“إن زيارة شيخ الأزهر الشريف إلى العراق تحمل العديد من الدلالات، التي منها مساهمته في مسيرة الاستقرار والحوار والأمن الفكري لمجتمع نالت من وحدته واستقراره قوى الشر وتنظيمات التطرف والإرهاب”.
بهذه الكلمات الواضحة لأهداف الزيارة المرتقبة، جاء تقرير عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تحت عنوان “زيارة الإمام الأكبر للعراق نوفمبر المقبل.. تحديات وغايات”.
ومن المقرر أن يزور شيخ الأزهر أحمد الطيب الشريف العراق خلال شهر نوفمبر الجاري، وفق ما هو معلن، وسط تحديات كبرى تتطلب تواجد المؤسسة السُّنية الأكبر في قلب الأحداث.
وفي مارس الماضي، استقبل فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب وفداً عراقياً رسمياً برئاسة سعد كمبش، رئيس ديوان الوقف السُّني بالعراق، حيث سلَّم رئيس الوقف السُّني 3 دعوات لشيخ الأزهر لتجديد الدعوات السابقة للطيب لزيارة العراق.
زيارة تاريخية تتصدى لتحديات وتضع أهدافاً عليا
مواجهة غير تقليدية
وبحسب التقرير، فإن الأزهر الشريف يرى أن “المواجهة التقليدية للتطرف بالرد على الشبهات التي تثيرها التنظيمات المتطرفة والإرهابية لا تفي بالغرض كاملًا ولا تلبي جميع الاحتياجات العملية والمعرفية للمجتمع، الأمر الذي يفرض على المؤسسات المعنية أن تنوع في الأساليب، ولمَّا كان الأزهر من ضمن المؤسسات التي تعمل على هذا الملف المهم والخطير، وهو مكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة، رأى الأزهر الشريف أن يجدد من وسائله في مكافحة الفكر المتطرف باستحداث آليات جديدة من شأنها الاشتباك أكثر مع الفكر المتطرف، ويأتي على رأس هذه الأمور -الآن- زيارة فضيلة الإمام الأكبر إلى العراق المرتقبة”.
ويضيف التقرير أن “هذه الزيارة في وقت بدأ العراق فيه دخول مرحلة جديدة لما بعد تنظيم “داعش” الإرهابي، ولا سيما بعد “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، الذي تم الاتفاق فيه من قبل الدول المشاركة على تقديم أوجه الدعم للعراق؛ لخلق حالة من الحوار والعمل المشترك”.
ويوضح الأزهر أن “زيارة الإمام الأكبر للعراق تأتي في إطار المشتركات الكثيرة بين الشعب المصري والعراقي، كما تأتي بعد زيارة البابا فرنسيس للعراق في مارس الماضي التي ثمنها شيخ الأزهر، وهذا يعني أن بنود وثيقة الأخوة الإنسانية ستكون حاضرة وبقوة في الزيارة التاريخية لفضيلة الإمام الأكبر لهذا البلد الذي هو في أمسِّ الحاجة إلى إعلاء روح الأخوة الإنسانية؛ لمواجهة التحديات المعاصرة”.
ويشير التقرير إلى أن “زيارة شيخ الأزهر الشريف تحمل العديد من الدلالات، التي منها أنه لا يقف بمنأى عن التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، بل إنه يعاين الواقع عن قرب ليقف على التحديات والاحتياجات”.
ويثمن التقرير تصريح رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، حين التقى مع الطيب بمشيخة الأزهر الشريف بالقاهرة، حيث قال: “العراق يعول كثيرًا على زيارة شيخ الأزهر، وستكون زيارة تاريخية؛ لدعم العلاقات الأخوية بين القاهرة وبغداد”.
الطيب صرح في وقت سابق باحتمالية زيارته النجف
زيارة مختلفة
الأزهر في تقريره يؤكد أن تصريحات الطيب حول هذه الزيارة تنبئ أنها ستكون زيارة مختلفة عن كل زيارات شيخ الأزهر، ووجه اختلافها يعود إلى سببين، أولهما أن تنظيم “داعش” الإرهابي بدأ نشأته من العراق حتى احتل فيها مُدنًا بأكملها، الأمر الذي جعل العراق من أكثر البلاد تضررًا بالإرهاب على المستويات كافة.
أما السبب الثاني، بحسب التقرير، فهو “المكون العِرقي لشعب العراق”، حيث يتمتع العراق بمكون مجتمعي مختلف إلى حد كبير، ففيه يعيش السُّنة والشيعة، والمسيحيون واليهود، والأكراد..”، الأمر الذي من الممكن أن يشكل ثراء فكريًّا وثقافيًّا كبيرًا للعراق كما كان من قبل في تاريخه.
ويشير التقرير إلى أن هناك تحديات كبيرة جدًّا أمام كلِّ الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن الفكري للعراق، مما يستدعي بذل جهود غير عادية للقضاء على توابع الفكر المتطرف، لا سيما مع الفجوة التي صنعها تنظيم داعش الإرهابي بين الأعراق والفصائل الذين عاشوا جنبًا إلى جنب في العراق على مدار قرون عديدة.
رسالة واضحة
ويلفت التقرير الانتباه إلى أهمية تصريح الشيخ أحمد الطيب حين قال عن العراق: “أتوق لرؤية بلد ومدن لطالما تعلقت بفكر شيوخها وعلمائها وجهودهم في خدمة العلم والدعوة”، موضحا أنه يريد أن يلفت أن عراق الفكر والثقافة والعلم هو البلد الذي سكنه الكثير من علماء الإسلام الذين نشروا معاني التسامح والأخوة وقيمهما؛ ففيه عاش الحسن البصري، والإمام أبو حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، والجنيد البغدادي، وإمام أهل السنة “أبو الحسن الأشعري”، وغيرهم من أئمة المسلمين الذين حاربوا الغلو والتشدد والانحراف الفكري والسلوكي بأشكاله كافة.
ويرى مرصد الأزهر أن هذه الزيارة الشجاعة والتاريخية للشيخ أحمد الطيب من شأنها أن توضح واجب الأزهر الشريف نحو الأشقاء، كما تأخذ شكلًا غير نمطي في مواجهة الأزهر الشريف الشاملة للفكر المتطرف.
كما يرى المرصد الأزهري أن هذه المواجهة أمامها العديد من التحديات، منها: الردود على الأفكار المتطرفة وبيان زيفها وبعدها عن الإسلام الحنيف، و تحصين أفراد المجتمع من الانخراط في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وإعداد علماء وأئمة على قدر من الوعي والثقافة؛ لمواجهة هذه الأفكار، ولكي يمثلوا حائط صد أمام أية أفكار وافدة على المنهج الحنيف، وتوحيد الصف وإعلاء روح الأخوة الإنسانية وإزالة الترسبات الموجودة في نفوس بعض مكونات المجتمع، إضافة إلى بحث سبل المعالجة الفكرية للأطفال والنساء الذين نشأوا تحت وطأة التنظيم المتطرف، وخاصة في مخيمات اللاجئين.
وتحدثت تقارير إعلامية عن احتمالية زيارة شيخ الأزهر مدينة النجف ولقاء المراجع الشيعية.
لكن لم تصدر تصريحات رسمية من مشيخة الأزهر حول جدول الزيارة حتى وقت كتابة هذه السطور.