الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يحتفل بأول مايو ويدعو إلى حوار اجتماعي حقيقي يلبي مطالب العمال
عشية عيد العمال الأممي، أعلنت الحكومة المغربية التي يرأسها الملياردير عزيز أخنوش عن وصولها إلى اتفاق اجتماعي ثلاثي مع النقابات الأكثر تمثيلية ونقابة رجال الأعمال، في عرض وصف بالهزيل مقارنة مع عروض حكومتي الإسلاميين السابقتين.
ويرى ملاحظون أن موقف النقابات من عمل الحكومة باتت تحكمه أجندات سياسية في علاقة ملتبسة، لا تخدم مصالح الشغيلة المغربية التي كانت تنتظر أن يرقى مثل الاتفاق الذي طبخ على عجل إلى مستوى تطلعاتها ويسد الفجوة التي خلفتها جائحة كورونا وموجة الغلاء الفاحش، متسائلين هل أصبحت النقابات العتيدة التي عرفت بتاريخ من الصمود والنضال في جيب الحكومة.
عدم الاحتجاج
يبرز ملاحظون أن تلك العلاقة الملتبسة ظهرت من جديد، وعلاوة على مضامين الاتفاق، في قرار نقابة الاتحاد المغربي للشغل كبريات النقابات المغربية عدم الخروج إلى الشارع للاحتفال (أو الاحتجاج) بعيد الشغل لهذه السنة.
هذه المركزية النقابية التي شوهد رئيسها يشاهد مباراة في كرة القدم في ملعب مملوء عن آخره، بررت قرارها في بيان صادر عنها بالاحتراز من تفشي وباء كورونا وسط المحتفلين (المحتجين)، وأيضاً من تزامن هذا الاحتفال مع عيد الفطر.
وعرف في أدبيات النقابة ذاتها الحديث عن استقلاليتها عن الأحزاب، لكن خلال الانتخابات الماضية لاحظ الجميع كيف دعمت حزب التجمع الوطني للأحرار الذي بات يقوده الائتلاف الحكومي المكون من ثلاثة أحزاب تحت قيادة أخنوش.
يقول محمد يتيم القيادي النقابي السابق في هذا الصدد لـ “المجتمع” إن أول مايو كان كرنفالاً حقيقياً حافلاً باللوحات التشخيصية لواقع العمل وظروف عملهم، لكن إلغاء التظاهرات العمالية يعتبر حجة سخيفة ومضحكة في وقت تمتلئ فيه الملاعب بأضعاف المشاركين في المسيرات وتكتظ المساجد وساحاته بالمصلين.
ويستغرب المتحدث ذاته وهو أيضاً وزير سابق قرار النقابة، في الوقت الذي تصطلي فيه الشغيلة بموجة غير مسبوقة من الغلاء، ويزداد فيه أثرياء وكبرى شركات المحروقات اتساعاً وفحشاً في هوامش ربحهم.
ويلاحظ يتيم أن هذا الصيام عن النضال في شهر الصيام، لا يرتبط فقط بمناسبة فاتح مايو، مبدياً أسفه على ما آل إليه وضع العمل النقابي، والذي من المفروض أن يؤطر الغضب ويوفر شروطاً للتعبير عنه بطريقة حضارية والضغط على المنتفعين من الوضع الصعب.
ويسجل أن إضعاف العمل النقابي هو تجريف آلية من آليات الوساطة الاجتماعية، وهو التهديد الأكبر للاستقرار الاجتماعي.
احتفالات أول مايو وسط رفض الاتفاق الحكومي مع النقابات
ملفات عالقة
يعتبر أول مايو مناسبة لتذكير الحكومة بالملفات العالقة التي يجب أن تعالجها، في حين خرجت الحكومة بمقترح للزيادة في دعم النقابات ذاتها مالياً، وهو ما اعتبره ملاحظون تكريساً لتلك العلاقة الملتبسة، ومحاولة من رئيسها الملياردير شراء ما تبقى من الأصوات، بعدما استعمل أمواله في كثير من مجالات الوساطة مثل جمعيات المجتمع المدني والإعلام والمؤثرين..
ويشير المسؤول النقابي عبد الإله دحمان في تصريح لـ “المجتمع” إن الشغيلة المغربية تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة متأثرة بالتطورات والتوترات الدولية، في مقابل تردد حكومي في اتخاذ مبادرة للتخفيف من الانهيارات المتتالية للقدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم وما ينتج عنها من إفراغ الأجور من قيمتها المالية والنقدية وما تنتجه من أوضاع اجتماعية تمس كافة شرائح المجتمع المغربي في مقابل اتساع الهوة بين الطبقة المتوسطة والفقيرة من جهة وأخرى تراكم الثروة والاغتناء.
فيما يبرز المسؤول النقابي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عبد الغني الراقي أن الشغيلة المغربية تخلد أول مايو بطعم خاص بعد غياب سنتين بسبب الجائحة، مؤكداً أن هذا اليوم هو مناسبة للاحتجاج وطرح الملفات العالقة، وأيضاً التنبيه إلى خطورة ضرب الحقوق والحريات النقابية والعامة.
ويؤكد الراقي لـ “المجتمع” أن الوضع الاجتماعي متأزم بسبب الغلاء الفاحش في جميع المواد، الذي زاد من التأثيرات السلبية للجائحة والجفاف الذي يعرفه المغرب هذه السنة، وكل ذلك تدفع الشغيلة ثمنه غالياً.
ويشير إلى أن الحوار الاجتماعي ما زال يلفه الغموض (قبيل الاتفاق)، ذلك أن الحكومة تريد الوصول إلى اتفاق دون أن تقدم مقابلاً له بخصوص المطالب الرئيسية للشغيلة.
اتفاق هزيل
وفي وقت لاحق، وصلت الحكومة إلى اتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية ونقابة رجال الأعمال، قوبل بالتنديد على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، من قبل عاملين وأيضاً لنشطاء في النقابات الموقعة لتضمنه تسويف لحل الكثير من الملفات العالقة.
ويبرز نائب الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (لم توقع) عبد الإله دحمان أن آثار مضامين الاتفاق الاجتماعي المستعجل والمحكوم بأجندة فاتح مايو، ضئيلة جداً مقارنة مع حجم الملفات المطروحة، بالرغم من تضمنه نقاط إيجابية قليلة تمس فئة قليلة جداً، مبرزاً أنه لا يجيب على التحديات الخاصة لما بعد كورونا والأوضاع الاجتماعية وأيضاً مع الديناميكية التي تعرفها الأسعار من غلاء وانهيار المتتالي للقدرة الشرائية.
ويوضح أن الاتفاق يجب أن يوضع في سياقه العام، ذلك أن المغرب فقد خلال جائحة كورونا أكثر من 400 ألف منصب شغل، لم يتدارك منها سوى أقل من 50 %، وأن الاتفاق صدم الشغيلة التي كانت تنتظر زيادة مباشرة في الأجور أو إجراءات لتحسين الدخل الضريبي أو غيره.
مقارنة
وبعد عرض الاتفاق، انتشرت مقارنة بين ما كانت تعرض حكومتي الإسلاميين في الفترة السابقة (حكومة ابن كيران وحكومة العثماني)، والتي قوبلت برفض النقابات ذاتها الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ومن الأمثلة على ذلك في حكومة ابن كيران تحسين الأجور، ورفع التعويضات العائلية، والرفع من الحد الأدنى للمعاش وتعميم التغطية الصحية للوالدين والتزام إقرار التعويض عن العمل في المناطق النائية وإصدار القوانين المتعلقة بالحوادث والأمراض المهنية.
ويأسف المحلل السياسي عبد الصمد بنعباد على ما وصفه بانتهاء النقابات التاريخية المناضلة في جيب رئيس الحكومة وبيد من لا تاريخ له.
ويرى أن العرض المغري من رئيس الحكومة وهو أيضا رئيس شركة كبيرة للمحروقات، بدعم النقابات يتجاوز 30 % إضافية إلى المبالغ التي تخصصها الحكومة سنوياً جعلها تقع فريسة سهلة، في الوقت الذي رفضت نقابة رجال الأعمال مشروع قانون النقابات، وعرض ميزانية النقابات لفحص وتدقيق مؤسسات الرقابة المالية.
ويبرز أن هذه النقابات وافقت على الأسوأ، ورفضت الأحسن (حكومة العثماني 2019م) والأحسن منه (حكومة ابن كيران 2016م)، مبرزاً أن حساباتها يجب أن توافق تحقيق السلم الاجتماعي وتأمين عبور المغرب إلى المستقبل بعيداً عن كل ما يهدد استقراره في زمن مضطرب.
من جهته يسجل الأكاديمي محمد يتيم لـ “المجتمع” بأسف شديد وجود المركزيات النقابية اليوم هي في أسوأ أوضاعها بدليل أنها ليست قادرة على احتضان المطالب الشعبية والفئوية كما يتضح من خلال الدور المتزايد للتنسيقيات فضلاً عن أنها اليوم متماهية مع حكومة أخنوش ومن هنا فقد شعار الاستقلالية عن الأحزاب التي ترفعه بعضها من محتواها بدليل اصطفاف بعضها في الانتخابات وراء أخنوش.
ويضيف أن إخراج اتفاق اجتماعي هزيل هو نفس ما رفضته في ولايتي العدالة والتنمية يرتبط بالسياق السياسي والتوتر الاجتماعي خاصة في الظرفية الحالية، وهو محاولة لامتصاص الغضب الاجتماعي من خلال احتواء موظفي القطاع العام، أما شغيلة القطاع الخاص فلا يصلها إلا الفتات وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها وعن حقوقها، وأي شكل من أشكال احتجاجها يواجه بالطرد التعسفي، ولذلك لم نعد نسمع بإضراب في القطاع الخاص.
الاتحاد الوطني للشغل يحتفل بأول مايو ويدعو إلى حوار اجتماعي حقيقي يلبي مطالب العمال