بعد إيقاف السلطات في تونس بث قنوات تلفزية وحجز معداتها بداعي مخالفاتها للقانون، يرى أصحابها أن هذا الإجراء وإن كان في ظاهره تنفيذا للقانون، فإنه يخفي نوايا مبيتة لإسكات الإعلام المعارض لرئيس الجمهورية أو المحسوب على خصومه السياسيين.
ومنذ أسابيع بدأت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري (الهايكا) المكلفة بتنظيم القطاع، في إجراءات مداهمة وحجز لأجهزة البث التلفزي لمجموعة من القنوات المحلية بالتنسيق مع الجهات الأمنية.
وشمل الإجراء قناة “الزيتونة” المقربة من حركة النهضة، وقناة “نسمة” لمالكها سابقا رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، وينتظر أن يشمل الإجراء قناة “حنبعل” الخاصة، التي استبقت قرار هيئة الهايكا بالتوقف عن البث بشكل تلقائي بانتظار تسوية وضعيتها القانونية.
وبررت الهيئة قراراتها بمخالفة هذه القنوات للقانون، وممارستها نشاط البث دون رخصة، وتعمدها المماطلة في تسوية وضعيتها القانونية.
واتهمت الهايكا في بيان سابق لها قناة نسمة الخاصة بعدم الاستقلالية، وبأن المشرف عليها هو قيادي في حزب قلب تونس، مما انعكس على مضامينها الإعلامية و”أخلّ بحرية الاتصال السمعي البصري“.
الهايكا لا تصفي حسابات
وفي السادس من الشهر الماضي حجزت الهيئة معدات البث لقناة الزيتونة، وبررت قرارها باستمرار القناة في البث دون رخصة، رغم تنبيه القائمين عليها في أكثر من مناسبة.
وتقول عضو الهايكا سكينة عبد الصمد للجزيرة نت إن قنوات نسمة والزيتونة وحنبعل تبث منذ سنوات خارج إطار القانون، رغم دعوتها في أكثر من مناسبة لتسوية وضعياتها في أقرب الآجال.
وعبرت في السياق ذاته عن أسفها لإغلاق أو إيقاف بث أي قناة تلفزية لما في ذلك من خسارة للمشهد السمعي البصري في البلاد، لكنها شددت بالمقابل على أن ذلك لا ينبغي أن يكون حجة لخرق القانون والتشريع للفوضى الإعلامية.
ورفضت عبد الصمد الاتهامات الموجهة للهيئة وأعضائها بتصفية الحسابات السياسية والشخصية ضد هذه القنوات ومالكيها، واستغلال المناخ السياسي الراهن في البلاد لتنفيذ قرارات قطع البث.
وشددت على استقلالية الهيئة وأعضائها، وعدم خضوعها لأي جهة سياسية، وأنها تطبق القانون وتراقب المشهد السمعي والبصري منذ سنوات، وانطلقت في إجراءاتها العقابية ضد القنوات المخالفة قبل حتى تاريخ 25 يوليو الماضي.
وذكّرت عضوة الهيئة في ختام حديثها بممارسات وصفتها بغير القانونية لبعض القنوات التي استقوت سابقا بأحزاب سياسية نافذة كانت في السلطة، للتمرد على القانون ومواصلة البث دون رخصة، حسب قولها.
وأعلنت قناة حنبعل منذ يومين عن إيقاف البث بشكل تلقائي بانتظار تسوية وضعيتها القانونية مع الهايكا، وحتى لا تلقى مصير قنوات أخرى.
وفي هذا الإطار، أكد الصحفي ورئيس تحرير قسم الأخبار بالقناة محمد علي العياري -في حديثه للجزيرة نت- أن الخطوة التي أقدمت عليها القناة بإيقاف البث بشكل مؤقت ومن تلقاء نفسها، هي بادرة حسن نية بانتظار تسوية وضعيتها مع الهايكا.
وحول وجود حسابات سياسية وراء دعوات الهيئة لغلق القناة في علاقة بخطها التحريري وما تقدمه في برامجها الحوارية، اعتبر محدثنا أن الحكم على ذلك سابق لأوانه وستحدده جلسة التفاوض المزمع عقدها اليوم الثلاثاء بهدف عودة البث بشكل مسترسل.
استهداف القنوات المعارضة
ويرى جزء من المتابعين للمشهد الإعلامي في تونس أن هناك استهدافا للقنوات المعارضة للرئيس قيس سعيد ولإجراءاته التي اتخذها منذ 25 يوليو الماضي وتوصيفها بالانقلاب لا سيما من قبل قناتي نسمة والزيتونة.
ولا يزال مقدم البرامج الحوارية بقناة الزيتونة عامر عياد يخضع للمحاكمة العسكرية بتهمة ارتكاب “أمر موحش ضد رئيس الجمهورية والمس من كرامة وسمعة الجيش التونسي والدعوة للعصيان المدني”، وهي تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وسبق أن وجه عياد انتقادات وصفت باللاذعة لرئيس الجمهورية عبر منبر القناة ذاتها. واتُّهمت القناة في أكثر من مناسبة باستضافة شخصيات سياسية وحقوقية تدين بالعداء الشديد للرئيس قيس سعيد وبأنها “بوق سياسي” لحزب حركة النهضة.
ويصف رئيس تحرير قناة الزيتونة لطفي التواتي -في تصريح للجزيرة نت- الإجراءات المتخذة من قبل الهايكا بحق القناة بغير القانونية والتعسفية، متهما أعضاءها بالمماطلة وعدم الرغبة في تسوية وضعية القناة رغم تقدم الأخيرة بملفها في أكثر من مناسبة.
ولفت إلى أن الهيئة ذاتها “منتهية الصلاحية وتمارس نشاطها بشكل غير قانوني” بحكم المرسوم 116 لسنة 2011 المنظم لعملها، والذي حدد ولاية رئيسها وأعضائها لمدة 6 سنوات غير قابلة للتجديد.
واتهم التواتي الهيئة باستغلال الظروف السياسية والتدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد لتنفيذ قرارات في ظاهرها تطبيق للقانون وفي باطنها تصفية حسابات سياسية.
وأشار إلى أن قناة الزيتونة تدفع اليوم ضريبة رأيها الرافض للانقلاب على الشرعية والدستور، وتحاكم على خطها التحريري الذي اتخذته كقناة ذات خط إسلامي عروبي محافظ على خلاف قنوات أخرى.
وأكد رئيس تحرير قناة الزيتونة أن الانتقادات التي وجهها مقدم البرامج عامر عياد إلى رئيس الجمهورية في إطار ما يكفله له الدستور بممارسة حرية الرأي والتعبير كانت سببا مباشرا في اعتقاله وفي محاولات الهايكا التعجيل بغلق القناة، لافتا إلى أن الزيتونة مستمرة في البث من الخارج.
بدوره، اعتبر زياد الريبة الممثل القانوني والمدير العام لقناة نسمة، خلال ندوة صحفية على خلفية قرار الهايكا بإيقاف بث القناة، أن الهيئة مارست “سياسة المماطلة خلال سعي القائمين على القناة لتسوية وضعيتهم القانونية“.
واتهمت قيادات حزبية وشخصيات قريبة من حزب قلب تونس ورئيسها نبيل القروي، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بممارسة سياسة انتقامية، وتصفية حسابات شخصية مع مالك القناة السابق.