نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لمراسلها في موسكو مارك بينيت، قال فيه إن تصميم الرئيس الروسي على تحدي المنطق وشن حرب على أوكرانيا أثار أسئلة حول سلامته العقلية.
وقال السناتور الأمريكي ماركو روبيو ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، “أتمنى لو استطعت أن أشرككم بالكثير، وكل ما أستطيع قوله في الوقت الحالي هو أن هناك خلل ما لدى بوتين”، و”كان دائما قاتلا، ولكن مشكلته الآن هي مختلفة وخطيرة، ومن الخطأ الافتراض أن بوتين كان سيتصرف بنفس الطريقة قبل خمسة أعوام”. ولم يقدم روبيو مزيدا من التفاصيل عن نظريته، لكن المراقبين الدائمين للكرملين يعترفون أن بوتين كان خلال العامين الماضين منعزلا ونفى نفسه من العالم. وعنت محاولات حماية بوتين من الإصابة بفيروس كورونا أن لقاءاته جرت حول طاولة طويلة جدا أو من خلال الفيديو. ويجب على مسؤولي موسكو تقديم عينات براز عدة مرات في الأسبوع للتأكد من عدم نقل اي عدوى للرئيس، ومن يقابلونه وجها لوجه يجب عليهم عزل أنفسهم مدى أسبوعين قبل اللقاء.
وقالت تاتيانا ستانوفيا، المحللة السياسية في (أر بوليتك) “لقد عزل نفسه كثيرا خلال العامين الماضيين وأصبح بعيدا عن آلة البيروقراطية ومن المؤسسة ومن النخبة. وقضى وقته وحيدا يفكر بحاله ومخاوفه” وتقول “لا يطلب الاستشارة ولكنه يضع المهام ويطلب تنفيذها”. وكشف مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية المرتبط بوزارة الخارجية أندريه كورتنوف عن أنه لم يقدم النصح للمسؤولين الروس حول الغزو وأن القرار أدهشهم. وقال “يمكنني القول أن الكثيرين داخل وزارة الخارجية دهشوا وصدموا ويمكنني القول إنهم شعروا بالدمار مما حصل”. ونقلت عنه بي بي سي “هذا خط أحمر اجتازته القيادة الروسية”.
وتعلق الصحيفة أن عزلة الرئيس عنت اعتماده على مجموعة صغيرة من العسكريين المتشددين ورجال الأمن والجواسيس. وكان هؤلاء الرجال مع بوتين عام 2014 عندما اتخذ قراره لضم شبه جزيرة القرم، وهم الرجال الذي شوهوا تفكير بوتين حول أوكرانيا كبلد يحكمه “مدمنو المخدرات والنازيون الجدد”. وواحد من هؤلاء نيقولاي باتروشيف، مدير مجلس الأمن القومي الذي يعرف بوتين منذ سنوات السبعين في القرن العشرين، عندما عملا معا في (كي جي بي).
وينظر باتروشيف إلى الغرب باعتباره بوتقة انحطاط وزعم أن بعض الدول الأوروبية “سمحت بالزواج من الحيوانات”. ويعتبر سيرجي ناريشكين، مدير المخابرات الأجنبية (أس في ار) رجلا آخر في حلقة بوتين، وزميله في (كي جي بي) والخبير في التاريخ الروسي. وعادة ما يتهم الناشطين والمعارضين بالتعاون مع المخابرات الأجنبية.
ويبدو أن وزير الدفاع سيرجي شويغو، هو الأقرب في علاقته مع بوتين. وسافر الإثنان في رحلة صيد بسيبيريا عام 2019 احتفالا بعيد ميلاده بوتين. ويعتبر شويغو، (66 عاما) من جامعي السيوف المزخرفة وأشرف على وحدة الإستخبارات العسكرية (جي أر يو)، ومتهم بتدبير محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال بمدينة سالزبري البريطانية عام 2018.
“يتواصل بوتين مع العالم الخارجي من خلال دائرة ضيقة، ويتضايق لو كان أي منهما لديه موقفه الخاص، بالنسبة له فهذه كارثة”
ويقول أحد المسؤولين السابقين عن الدعاية في الكرملين غليب بافلوفسكي، “يتواصل بوتين مع العالم الخارجي من خلال دائرة ضيقة، ويتضايق لو كان أي منهما لديه موقفه الخاص، بالنسبة له فهذه كارثة”. وطرد بافلوفسكي من الكرملين عام 2011، لمعارضته عودة بوتين إلى الرئاسة مرة ثالثة، وقال إن الزعيم الروسي لم يعد يشبه الزعيم الذي عمل ومعه وقدم له النصح في الماضي. و”كان ميالا لمناقشة الأمور مع مستشاريه وكان منفتحا على الآراء البديلة”، واصفا الهجوم على أوكرانيا “بالضربة الخطيرة” على الأمن الروسي، ومضيفا ” بوتين السابق لم يكن ليفكر بهذا أبدا، فقد كان رجلا عقلانيا. اختفى كل هذا الآن ولديه هوس بأوكرانيا لم يظهره في الماضي. وهو يستجيب للصور الموجودة في عقله”.
ورفض بافلوفسكي القول إن بوتين قد فقد عقله “لست طبيبا”. لكن الآخرين شعروا بالصدمة من خطابه المليء بالكراهية عن أوكرانيا، ولم يترددوا بوصف الزعيم الروسي بالمجنون، كما قال ليونيد فولكوف، حليف المعارض الروسي السجين أليكسي نافالني: “بوتين مجنون وخطير”، في منشور على منصات التواصل الاجتماعي.
وصدمت حرب بوتين في أوكرانيا الملايين من الروس، بدءا من الناس العاديين إلى النجوم البارزين ورجال الأعمال، وخرجوا بأعداد كبيرة يوم الخميس يرددون هتاف “لا حرب” في حوالي 50 مدينة وبلدة من سان بطرسبرغ إلى إركوستيك في شرقي سيبيريا. وتم اعتقال حوالي 1500 متظاهرا حسب جماعة المجتمع المدني أو في دي- إنفو.
وجاءت التظاهرات رغم القمع الذي مارسه بوتين خلال السنوات الماضية ضد أي محاولة احتجاج ضد من نافالني إلى شامان حاول تنظيم “زحف من سيبيريا إلى موسكو”. كما وصف الإعلام المستقل بعملاء الاجانب، وتم اعتقال الناشطين المناهضين للكرملين بسبب منشور على منصات التواصل. وعبر النجوم ومنهم الكوميدي ماكسيم غالكين والمتزوج من ألا بوغاتشيفا، المغنية المعروفة من العهد السوفييتي حيث عبرا عن غضبهما على منصات التواصل الإجتماعي، وإيفان أورغانت الذي يدير برنامجا حواريا في التلفزيون حيث ناشد بوتين بوقف الهجوم على أوكرانيا من خلال منشور على “انستغرام”. وتم وقف برنامجه يوم الجمعة بحجة “مناسبة اجتماعية – سياسية”. ووقع حوالي 600 مدرس رسالة مفتوحة ضد الحرب وحتى ليزا بيسكوفا، ابنة المتحدث باسم بوتين، وضعت رسالة مضادة للحرب على منصات التواصل الاجتماعي قبل أن تحذفها بسرعة.
ورغم الغضب حول الحرب هناك موافقة وعدم اهتمام فقد صور الإعلام الرسمي الحرب بـ”العملية الخاصة” لحماية مجموعة من الناس في جمهوريتين انفصاليتين من خطر “الإبادة” من الجيش الأوكراني
ورغم الغضب حول الحرب هناك موافقة وعدم اهتمام. فقد صور الإعلام الرسمي الحرب بـ”العملية الخاصة” لحماية مجموعة من الناس في جمهوريتين انفصاليتين من خطر “الإبادة” من الجيش الأوكراني. وبث التلفزيون صورا للهجمات على المدن الأوكرانية و “كان هذا إجراء ضروريا، فروسيا لم تبدأ الحروب بل تريد إنهاءها” كما قال فلاديمير سولوفيف، أحد مقدمي البرامج المهمين على التلفزيون الحكومي.
وحذرت مؤسسة الرقابة الحكومية وسائل الإعلام من استخدام المعلومات غير الرسمية وأنه سيتم حجبها. ويقول سام غرين، مدير المعهد الروسي بكينغز كوليج إن العقوبات الغربية على روسيا لن يكون لها حظ كبير من النجاح و”الطريقة الوحيدة التي ستكون فيها العقوبات جيدة لأوكرانيا هي إثارة النخبة الروسية والجماهير للبحث عن قيادة لديها رغبة أقل لممارسة ألعاب في المستقبل”.
و “قد ينجح هذا أو لا ينجح ولا خيار للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عند هذه النقطة إلا المحاولة”. ولا يتوقع ستانوفويا الذي يركز عمله تحديدا على النخبة الروسية أي تغيير قريب في القيادة “النخبة تعيش صدمة، ولا احد منهم حذر، فقد كانوا يعتقدون أن المفاوضات طويلة” و “هناك الكثير من الناس في النخبة ضد ( الحرب) ولا أحد منهم مستعد لتحديه. ولن يكون هناك أي انقلاب، فقط القادة العسكريين البارزين في المؤسسة هم القادرون على الإنقلاب وحصلوا على كل ما يريدونه”.