معرفة الإنسان هي حجر الزاوية في الوصول لمعرفة الله، وهي أصل من أصول أفكار كل المعتقدات والفلسفات.
وجدير بالباحث عن الحق أن يقف على تصور المعتقدات والفلسفات للإنسان.
الإنسان في الإسلام ليس هو المخلوق الحقير المذنب وارث خطيئة آدم، وليس هو المبرَّأ من خطيئة حملها عنه غيره، ليس ذلك الإنسان المخلوق عبثا في حلقة لا نهائية بين أرحام تدفع وأرض تبلع، ليس هو إنسان داروين سليل القرود، ليس هو إنسان الفلسفة العدمية التافه الضائع الذي يموت إلى الأبد، ليس هو إنسان الفلسفة الوجودية إله نفسه في مجتمع ليبرالي يشرع لنفسه ويحدد قِيَمَه، وليس هو مجرد تِرْس في عجلة مجتمع شيوعي.
والناس في الإسلام ليسوا طبقات: بيضاء وسوداء، براهمة ومنبوذين.
وليسوا شعبين: شعبا مختارا وأمميين.
وليس لهم برنامجان: أحدهما للعموم وآخر للرهبنة والكهنوت.
الناس في الإسلام سواسية لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
الإنسان في الإسلام هو أشرف مخلوق، هو نفخة من روح الإله، وخليفته في أرضه، وحامل أمانته، ومستودع علمه {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}.
إنسان يملك حق الاختيار: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10).
إنسان مسؤول عن أفعاله هو: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الإسراء: 15).
لا واسطة بينه وبين خالقه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186).
أصل الإنسان في الإسلام قطعة من طين الأرض، ونفخة من روح الإله، فطرته خليط من الأرض والسماء.
وعن هذا التصور للفطرة البشرية تقوم فلسفة الإسلام وتشريعاته.
يتوازن مع تلك الفطرة الممزوجة من روح وجسد، لم يتركه إنسانا ماديا غارقا في المادة، ولم يطالبه بهجر مملكة الدنيا انتظارا لمملكة السماء، ولم يضعه أمام خيارين لا يمكن الجمع بينهما: الدنيا أو الآخرة، بل جمعهما في توازن: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77).
الإسلام هو دين الإنسان؛ فكما أن الإنسان وحدة بين الروح والجسد، فكذلك الإسلام وحدة بين الدين والدنيا، بين الروح والمادة، بين الإنسان وحياته المادية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، هذه الوحدة المتسقة مع فطرة الإنسان غريبة عن المذاهب الدينية والمادية معا.
إنها ميزة الإسلام وأخص خصائصه، ومن أراد أن يفصل الإسلام عن حياة الناس فسيكون كمن يفصل روح الإنسان عن جسده.
الإسلام هو دين الناس، وبيت عبادته بيت الناس: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96).
وربه: (بِرَبِّ النَّاسِ {1} مَلِكِ النَّاسِ {2} إِلَهِ النَّاسِ) (الناس).