رغم اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا من يومها المئة، إلا أن وكالة بلومبرغ ترى أن موسكو تحصل على سيولة ضخمة تبلغ حوالي 800 مليون دولار يومياً هذا العام، من مبيعات النفط والغاز والسلع الأخرى.
ولسنوات، كانت روسيا متجراً كبيراً للسلع الأساسية يبيع ما يحتاجه العالم، ليس فقط من الطاقة، ولكن من القمح، والنيكل، والألمنيوم، والبلاديوم أيضا. غير أن الحرب الروسية على أوكرانيا، دفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى إعادة التفكير في العلاقة بموسكو، ولا سيما التجارية والمالية.
وفرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات على روسيا، على أمل تجفيف مصادرها المالية التي تمول بها الحرب.
إلا أن “بلومبرغ” أكدت أن روسيا بعيدة عن التأثر بالعقوبات، إذ ارتفعت عائدات تصدير نفطها بـ 50% عن العام السابق.
وأضافت الوكالة أن الخزائن الروسية تفيض بالعائدات من السلع، التي أصبحت مربحة أكثر من أي وقت مضى بعد ارتفاع الأسعار العالمية الذي سببته جزئياً الحرب في أوكرانيا.
آلة مالية
وحتى مع وقف بعض الدول مشتريات الطاقة، أشارت تقديرات بلومبرغ ايكونوميكس إلى أن عائدات روسيا من النفط والغاز ستصل إلى حوالي 285 مليار دولار هذا العام.
ويُدرك زعماء الاتحاد الأوروبي أن عليهم التوقف عن الشراء من روسيا والتمويل غير المباشر لحرب مدمّرة على أعتاب أوروبا، لكن تدرك الحكومات الأوروبية أيضاً، أنه ستكون هناك تداعيات على اقتصاداتها.
واتفقوا هذا الأسبوع على مواصلة فرض حظر جزئي للنفط الروسي، بعد أسابيع من المساومة والانقسام.
وقال جيفري شوت، الزميل البارز في معهد بيترسون بواشنطن، إن هناك دائماً قيوداً سياسية على استخدام العقوبات، مضيفاً “أنت تريد زيادة ألم هدفك وتقليل الألم على الداخل، ولكن لسوء الحظ، فإن قول ذلك أسهل من فعله”.
وفي الولايات المتحدة، يناقش المسؤولون سبل تصعيد الضغط المالي، بالمساعدة في فرض سقف على أسعار النفط الروسي، مثلاً، أو فرض عقوبات على البلدان والشركات التي لا تزال تتعامل مع الشركات الروسية رغم القيود.
لكن الوكالة أشارت إلى أن مثل هذه العقوبات الثانوية قد تسبب انقساماً عميقًا، وتلحق الضرر بالعلاقات مع الدول الأخرى.
تغيير جذري
وبالفعل، حظرت الولايات المتحدة النفط الروسي، لكن أوروبا تتخلّص منه ببطء، ما يمنح موسكو وقتاً للعثور على أسواق أخرى، مثل العملاقين اللذين يستهلكان كميات كبيرة من السلع، الصين والهند، وذلك للحد من أي ضرر لى عائدات التصدير، أو المال للحرب في أوكرانيا.
وهذا يعني أن الأموال تتدفق إلى حسابات روسيا، والأرقام المالية، تذكير دائم للغرب بأن هناك حاجة إلى تغيير جذري.
وقالت وكالة الطاقة الروسية إن عائدات تصدير النفط وحدها ارتفعت 50% عن العام السابق. بينما قدّرت شركة SberCIB Investment Research في موسكو ، أن كبار منتجي النفط في روسيا حقّقوا أعلى أرباح مجمعة منذ ما يقرب من عقد من الزمان في الربع الأول من العام.
كما تستمر صادرات القمح، بأسعار أعلى، حيث لم تناقش العقوبات على الزراعة الروسية، لأن العالم في حاجة إلى الحبوب.
كما تضاعف فائض الحساب الجاري، وهو أوسع مقياس للتجارة في السلع والخدمات، بأكثر من ثلاثة أضعاف في الأشهر الأربعة الأولى من العام إلى ما يقرب من 96 مليار دولار.
ويعكس هذا الرقم، وهو الأعلى منذ 1994 على الأقل، بشكل رئيسي ارتفاع أسعار السلع الأساسية، رغم أن انخفاض الواردات تحت وطأة العقوبات الدولية هو أحد العوامل أيضاً.
كما أصبح الروبل رمزاً آخر يستخدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإظهار القوة. وبمجرد أن سخر الرئيس الأمريكي جو بايدن من الروبل، ووصفه بـ “ركام” عندما انهار في البداية رداً على العقوبات، دعمته روسيا حتى أصبحت العملة الأفضل أداءً في العالم مقابل الدولار هذا العام.
وحاول بوتين أيضًا الاستفادة من مكانة روسيا باعتبارها قوة سلع عظمى. ووسط قلق من نقص الغذاء، قال إنه لن يسمح بتصدير الحبوب والأسمدة إلا إذا لم تُرفع العقوبات عن بلاده.
وقالت جانيس كلوج، المتخصصة في أوروبا الشرقية وأوراسيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: “إذا كان الهدف من العقوبات هو وقف الجيش الروسي، فهذا لم يحدث بعد”، مضيفة “لا يزال بإمكان روسيا تمويل المجهود الحربي، وتعويض بعض الأضرار التي تُلحقها العقوبات بمواطنيها”.
عائدات النفط
واعتبرت الوكالة أن استعداد الدول الأخرى لمواصلة شراء النفط الروسي، بسعر مخفض، إحدى الثغرات الكبيرة في العقوبات المفروضة على روسيا.
واشترت المصافي الهندية أكثر من 40 مليون برميل من النفط الروسي بين بداية الغزو الأوكراني في أواخر فبراير(شباط) وأوائل مايو (أيار)، بما يزيد بـ 20% عن التدفقات بين البلدين فيلعام 2021 بأكملها، وفق حسابات بلومبرغ.
وتسعى شركات التكرير الهندية إلى صفقات خاصة بدل المناقصات العامة للحصول على براميل نفط روسية أرخص من أسعار السوق.
وتعمل الصين على تعزيز روابطها في مجال الطاقة مع روسيا، وتأمين أسعار أرخص بشراء النفط الذي يرفض شراءه أماكن أخرى. كما عززت بكين وارداتها، وتجري أيضاً محادثات لتجديد مخزونها الاستراتيجي من النفط الخام بالنفط الروسي.
الصلب والفحم
في غضون ذلك، قالت بيانات مكتب الجمارك الرسمية إن صادرات روسيا من الصلب والفحم ارتفعت للشهر الثالث في أبريل (نيسان) إلى أكثر من ضعف مستوى العام الماضي.
وحاول بعض بائعي الفحم الروسي تسهيل الأمور على المشترين الصينيين بالسماح بالمعاملات باليوان.
وفي هذا الإطار، قال فوتر جاكوبس، مؤسس ومدير مركز إيراسموس للسلع والتجارة بجامعة إيراسموس في روتردام، إن “الغالبية العظمى من العالم لا تشارك في فرض عقوبات”، مضيفاً أن “التجارة ستستمر وستكون هناك حاجة مستمرّة للوقود، وسيرتفع عدد المشترين في آسيا أو الشرق الأوسط”.
عائدات الغاز
وأكدت الوكالة أنه بالنسبة للغاز، فإن لدى روسيا خيارات أقل لتحويل الإمدادات، لكن الدول في نهاية خطوط الأنابيب الممتدة من روسيا، والتي يمر بعضها عبر أوكرانيا، عالقة هي الأخرى عالقة في تبعية متبادلة.
وتلبي روسيا حوالي 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وسيكون ذلك أصعب رابط يمكن فصله عن الاتحاد.
وقفز التسليم الأوروبي في فبراير(شباط) ومارس (آذار)، حيث تسبّب الغزو في ارتفاع الأسعار في مراكز الغاز الأوروبية، ما جعل الشراء من غازبروم الروسية أرخص لمعظم العملاء أصحاب العقود طويلة الأجل.
وحتى مع نقليل الاتحاد الأوروبي اعتماده على الغاز الروسي، حيث تقول ألمانيا إنها انخفضت إلى 35% من 55%، إلا أن هناك تعقيدات في كل خطوة.
لقد بذل العديد من كبار مشتري الغاز الروسي قصارى جهدهم لمواصلة شراء الوقود الحيوي، وتتوقّع شركات مثل Eni” الإيطالية وUniper الألمانية استمرار الإمدادات.
وفي إشارة إلى ضرورة استمرار الضغط حتى ظهور نتائجه على المدى المتوسط والبعيد، قالت تاتيانا ستانوفايا، من مؤسسة المستشار السياسي “آر بوليتيك”: “في الكرملين هناك بعض التفاؤل، بل المفاجأة من صمود الاقتصاد الروسي بعد العقوبات. لكن بالنظر إلى ما كان عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام، هناك الكثير من الأسئلة عن كيفية بقاء قطاعي الطاقة والتصنيع على هذه الوتيرة” بحسب موقع 24.