سلطت الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية (NPR)، أمس الأربعاء، الضوء على جملة من التساؤلات التي أثيرت بعد إصرار الرئيس الأمريكي جو بايدن على إنهاء الانسحاب من أفغانستان في موعده ودون أي تأجيل.
وأوضحت الإذاعة في تقرير للكاتب دومينيكو مونتانارو، أن بايدن أصدر دفاعاً صارماً، الثلاثاء، عن قراره بالخروج من أفغانستان، وأشاد بالإجلاء النهائي، الذي شهد نقل أكثر من 120 ألف أمريكي وأفغاني وآخرين من كابل، ووصفه بأنه “نجاح غير عادي”.
وأشار الكاتب إلى أن الأمريكيين دعموا إلى حد كبير الخروج من الحرب بأفغانستان، التي استمرت 20 عاماً وأدوت بحياة الآلاف، “لكن كيفية الانسحاب أثارت انتقادات عديدة، وخلق استيلاء طالبان على السلطة بسرعة، ظروفاً جعلت الولايات المتحدة تتدافع للخروج”.
وذكر مونتانارو أنه “من المحتمل أن يكون لتداعيات التدخل الأمريكي في أفغانستان والانسحاب من البلاد آثار طويلة الأمد، ما يثير الكثير من الأسئلة، متحدثاً عن 5 منها.
1- ماذا سيحدث للأمريكيين الذين ما زالوا في أفغانستان؟
وبحسب مونتانارو، قال بايدن: إن “هناك ما بين 100 إلى 200 أمريكي ما زالوا في أفغانستان، ومعظمهم مواطنون مزدوجون، ولم يرغبوا في البداية بالمغادرة بسبب الجذور العائلية في البلاد”، لافتاً إلى أن بايدن وعد قبل أسبوعين بالبقاء حتى خروج جميع الأمريكيين.
وأشار الكاتب إلى أنه في مواجهة التهديدات “الإرهابية” كان هناك حاجة ملحة للالتزام بالموعد النهائي الذي حددته الولايات المتحدة في نهاية أغسطس للخروج من أفغانستان، مستنداً إلى ما صرّح به بايدن نفسه حينما قال: إن “مسؤولي الجيش ووزارة الخارجية والمخابرات حثوه جميعاً على عدم تأجيل الانسحاب”.
وشدد بايدن على أن “هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لن تعمل على إخراج هؤلاء الأمريكيين”، مضيفاً أن بلاده ملتزمة بإخراجهم إذا كانوا يريدون الخروج (..)، والآن أصبحت هذه مهمة دبلوماسية صعبة تعتمد على حسن نية “طالبان”.
2- ماذا سيحدث للاجئين الأفغان وحاملي التأشيرات؟
قال بايدن: إن نحو 100 ألف شخص تم إجلاؤهم أفغان (..)، وتطرق التقرير إلى أن الكثير من هؤلاء شقوا طريقهم بالفعل إلى الولايات المتحدة، لكن لا يسعد الجميع بذلك، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، بدا كما فعل عندما ترشح لأول مرة للرئاسة، منتقداً قدوم المهاجرين إلى أمريكا.
ونوه مونتانارو إلى أنه يتم فحص جميع حاملي تأشيرات الهجرة الخاصة، ويخضعون لفحوصات صارمة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، موضحاً أن الكثير منهم قاتل إلى جانب القوات الأمريكية، والعديد من المحاربين القدامى هم من يقودون الهجوم، لإيصالهم إلى الولايات المتحدة.
وأكد أن هذه المسألة لم توقف الخطاب “الملتهب” ضد المهاجرين، وكتب النائب الجمهوري مات روزندال بموقع “تويتر”: كم عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين الذين يجب أن يموتوا لإجلاء اللاجئين؟ مطالباً بإخراج الأمريكيين فقط والعودة إلى الولايات المتحدة.
وذكر الكاتب أنه ليس كل الجمهوريين يشاركون هذا الرأي، مبيناً أن السيناتور توم تيليس من ولاية كارولينا الشمالية، الذي يعمل مكتبه على إعادة توطين العديد من اللاجئين، تبنى رأياً آخر يتعلق باحتضان طالبي اللجوء الأفغان.
ووفق التقرير، فإن الاستطلاعات المبكرة أظهرت أن ترمب والمتشددين لا يتماشون مع الرأي العام الأمريكي بشأن اللاجئين، لكن من المتوقع أن تصبح القضية سياسية وأكثر استقطاباً، كما حدث في التاريخ الحديث مع اللاجئين السوريين (..)، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن استطلاعات الرأي أظهرت على مر السنين، أن الأمريكيين لم يرحبوا كثيراً باللاجئين.
3- ماذا يعني الانسحاب من أفغانستان لنهج بايدن تجاه العالم؟
أشار بايدن إلى أن مجرد قيام الولايات المتحدة بسحب القوات البرية من أفغانستان، لا يعني أنها تتهرب من العالم، مبيناً أنه مع اختتام 20 عاماً من الحرب والفتنة والألم والتضحية، حان الوقت للتطلع إلى المستقبل وليس الماضي.
واستدرك التقرير: لكن هذا يترك أسئلة مفتوحة حول الكيفية التي يريد بها بايدن التعامل مع هذا العالم الجديد، مضيفاً أنه يؤكد أنه ما زال يكافح الإرهاب وأن الولايات المتحدة لن تتراجع عن هذه الجهود بما في ذلك في أفغانستان، دون الحاجة إلى خوض حرب برية.
ولفت إلى أن أمريكا أظهرت قدراتها الجوية حينما استخدمت الطائرات دون طيار لضرب مخططي تنظيم “الدولة” المزعومين والسيارة المشتبه بها والحاملة للمتفجرات خلال الأيام الأخيرة، لكن إدارة بايدن تعرضت لانتقادات لاعتمادها على هذه الوسيلة، بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في بعض الحالات.
وحذر بايدن من وجود تهديدات جديدة تلوح في الأفق، على شكل المنافسة الاقتصادية مع الصين، والهجمات الإلكترونية، والانتشار النووي في روسيا وغيرها، مؤكداً أن هناك أمرين معاً: “محاربة الإرهاب ومواجهة التهديدات الجديدة”.
4- هل سيؤثر الخروج على بايدن سياسياً على المدى الطويل؟
أشار الكاتب إلى أن بايدن كرر خلال خطابه الأخير النقاط التي أثارها من قبل حول أسبابه للانسحاب، معتقداً أن “هذا الشيء يفعله الكثير من السياسيين، عندما تكون القضايا أكثر جدلية (..)”.
واستدرك: لكن رغم الانتصار الذي وضعه بايدن في الانسحاب، فإنه تلقى بلا شك ضربة سياسية على الأقل في المدى القصير، مشيراً إلى أن الخروج الفوضوي وضع أثراً في الكفاءة التي حاول بايدن بناءها، وربما لن يبتعد بايدن عن ظل هذا الانسحاب بسرعة.
وتوقع أن تكون هناك تحقيقات في الكونغرس بهذا الصدد، وعلى الأرجح ستكون في وقت يفضل فيه الحديث عن التشريعات المحلية، مثل مشروع قانون البنية التحتية من الحزبين، لكن السيطرة على جائحة الفيروس التاجي، واستمرار بايدن في تعزيز الاقتصاد، سيساهم في تحديد النجاح أو الفشل على المدى الطويل.
5- هل يفضل الرأي العام الأمريكي القرار النهائي بشأن مغادرة أفغانستان عن الأسبوعين الأخيرين من الحرب؟
وفق ما ورد في التقرير، فقد سئم الأمريكيون إلى حد كبير من التورط في أفغانستان، ولكن هناك خيطاً رفيعاً في كيفية رؤية الأمريكيين لما حدث في أفغانستان، بين الحرب نفسها والانسحاب، منوهاً إلى أن استطلاعا للرأي أجراه مركز الأسبوع الماضي وشمل أكثر من 10 آلاف أمريكي، وجد 54% يعتقدون أن الخروج من أفغانستان كان القرار الصحيح.
وتابع: لكن 27% فقط قالوا: إن إدارة بايدن قامت بعمل جيد على الأقل في التعامل مع الوضع في أفغانستان، وهذا يشمل 43% فقط من الديمقراطيين، منوهاً إلى أن بايدن تحمل المسؤولية عن كيفية التعامل مع الانسحاب، إلا أنه كان دفاعياً ونشر الكثير من اللوم، لا سيما على سلفه، لإبرام اتفاق مع “طالبان”.
وختم التقرير قائلاً: يأمل فريق بايدن أن يمنحه الأمريكيون الفضل في إنهاء الحرب، أكثر من إلقاء اللوم على الخروج، معتقداً أن ما يبدو اليوم كعذر، سينظر إليه غداً على أنه أسباب تاريخية.