نشرت الرئاسة التونسية، الخميس الماضي، مشروع الدستور المقترح على الاستفتاء يوم 25 يوليو، وكان أكثر ما أثار ويثير الجدل في البلاد وخارجها موضوع الهوية وحذف عبارة “دولة دينها الإسلام” لتصبح “تونس أمة دينها الإسلام”، وقد حاول الرئيس قيس سعيّد شرح ذلك بأنه يريد تحقيق مقاصد الإسلام لأن الأمة مفهوم يختلف عما هو عليه الأمر في الغرب، في حين علّق آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي “على الأمة إقامة دولتها”.
إسلام رئيس الدولة
حسم الرئيس سعيّد هوية رئيس الدولة في دستوره الذي سيعرضه على الاستفتاء يوم 25 يوليو الجاري، بعد إحداث تغييرات على الدستور الذي أعدته المجموعة التي يرأسها صادق بلعيد، التي أكد أحد رؤساء فروعها بودربالة أن الرئيس غيّر وبدّل في مسودة الدستور التي قدمتها له اللجنة المكلفة بإعداد الدستور وجاء في الثامن والثمانين منه، في الباب الرابع: باب الوظيفة التنفيذية أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ودينه الإسلام.
كما ورد في الفصل التاسع والثمانين أنّ الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب ولأم وجد لأب ولأم تونسيين، وكلهم تونسيون دون انقطاع.
كما يجب أن يكون المترشح يوم تقديم ترشحه بالغاً من العمر أربعين سنة على الأقل، ومتمتعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية ويقع تقديم الترشح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسب الطّريقة والشروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابي.
من يخلف الرئيس؟
ونص الفصل المائة وتسعة من الباب الرابع المتعلق بالوظيفة التنفيذية بأنه عند شغور منصب رئاسة الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب من الأسباب، يتولى فوراً رئيس المحكمة الدستورية مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً.
ويؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان) والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين، وإن تعذّر ذلك، فأمام المحكمة الدستورية.
ولا يجوز وفق دستور سعيّد للقائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة الترشح لرئاسة الجمهورية ولو في حالة تقديم استقالته.
ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة الوظائف الرئاسية ولا يجوز له اللّجوء إلى الاستفتاء أو إنهاء مهام الحكومة أو حلّ مجلس نواب الشعب أو المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو اتخاذ تدابير استثنائية.
ولا يجوز لمجلس نواب الشعب (البرلمان) خلال المدة الرئاسية المؤقتة تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.
وخلال المدة الرئاسية يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد لمدة خمس سنوات.
ولرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
نصّ مشروع الدستور الجديد على أنّ الترّشح لعضوية مجلس نواب الشعب حقّ لكُلّ ناخب وُلد لأب تونسي أو لأمّ تونسية وبلغ من العمر 23 سنة كاملة يوم تقديم ترشّحه، ويتم انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب لمدّة 5 سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النيابية.
سحب الوكالة
يشير دستور سعيّد إلى أنه إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدة النيابية لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى، ويقول الفصل الثّالث والستّون: إذا تعذّر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم، فإن مدة المجلس تمدد بقانون.
ولا يمكن تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس.
كما لا يمكن إجراء تتبع أو إيقاف أحد النواب طيلة نيابته من أجل تتبعات جزائية ما لم يرفع عنه مجلس نواب الشعب الحصانة، أمّا في حالة التلبس بالجريمة، فإنه يمكن إيقافه ويتّم إعلام المجلس حالاً على أن ينتهي كل إيقاف إذا طلب المجلس ذلك، وخلال عطلة المجلس، يقوم مكتبه مقامه.
ولا يتمتّع النّائب بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكب داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضاً في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس.
دور البرلمان
في باب “الوظيفة التنفيذية”، نصّ مشروع الدستور في فصله (115) على أنّ “لمجلس نواب الشعب وللمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين أن يعارضا الحكومة في مواصلة تحمل مسؤولياتها بتوجيه لائحة لوم إن تبين لهما أنها تخالف السياسة العامة للدولة والاختيارات الأساسية المنصوص عليها بالدستور”.
ولا يمكن تقديم لائحة لوم إلا إذا كانت معللة وممضاة من قبل نصف أعضاء مجلس نواب الشعب ونصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ولا يقع الاقتراع عليها إلا بعد مضي ثمان وأربعين ساعة على تقديمها.
ويقبل رئيس الدولة استقالة الحكومة التي يقدمها رئيسها إذا وقعت المصادقة على لائحة لوم بأغلبية الثلثين لأعضاء المجلسين مجتمعين.
كما نصّ الفصل (112) على أنّه “يمكن لرئيس الجمهورية إذا تم توجيه لائحة لوم ثانية للحكومة أثناء نفس المدة النيابية إما أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما”.
ويجب أن ينص الأمر المتعلق بالحل على دعوة الناخبين لإجراء انتخابات جديدة لأعضاء مجلس نواب الشعب ولأعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو لأحدهما في مدة لا تتجاوز الثلاثين يوماً.
وفي حالة حلّ المجلسين أو حلّ أحدهما، لرئيس الجمهورية أن يتّخذ مراسيم يعرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو على أحدهما فقط بحسب الاختصاصات المخولة لكل واحد من هذين المجلسين.
ردود الفعل
ردود فعل المعارضة والموالاة تباينت، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه المعارضة دستور سعيّد من قبيل قول فرعون: “أنا ربكم الأعلى”، والوصف للأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، وأن المشاركة في الاستفتاء على هذا الدستور جريمة في حق الوطن، بتعبير الشواشي نفسه، تقدمت رئيسة حزب “الحر الدستوري” بشكوى قضائية ضد القائمين على إعداد الدستور بتهمة الانقلاب، وتغيير هيئة الدولة.
فيما رأت فيه الموالاة عنصراً مهماً لاستقرار الدولة، وتجميع السلطات في يد رئيس الدولة من شأنه تحقيق ذلك المطلب وفق تصورها.
وفي كل الحالات، لا يمكن لشخص واحد مهما كانت قدراته أن يفرض دستوراً غير مجمع عليه على شعب كانت ثورته قاطرة للربيع العربي، وقد فتح بذلك الباب لكل رئيس قادم أن يأتي بدستوره الشخصي ويفرضه على الناس، كما فتح الباب لكل رئيس قادم أن يستعين بالقوات المسلحة للانقلاب على بقية السلطة، وفق أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك.