناه وسئمنا أشكاله.
أسباب تغيّر مواقف التيار
لا تخرج أسباب تغيّر موقف “التيار الديمقراطي” من موالاة الانقلاب إلى الانقلاب عليه، عن ثلاثة أسباب، كما يقول محللون:
أولهاً: أن التيار أدرك حجم الكارثة التي تسبب فيها ودفع إليها، وهو يعبّر عن ندمه وتراجعه عن تأييد الانقلاب.
ثانياً: التيار كان يظن على طريقة بعض من أيدوا الانقلاب في مصر أنه ستكون لهم حظوة لدى المنقلب، وسيتولون المناصب العليا في تونس على جماجم خصومهم، فلما أدركوا أن المنقلب يمثل منظومة مختلفة انفضوا من حوله وانتقدوه وأصبحوا من معارضيه.
ثالثاً: الموقف التونسي الداخلي المتكتل حول رفض الانقلاب والتمسك بالمسار الديمقراطي، وعودة البرلمان إلى مقره (الإسلاميون، أغلب اليسار، المنظمات الوطنية، رابطة حقوق الإنسان، والاتحاد العام التونسي للشغل – نقابة العمال، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة – رجال الأعمال، والشخصيات الاعتبارية، وكذلك الموقف الدولي الداعي لعودة الديمقراطية والحياة النيابية بشكل طبيعي سريعاً)، وهو ما جعل التيار خارج سياق الثورة ومع استبداد جديد كان يناضل ضد سلفه، وهناك من يضيف بُعداً رابعاً وهو الخوف من الانتقام.
انقلاب موسي
ومن بين القافزين من قطار انقلاب الرئيس التونسي النائبة المثيرة للجدل رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي؛ فبعد 3 أيام فقط على الانقلاب في تونس، تحول موقف موسي من التأييد لخطوات الرئيس قيس سعيّد إلى الرفض الشديد.
وفسر مراقبون ذلك التناقض بأنه ناتج عن “تنكّر” الرئيس التونسي لموسي، التي لطالما شكلت جزءاً أساسياً من حالة الفوضى، التي تذرع بها سعيّد لتنفيذ انقلابه.
وتُجاهر موسي وحزبها الذي يمتلك 16 مقعداً في البرلمان من أصل 217، بعدائها المستمر لحركة “النهضة” (53 نائباً من أصل 217)، كما أنها أعربت في مناسبات عديدة عن رفضها للثورة الشعبية في عام 2011.
وبعد ترحيب موسي، الإثنين الماضي، بانقلاب سعيّد، فوجئ الشارع السياسي، الخميس الماضي، بتصريحات للنائبة المثيرة للجدل، أبدت فيها رفضها الشديد لتلك القرارات خاصة المتعلقة بتعليق عمل المجلس ورفع حصانة النواب.
وقالت موسي، في مداخلة مباشرة لها عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك”، الخميس: “نحن نواب الشعب ما زالت لدينا صلاحيات”.
وتوجهت للرئيس بالقول: “قمت بتجميد عمل مجلس النواب، لكن لم تنزع صفة نائب شعب عليَّ أو على غيري، وأنا ما زلت نائب شعب منتخباً”.
وتابعت بأنه لا يمكن رفع الحصانة بمقتضى الفصل (86) من الدستور التونسي، سواء من قبل رئيس الجمهورية أو القضاء أو أي طرف آخر، باعتبارها حصانة مطلقة، وفق قولها.
وينص الفصل (86) من الدستور على أنه “لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب، أو إيقافه، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها، أو أعمال يقوم بها، في ارتباط بمهامه النيابية”.
هذه التصريحات اعتبرها مراقبون نابعة من قلق داخلي لدى النائبة موسي من شعورها بأن هناك اتجاهاً لاستبعادها من المشهد الحالي، إذ إنها دائماً تبحث عن دور، قد يكون الرئيس سعيّد سحبه منها بقراراته الأخيرة.
صدام قطاري الشعبوية
وفي هذ الصدد، رأى العربي الصديقي، الأكاديمي المتخصص في التحول الديمقراطي والثورات، أنّ الساحة التونسية تتسع للتنوع، وهذا يعكس، ربما، نقطة ضعف في التموضع السياسي الذي تسعى إليه موسي.
وأضاف: من ناحية، يوجد تشابه بينها وبين سعيّد، فكلاهما يريد أن يظهر أنه مركب القائد الملهم، لكن من ناحية أخرى هذا المركب يضع موسي، وسعيداً، في طريق صدام سياسي، من المفروض أن يكون تنافسًا مشروعًا شفافًا وديمقراطيًا.
جرأة وتناقض
ورأى الصديقي في موقف موسي جرأة سياسية، إلا أنها تناقض نفسها، فمن ناحية تتكلم بلسان المشاركة أي عدم السماح بتجميد المؤسسة البرلمانية، لكن هي مع تجميد من تُسميهم الإخوان. وأكمل: من الواضح أن صعود سعيّد يقلقها.