يثار كل فترة إعادة النظر في الأذان في عدد من قضاياه المعاصرة، منها أن يكون الأذان مسجلاً، ومنها: أن يكون موحداً على مستوى القطر، ومن ذلك طلب أن تشارك المرأة في الأذان، وألا يقتصر الأذان على الرجال، بل يجوز للمرأة أن تؤذن، وآخر المطالبات هو إذاعة القرآن بصوت إحدى المغنيات ذات الصوت الجميل، وأن هذا يحبب الناس في الأذان!!
وأذان المرأة له في الفقه شقان: الشق الأول: أذان المرأة للنساء، وأذان المرأة لعموم المسلمين.
أذان المرأة للنساء:
أما أذان المرأة لجماعة النساء فمحل خلاف بين الفقهاء، فأجازه أحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن عمر.
قال إسحاق: كلَّما صلَّين في جماعة أَذَّنَّ وأقَمن. “مسائل الكوسج” (372).
وقال أبو داود: سمعتُ أحمد سئل عن المرأة تؤذنُ وتقيمُ؟
فقال: سئل ابن عمر عن المرأة تؤذن وتقيم؟ فقال: أنا أنهى عن ذكر اللَّه! أنا أنهى عن ذكر اللَّه! “مسائل أبي داود” (200)».
وذكر النووي أن أذان المرأة للنساء فيه ثلاثة أقوال: الأول: تستحب الإقامة دون الأذان، وتستحب الإقامة والأذان، والثالث: لا تستحب الإقامة ولا الأذان. (راجع: «المجموع شرح المهذب» (3/ 100).
أذان المرأة للرجال:
أما أذانها للرجال:
وجمهور الفقهاء على أن من شروط الأذان الذكورة، ومن أقوالهم في هذا ما يلي:
قال الإمام السرخسي الحنفي في «المبسوط » (1/ 133):
(وليس على النساء أذان ولا إقامة) لأنهما سنة الصلاة بالجماعة وجماعتهن منسوخة لما في اجتماعهن من الفتنة وكذلك إن صلين بالجماعة صلين بغير أذان ولا إقامة لحديث رابطة قالت كنا جماعة من النساء عند عائشة – رضي الله عنها – فأمتنا وقامت وسطنا وصلت بغير أذان ولا إقامة ولأن المؤذن يشهر نفسه بالصعود إلى أعلى المواضع ويرفع صوته بالأذان والمرأة ممنوعة من ذلك لخوف الفتنة، فإن صلين بأذان وإقامة جازت صلاتهن مع الإساءة لمخالفة السنة والتعرض للفتنة».
ومال بعض الحنفية إلى الكراهة، واختلفوا هل يعاد م لا؟
قال السمرقندي في «تحفة الفقهاء» (1/ 111): «وأما أذان المرأة فيكره بالإجماع ولكن يجوز مع الكراهة حتى لا يعاد كذا ذكر في ظاهر الرواية. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يعاد»
قال الشيرازي في: “التهذيب في فقه الإمام الشافعي” (2/ 52):: “ولا يحسب أذان المرأة؛ لأنها لا تكون إماماً للرجال” .
وقال النووي في «المجموع شرح المهذب» (3/ 100): «لا يصح أذان المرأة للرجال لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ونص عليه في الأم ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه وفيه وجه حكاه المتولي أنه يصح كما يصح خبرها»
وقال الإمام الجويني من الشافعية في «الجمع والفرق = الفروق» (1/ 311): «أذان المرأة غير محسوب للرجال، وأذان الصبي محسوب إذا أسمع النواحي.
والفرق بينهما: أن جنس (الأذان) غير مشروع لجنس النساء فليست من أهله (وإذا أذنت للرجال) (جعلنا وجود أذانها كعدمه».
وحكى ابن رشد الخلاف في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (1/ 118)، فقال:
«والجمهور على أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة.
وقال مالك: إن أقمن فحسن.
وقال الشافعي: إن أذن وأقمن فحسن.
وقال إسحاق: إن عليهن الأذان والإقامة.
وروي عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم فيما ذكره ابن المنذر، والخلاف آيل إلى هل تؤم المرأة أو لا تؤم؟ وقيل: الأصل أنها في معنى الرجل في كل عبادة، إلا أن يقوم الدليل على تخصيصها، أم في بعضها هي كذلك وفي بعضها يطلب الدليل؟»
محددات في موضوع أذان المرأة:
المحدد الأول: أن غالب ما ورد من كلام الفقهاء في الجواز، إنما هو لأذان وإقامة المرأة للنساء وليس أن تكون المرأة مؤذنة عامة للرجال والنساء على حد سواء.
المحدد الثاني: أن من يذهب إلى إذاعة الأذان بصوت المرأة، ما الجديد الذي قدمه، فما زال الرجال يذاع الأذان بأصواتهم، والأذان هو إعلام بدخول الوقت، وقد حصل بالرجال، فما الجديد الذي أضافه هذا الرأي للشرع؟
المحدد الثالث: أن غالب من ينادي أن يكون الأذان العام بصوت المرأة كما هو للرجل، لم يخرج عن اجتهاد فقهي من الفقهاء، وإنما خرج من أصوات غالبها لا ينتمي إلى الفقه أو حتى التدين، بل غالبها من تيارات تعادي الفكر الإسلامي، من التيارات العلمانية، أو من الجمعيات النسوية، التي تريد إقحام المرأة في كل صغيرة وكبيرة.
المحدد الرابع: أن المتتبع لأحكام الشريعة فيما يخص النساء يلحظ أن أصل المرأة قائم على الستر، إلا ما دعت الحاجة إليه، سواء لها أو لغيرها، وأن مشاركتها في العمل العام يكون قائما على تحقيق مقاصد حقيقية، وليس مقاصد متوهمة، وأنه يستفاد من المرأة من خبرتها خاصة أن كثيرا من النساء يتميزن عن الرجال في بعض الأعمال، أو تشارك الرجال في بعض الأعمال بما تكون الحاجة ماسة إليه، أما الإقحام لمجرد الإقحام فليس من روح الشريعة، وأن ما كفى فيه الرجال النساء، فلسنا بحاجة إلى إقحام المرأة فيه.
المحدد الخامس: أن أذان المرأة فيه من المفاسد والمفاتن ما هو معلوم، ولسنا هنا مع القول: إن صوت المرأة عورة، فصوتها ليس بعورة، ولكنه فتنة، وفرق بين العورة والفتنة، وكون صوت المرأة فتنة ليس عيبا في المرأة، بل هو عيب في بعض الرجال، لكن الشرع يحفظ تعرض المرأة لمثل هذا، ولا أن تكون هي سببا في ذلك، وقد قال الله تعالى: ﵟوَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚﵞ [الأحزاب: 53].
المحدد السادس: أننا بحاجة إلى تفعيل دور المرأة في المجتمعات، ولكن في قضايا تكون خبرة المرأة وعطاءها ذات نفع على المجتمع، فالنساء شقائق الرجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، على أن أدوار المرأة الرئيسة في المجتمع مهملة ولا تأخذ حقها في كثير من الأحيان فيما تحسن.
المحدد السابع: أن الاقتراح القائم هو أذان إحدى المغنيات، وهذا يعني خلط الأذان بنغم الغناء، وهو فساد في الدين، وخروج عن روح دين رب العالمين، وهو أمر مستهجن من النساء قبل الرجال.