في الوقت الذي تواصل فيه الدوائر الرسمية الأميركية -مثل وزارتي الدفاع (بنتاغون) والخارجية والبيت الأبيض- تأكيد سعي واشنطن للتوصل لحل دبلوماسي للتوترات المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا، مثّل قرار الرئيس جو بايدن نشر 3 آلاف جندي أميركي في عدة دول أوروبية حليفة مجاورة لأوكرانيا خطوة مهمة وشديدة الخطورة.
وجاءت الخطوة الأميركية في وقت عدد فيه مراقبون أوروبيون 5 مؤشرات تدل على أن روسيا أخذت قرار شن الحرب ضد أوكرانيا، وأن الحرب لن تبدأ بصورة مفاجئة، بل عبر خطوات متدرجة لا يمكن تجاهلها.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي “إن نشر هذه القوات يبعث رسالة بأن واشنطن مستعدة للدفاع ضد أي عدوان”. في حين أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن “قرار نشر القوات الأميركية جاء بسبب أفعال التصعيد الروسية وبعد التشاور مع الحلفاء”.
وفي أول رد روسي، قال مجلس الدوما إن نشر قوات أميركية في أوروبا الشرقية خطوة غير بناءة، ومن شأنها تقويض عملية التفاوض بشأن الضمانات الأمنية، وقد يدفع موسكو لاتخاذ رد صارم.
وفي إفادة صحفية، أعلن مسؤول أميركي رفيع أن “الولايات المتحدة لا تريد صراعا، بل تريد السلام”. ومع توارد التقارير حول زيادة الحشد الروسي قبالة الحدود الأوكرانية، وزيادة المخاوف من بدء غزو روسي في أي لحظة، أرسلت الولايات المتحدة أسلحة أخرى بقيمة 200 مليون دولار إلى أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية.
روسيا تواصل الحشد
وذكر أندرو لوسين، المسؤول السابق بوزارة الخارجية، وخبير الشؤون الروسية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن؛ أن روسيا من جانبها “تواصل حشد أعداد ضخمة من جنودها وعتادها العسكري حول أوكرانيا، وحتى الآن لم تعدل موسكو مطالبها بخصوص النظام الأمني الجديد في أوروبا. وإذا لم يكن الكرملين راضيا عن الخيارات الدبلوماسية المتاحة لتحقيق أهدافه، فإن الخيار العسكري يصبح أمرا لا مفر منه. لقد قام (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بمغامرة كبيرة، ولا يريد أن يرجع خالي الوفاض”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار لوسين إلى أنه علينا “الانتظار لنعرف ما نوع العملية التي ستشنها روسيا ضد أوكرانيا إذا اختارت حل المأزق الحالي بالقوة. ومن شأن شن عملية غزو محدودة أن تجبر كييف على التخلي عن تطلعاتها الأوروبية الأطلسية، وسن الإصلاحات السياسية المؤلمة المتوخاة في اتفاقات مينسك”.
إلا أن لوسين تساءل: “هل يكفي ذلك لإرضاء روسيا، خاصة بعد أن قدمت كل مطالبها الطموحة لواشنطن وبروكسل؟ في هذه المرحلة ما زلنا لا نعرف، وما يجعل الإجابة عن هذا السؤال صعبة هو حقيقة أن نوايا الكرملين المعلنة ونوايا الرئيس الروسي الحقيقية قد لا تكون هي نفسها”.
في حين أشار ستيفن سيستانوفيتش المسؤول السابق بوزارة الخارجية والخبير حاليا في مجلس العلاقات الخارجية -في حديث للجزيرة نت- إلى أن قرار بايدن إرسال 3 آلاف جندي لدول مجاورة لأوكرانيا يُعد “إيماءة صغيرة إلى حد ما من الناحية العسكرية، ولكن بوتين خلق لنفسه مشكلة كبيرة؛ فكلما هدد أوكرانيا كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي أقل استعدادا للتفاوض على تقليص قواتهما أو قدراتهما في الدفاع عن دول حلف الناتو”.
رسالة صارمة لبوتين
وشجع ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز خطوة التحرك الأميركي بنشر قوات أميركية في دول شرق أوروبا، وقال للجزيرة نت “إنها خطوة جيدة، وإلى جانب قرارات مماثلة من حلفاء الناتو الآخرين، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والدانمارك؛ فإن هذا سيطمئن الحلفاء في الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ويبعث رسالة قوية إلى موسكو”.
وخلال مؤتمر صحفي جمعه أمس الأول مع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان؛ اتهم الرئيس الروسي واشنطن بتجاهل مخاوف بلاده الأمنية، وباستخدام أوكرانيا أداة لجر روسيا إلى نزاع مسلح، وأعرب في الوقت ذاته عن أمله في التوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة بين موسكو والغرب. إلا أن المتحدثة باسم البيت الأبيض أشارت أمس الأربعاء إلى أن “أفعال بوتين تجاه أوكرانيا تصعيدية وليست عكس ذلك حتى الآن”.
وعبّر خبير الشؤون الروسية بجامعة جورج واشنطن البروفيسور هنري هول عن مخاوفه من ألا تردع خطوة نشر قوات أميركية في شرق أوروبا الرئيس بوتين. وقال للجزيرة نت “إن هذه الخطوة لن تفعل شيئا يذكر لردع روسيا في حين يمكن استغلالها من جانب الكرملين والمتشددين الروس ذريعة للترويج -بين الرأي العام الروسي الذي لا يريد الحرب- لفكرة أن حلف الناتو يقترب أكثر وأكثر من أوكرانيا ومن حدودنا، وأن على روسيا التحرك لوقف هذه التهديدات”.
في حين قال الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية وليام وولفورث في حديث للجزيرة نت إنه “يعتقد أن هذه خطوة كان يمكن التنبؤ بها، وقد جاءت لطمأنة الحلفاء؛ ولكن من المرجح أن يستغل بوتين هذه الخطوة لدعم روايته بإلقاء اللوم وإرجاع المسؤولية عن هذه الأزمة إلى تحركات وأفعال واشنطن وحلف الناتو. ورغم ضعف الحجة الروسية، فإن تخميني أن الروس -من المرجح- قد استعدوا مبكرا لمثل هذه التحركات الأميركية المتوقعة بعدما حشدوا أكثر من 100 ألف جندي على حدود أوكرانيا”.