هناك توأمة بين الشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، وقضية المسجد الأقصى المبارك، ففي عام 1987م انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي سميت بـ»أطفال الحجارة»، فوجَّه الشيخ خطبه ودروسه ومحاضراته وأحاديثه العادية في مجالسه الخاصة والعامة من أجل هذه القضية، وما زلت أذكر عندما كان يصعد منبر خطبة الجمعة، أو في محاضراته الجماهيرية، وهو يحمل بيده حجراً أتاه من فلسطين، هاتفاً: هذا الحجر أتاني من القدس، هذا حجر شُجَّ به رأس يهودي، وينشد بصوته الجهوري: «خيبر خيبر يا يهود.. جند محمد سوف يعود»، «بالنباطة والمقلاع.. حطم بني قينقاع».
لقد استطاع القطان أن يحيي القضية في نفوس الناس وإشعال الحماس لها، وعزز مشاعر المسلمين تجاهها، وأن القدس دين وعقيدة، وليست مجرد قضية عادية أو ملف سياسي يتداول بأروقة الجامعة العربية والأمم المتحدة كأي قضية أخرى، لقد استطاع أن يلهب حماس الشباب في تبني هذه القضية وتعزيز إسلاميتها، وأن أمل تحريرها قادم كطلوع الشمس، وعلى طول سنوات عمره إلى أن توفاه الله تعالى وقضية القدس والمسجد الأقصى على لسانه وفي دعائه وفي آماله بأن النصر قادم لا محالة.
أدى القطان، يرحمه الله، دوراً كبيراً على مستوى العالم الإسلامي في إبقاء هذه القضية بالنفوس طوال عشرات السنين، حتى إنه جاء في بيان نعي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للشيخ القطان أنهم كانوا يتداولون أشرطته في أغلب المناطق الفلسطينية، وكانت القوات الصهيونية تقبض على أي شخص لديه أي شريط لخطب القطان، وتعتبر ذلك تهمة وجريمة.
منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى أطلق على منبر خطبة الجمعة في مسجده «منبر الدفاع عن المسجد الأقصى»، واستمر بالدفاع عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، وعندما جاء الغزو العراقي للكويت، وتخاذلت بعض الفصائل الفلسطينية وأيدت الغزو، كان رد الفعل من الشعب الكويتي ضد القضية الفلسطينية، ولكن الشيخ استطاع أن يفرّق بين موقف السياسيين ضد الكويت وقضية القدس و«الأقصى» وفلسطين كواجب شرعي يتحمله كل المسلمين في الدفاع عنه، واستمر بالخطابة ولم يتوقف ولم تتحول أو تتغير مواقفه.
وعندما تم توقيع «اتفاق أوسلو»، وأصبح التخاذل العربي ضد القضية واضحاً؛ هاجم الاتفاقية وكل مَنْ أيَّدها بقوة، حتى إن وزارة الأوقاف الكويتية أوقفته عن الخطابة أكثر من مرة، خاصة عندما هاجم بعض الرؤساء العرب الذين كان لهم موقف متخاذل مع القضية الفلسطينية، ولكنه استمر.
لقد كانت القضية الفلسطينية عند الشيخ أحمد القطان حياة وأملاً وقناعة مطلقة، وتوفي الرجل وبقيت القضية التي عمل على إحيائها واستمراريتها ليس في الكويت فقط بل في العالم الإسلامي، وليس لجيل بل أجيال خلفها أجيال تابعته وتأثرت به وتبنت رؤيته في هذه القضية.
رحل صاحب منبر الدفاع عن المسجد الأقصى، وبقي المسجد الأقصى، وبقي فكر الشيخ القطان، وبقيت قضيته الأولى، وبقي العالم الإسلامي الذي آمن بفكرة القطان مستمراً في الدفاع عن المسجد الأقصى.
لقد كان، يرحمه الله، مدرسة في دفاعه عن المسجد، واستطاع تخريج أجيال تتبنى فكرته، وصدق الكاتب والأديب سيد قطب، يرحمه الله، عندما قال: «إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة».